مقدمة لا بد منها:

منذ أن بدأت الثورة السورية في أواسط آذار 2011 وبالتزامن ما بين الحراك الشعبي في الداخل والحراك السياسي الذي تشهده الساحة السورية في الداخل والخارج ما بين أطياف المعارضة لرسم مستقبل سوريا بعد تحقيق الثورة لأهدافها المرجوة, بدأ يتردد في بعض الأوساط السياسية الكردية والشبابية مفاهيم ورؤى سياسية لحل القضية الكردية في سوريا ورغم اختلافها وغموض بعضها إلا أنها  تتقاطع جميعا في نقطة واحدة وهي اعتبارها قضية وطنية واعتبار حلها  جزء من الحل الكلي لقضية الشعب السوري عامة ورغم هذا التقاطع يظهر التباين بين هذه الرؤى في طريقة حلها والتي أصبحت محل جدل بين القوى السياسية الكردية نفسها ومع القوى الوطنية السورية .
وما تردد من هذه الحلول هو المطالبة بتبني نظام الحكم الفدرالية للدولة السورية كحل للقضية الكردية في سوريا ولكن دون تقديم رؤية واضحة عن كيفية بناء هذه الدولة الفدرالية المنشودة وشكلها ولا مضامينها القانونية والسياسية و ضمانتها و ما هو الممكن تحقيقه منها في ظل الخصوصية التي يتمتع به المكون الكردي من ناحية التوزُّع الديمغرافي للكرد في مناطقهم و بعض المناطق الأخرى من سوريا والبعد الجغرافية بين المناطق الكردية من جهة والتباين بين الرؤى المطروحة من الأطراف السياسية عامة  لحل هذه القضية من جهة ثانية بالإضافة إلى الظروف الإقليمية التي يعلمها الجميع .
ولكن في الوقت نفسه أن المطالبة بتبني الفدرالية كحل للقضية الكردية في سوريا من قبل الداعين إليها  يقود حتماً إلى فهم معنى الفدرالية و النظام الفدرالي و ضروراته و النظام القانوني الذي يجب أن يقوم عليه و الضمانات التي تضمن بناء الدولة الفدرالية  وكل ما يتعلق بهذا النظام من الناحية السياسية والقانونية والإدارية …….. الخ و الممكن تحقيقه من هذا الطرح من خلال تقديم رؤية و مشروع متكامل لبناء دولة سورية فدرالية تضمن حل القضية الكردية في سوريا وتضمن حقوق باقي المكونات السورية  على مختلف انتماءاتهم العرقية و الدينية و الطائفية على قاعدة التشارك في البناء و التعددية في نظام الحكم و وحدة المصير و المصالح بين  الأطياف المكونة للمجتمع السوري  .
ورغم أنه و في تاريخ الحركة الكردية في سوريا و منذ انطلاقة أول تنظيم سياسي كردي عام 1957و إلى تاريخه لم يتبنى أي فصيل سياسي كردي مثل هذا الحل في برنامجه السياسي و أدبياته الحزبية , وإذا ما اعتبرنا من حيث المبدأ أن الحل الفدرالي هو أحد ممارسات حق تقرير المصير المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و ميثاق الأمم المتحدة, فهو يبقى حلاً مطروحاً لبناء نظام تعددي ديمقراطي يضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري على قاعدة التشارك و وحدة المصير و المصالح المشتركة بين هذه المكونات بعد أن ثبت في كثير من الدول التي تتبنى الفدرالية كنظام حكم  أن هذا الحكم التعددي يقود إلى المشاركة الفعالة و الحقيقية في الحياة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية بصورة ديمقراطية و عادلة على مستوى الفرد و المكونات العرقية للدولة والذي من خلاله تؤدي مؤسسات الدولة دورها بصورة أفضل و أكثر عدالة و تحقيقاً للمساواة تحت مظلة القانون والرقابة الدستورية, وبالتالي ترتبط شخصية الدولة بالدستور ومؤسساته الدستورية بعيداً عن اختزال شخصية الدولة في شخص القائد أو الحاكم أو الحزب الواحد أو العرق الواحد, و هذا النوع من أنظمة الحكم ترتبط بمبدأ حق تقرير المصير للأمم و الشعوب و اللوائح الخاصة بحقوق الإنسان, و بالتالي تجسيد للديمقراطية والحكم التعددي  و الإدارة الذاتية و حكم القانون .
