حلم تغيير الخرائط لا يغير من الواقع شيئاً، وتبقى السياسة فن الممكن.

السماء المكشوفة لا تحميها وعورة التضاريس وبسالة المقاتلين.

لا حلم وطن ولا سلام غصن الزيتون ولا دحر داعش حمت عفرين.

الجغرافيا ظلمت الكرد وتظلمهم، حطمت أحلامهم وتحطمها مرة أخرى، وتبرهن لهم أنه لا أصدقاء سوى الجبال، العبارة الأكثر إيلاماً لمشاعر الكرد.

نشوة الانتصار تفتح البصر فقط لكنها تعمي البصيرة، والمنتصرون دوماً يطرزون اوهاماً وينقشون الأحلام.

خطب البارزاني قبل 16 سبتمبر 2017 بأيام في جماهيره يدعوهم إلى الاستفتاء بنعم متحملاً كل المخاطر والعواقب الناجمة عنها، فهم خطابه على أنه حصل على الضوء الأخضر من قادة العالم “الحر” ولا سيما رفضه لقاء قاسم سليماني في أربيل عشية الاستفتاء وهو وزير الحرب في اربع دول (العراق-لبنان-اليمن-سوريا) بعد أيام حصر الإقليم وأغلقت المطارات وهجم الحشد الشعبي بإمرة الولي الفقيه في إيران واحتلت الميليشيات الشيعية كل المناطق الكردستانية /المتنازع عليها/ التي استعيدت من داعش بعد 2014 والتي تبلغ 40% من إجمالي مساحة الإقليم ,وقامت المناورات المشتركة بين الجيش العراقي والجيش التركي على حدود الإقليم ,لم يحرك العالم ساكناً مخيباً تكهنات قيادة الإقليم الكردي وحساباتهم الخاطئة في تقدير الحلفاء وقراءة مؤشراتهم.

الاستقرار أولوية في السياسة الدولية ولا يهم من يقوم بها, حاكم مستبد أم ميليشيا مذهبية, دحر داعش ايضاً أولوية ولا يهم من يقدم القرابين, في جردة الحساب الأخيرة هم أرقام ومعاملات في توازن المعادلة الرئيسية.    

الرؤوس الحامية التي تكسب بعض الجولات تصبح منبعاً للأوهام وتقوم بإدارة المغامرات دون حساب أو تقدير.

في سوريا تم دحر داعش في معقله وعاصمة خلافته, مدينة هارون الرشيد, الرقة على يد المقاتلين الكرد, لكن للكبار حسابات أخرى ومعايير مختلفة.

 الثورة في شمال سوريا ترفض وتمانع ارتداء عباءة الإدارة، ترفض حسابات الربح والخسارة، ترقص على شفيرة الهاوية وتحاول ان تكون بيضة القبان في المعادلة الرئيسية (أمريكا-روسيا).

روسيا سحبت قواتها من عفرين دون سابق إنذار، وعفرين منطقة نفوذ روسي, الإدارة الذاتية على لسان ناطقها اتهمت روسيا بالخيانة, وكذلك المعارضة السورية من تركيا اتهمت روسيا بشراكتها في قتل أطفال أدلب والغوطة, وهي نقطة مشتركة لا يمكن البناء عليها, وروسيا لم تكلف نفسها عناء الرد ومضت في “مؤتمر السلام للشعب السوري” سوتشي بغياب أي تمثيل كردي تاركةً لهم أوهاماً وتقديرات خاطئة.

الكرد يرتكبون خطأين عندما يقارنون عفرين بكوباني وتركيا بداعش, تركيا دولة عضو في حلف الناتو والكبار لا يقايضون العلاقة معها على فصيل مسلح رغم كل بطولاته وتضحياته ضد داعش, الدول مصالح وتوافقات, الدول كلها متفقة على محاربة داعش في كوباني لكنها “تتفهم” موقف تركيا ومخاوفها الأمنية, فهم الانتصار مهمٌ جداً في لجم الوهم والحلم.

كان لقاطني شمال سوريا-روجآفا عيونٌ عدة بعضها تحدق في السماء بانتظار الغيث وبعضها تحدق على الشمال مخافة الغزو التركي وبعضها الأخر تنظر إلى دمشق بتوجس وريبة, الرب وحده يغيث العباد, وتبين أن السلطان العثماني قادرٌ على المغامرة بعدما اختلط عليه علاقة الخصم مع أمريكا وروسيا والأسد الذي تشدق الأخير مراراً باستحواذه على الورقة الكردية وقدرته على المضي في ادعائه بعد أن كان الرد قاسياً بأنه أخر من يحق له التحدث عن الخيانة, فهو يمضي في كرنفال سوتشي بعد أن هتفت الجماهير باسمه في القاعة وبعد أن طالبته الإدارة الذاتية بالتدخل لحماية عفرين وهي “جزء “من سوريا.

الأمر لا يتعدى كونه فهم خاطئ لسوريين في قضايا السياسة فها هو رياض سيف أبن دمشق ورجل الصناعة العريق والمعارض الذي دفع أثماناً باهظة من عمره وصحته وماله يزور قسطل جندو البلدة السورية المطلة على عفرين برفقة الجيش التركي وفصائل المعارضة المتطرفة، مباركاً غزو مدينة سورية تستضيف على أقل تقدير أكثر من مائتي ألف نازح سوري، وهذا يفتح ويشرعن لعداء سوري داخلي كما تشرعن البطولة الوهمية لفصائل المعارضة المتطرفة بالتمادي في سلوكها وتؤسس لحواضن شعبية جديدة على خلفية “انتصارها”، سيعود التطرف من جديد بلبوس قومي خاصةً بعد نية الدولة التركية توطين بعض السوريين اللاجئين في تركيا في عفرين وريفها  حسب ما صرح به رئيس الدولة التركية رجب طيب أردوغان. وهو أمرٌ شديد الخطورة يتوجب علينا كسوريين الحيطة والحذر  ويتوجب على المجتمع الدولي منعه.

 

 

 

 

yekiti