وكما ثبت في الوقت نفسه أن نظام حكم الفرد والحزب الواحد و العرق الواحد يقود دائماً إلى التفرد و حكر السلطات بيد شخص أو مجموعة معينة تنتهك القانون و الدستور و تهدر الحقوق و يقود إلى تراكم الأخطاء و المشاكل و تودي بالنتيجة إلى تجريد الدولة من شخصيتها القانونية  و يرتبط كينونتها بشخص الحاكم أو الحزب الواحد أو العرق الواحد …… و يستجر ذلك  تفشي الفساد و الظلم والقمع و ممارسة السلطات بعيداً عن مؤسساتها الدستورية ـ التشريعية و القضائية والتنفيذية ـ و تغيَّيب دورها في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية …..الخ و تؤدي بالنتيجة إلى قيام نظام شمولي دكتاتوري تولد لدى شعوبها نوعاً من الغربة الوطنية و انتقاص من شعور الانتماء إلى الوطن ككيان و مؤسسات و ترتبط الولاءات و الانتماءات بشخص القائد و الزعيم و الحاكم .
ومن هنا كان لابد من إجراء مقاربة بسيطة لمفهوم الفدرالية  بصورة عامة لتسليط الضوء على بعض المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام .
وإذا كانت الدولة في فقه السياسة والقانون الدولي (كيان اجتماعي ـ سياسي يقوم على أسس و شروط ثلاثة و هي: شعب و أرض و نظام سياسي يقوم على منظمة تشريعية يكون الدستور القانون العلوي فيها)  فنظام الحكم في أي دولة يتقرر حسب ظروف وعوامل كثيرة  من خلال دستور يتضمن شكل هذا النظام و القواعد القانونية التي تبنى عليه  نظام الحكم فيها .
ومن أشكال أنظمة الحكم في الكثير من الدول (نظام الدولة الفدرالية) أو (الاتحـاد الفدرالي)
ورغم أن شكل الدولة الفدرالية تختلف من دولة لأخرى وفقاً لتركيبة السكان والكيانات المتحـدة – القومية العرقية، التاريخية، اللغوية، أو الدينية… الخ والضرورات التي استدعت تبني هكــذا حل و عوامل أخرى اقتصادية …اجتماعية ….الخ
إلا إن جميع الأنظمة الفيدرالية تلتقي و تتقارب في المعنى و المضمون و المبادئ العــامة وإن اختلفت في التفاصيل ، وهذا التقارب بالمعنى والمضمون يرسم صورة مقبولة لشـــكل الـــدولة التي تتصف بجملة من التنوع العرقي والمذهـــبي والتركـيبة الســياسية المتـعددة الميــول والاتجــاهات المتعــارضة بحيــث يضمن لجمــيع الأفراد المشاركة الفعالة في مؤسسات الحكم وضمان وحمـاية حقوق الإنسـان واستقلال القضاء وسيادة القانون والمشاركة الفعالة في جميع مناحي الحياة السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،حيث ينبثق عن تـــحقق نظام الاتحاد الفيدرالي التعــايش الإنسانـي القائم على أسسا لوحدة والتعاون والتوافق والهدف المشترك بين مكونات الدولة الفدرالية.على أساس الاتحاد والخضوع للدستور الفيدرالي المــلزم للسلطتــين المركزية والإقليمية المنظم لدينامكية السلطتين وتوزيع الثروات بصورة عادلــة والحفاظ على وحدة الدولة الفدرالية.
ولكن على ماذا تقوم فكرة الفدرالية ؟ :
إذا ما نظرنا إلى فكرة الفيدرالية في ذاتها، نجدها تقوم على أساس عنصرين متناقضين هما :
1ـ الاستقلال الذاتي: حيث تتمتع الوحدات المكونة للدولة الفدرالية بنوع من الاستقلال الداخلي (الذاتي) , بمعنى أن النظام الفيدرالي يضمن للقوميات و الوحدات الإدارية المكونة للاتحاد الفدرالي حق إدارة أمورها بنفسها، مع بقائها ضمن دولة واحدة. من خلال اعتبار الأقاليم أو الولايات المكونة للدولة الاتحادية وحدات دستورية، ، ويكون لكل وحدة دستورية نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويمارس شعب كل إقليم أو وحدة إدارية نوعين من الحقوق في النظام الفيدرالي هما حق الاستقلال الذاتي و إدارة شؤونه بنفسه من جهة وحق المشاركة في إدارة الشؤون المركزية للدولة الفدرالية من جهة ثانية
2ـ الاتحـــــــــاد: إن فكرة الفيدرالية باعتبارها أساساً لنظام الحكم يقوم عن طريق اتحاد طوعي و اختياري بين عدد من الولايات أو الأقاليم أو الدول تتعايش معاً دون انفصال ودون وحدة , في إطار الارتباط بنظام المركزية الاتحادية الذي يفترض  فيه تنازل هذه الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي جزء من سيادتها وعن بعض صلاحياتها وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا، موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها في كل ما يتعلق بالسيادة والأمن القومي والدفاع والسياسة الخارجية.
نلاحظ أن الدولة الفدرالية تجمع هذين العنصرين في آن واحد ومن خلال الترابط بين هذين العنصرين بعلاقتهما المتبادلة والمتعارضة يتشكل وحده المفهوم الحقيقي للدولة الفيدرالية التي هي نتاج التوفيق بين رغبتين متعارضتين : تكوين دولة واحدة من ناحية، والمحافظة على أكبر قدر من الاستقلال الذاتي للولايات الأعضاء في هذه الدولة الفدرالية من ناحية أخرى.
ومن هنا يمكن القول بأن الدولة الفدرالية هو استقلال داخلي ضمن الدولة الواحدة
فالفيدرالية إذا هو في الواقع توفيق أو توليف بين ما هو متناقض في بعض المفاهيم، وفي عناصر بنية النظام الفدرالي، أي بين الاستقلالية والاندماج، وبين المركزية واللامركزية، وبين التكامل والتجزئة وفي بعض الأنظمة الفيدرالية بين القومي وشبه القومي، ومن هنا يتخذ النظام الفيدرالي شكله الحقيقي ويعبر عن ضرورات تبني هذا النظام كأساس للحكم .
الفيدرالية كمفهوم عام :
نظام قانوني وسياسي يقوم على أساس قواعد دستورية واضحة تضمن المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الثقافية في السلطة، وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وشعوب وأقوام، أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة أو واحدة ، أو لغات أو أديان أو ثقافات مختلفة كما تعني وحدة مجموعة أقاليم أو ولايات أو دويلات مع بعضها و يكون لكل منها وحدة دستورية في أطار الارتباط بنظام مركزي اتحادي تديرها مؤسسات دستورية توحد هذه الكيانات الـمنفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد- مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي،والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، والدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية – مع الالتزام بتطبيقها – وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والثروات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد .
•  ومن هنا يمكن تلخيص مفهوم الفدرالية في عدة نقاط أهمها:
1ـ الفدرالية رابطة طوعية ( اتحاد طوعي) بين تكوينات بشرية من أصول عرقية أو قومية أو دينية  مختلفة أو بين شعب واحد في  أقاليم متعددة متجاورة (مثال ألمانيا الاتحادية) تتوحد هذه التكوينات أو الأقاليم في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي و الحدود الجغرافية واللغة والثقافة و الدين   .
2ـ تكوِن مجموعة من الوحدات (الأقاليم و الولايات والدويلات) اتحاد فدرالي ترتبط فيما بينها بنظام مركزي مع تمتع كل وحدة من هذه الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي ببعض الاستقلال الداخلي من خلال نظام أساسي لكل وحدة يحدد سلطاتها التشريعية والقضائية و التنفيذية و لها حق إدارة مواردها بنفسها ضمن الدولة الواحدة (الدولة الفدرالية) .
3ـ تتنازل الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي عن قسم من سيادتها لصالح الدولة الفدرالية بمعنى هذه الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي تتنازل عن بعض صلاحياتها و امتيازاتها و استقلاليتها لمصلحة سلطة عليا موحدة تتمتع بالسيادة الكاملة من حيث التمثيل السياسي و الدبلوماسي و عقد الاتفاقيات و المعاهدات الدولية وفي كل ما يتعلق بالأمن و الدفاع و السياسة الخارجية و يكون للدولة الاتحادية المكونة للوحدات الفدرالية رئيس واحد يمثل الدولة الاتحادية في المحيط الدولي .
4ـ الدولة الفدرالية هي دولة لا مركزية يقوم فيها مستويين من السلطات عن طريق الخلط بين الحكم المشترك الذي يكون من صلاحيات الحكومة الفدرالية (المركزية) ويخضع له كل الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي وبين حكم هذه الوحدات التي تتمتع بحكم ذاتي على مكونات الوحدة الفدرالية من خلال هيئاتها المحلية التشريعية والقضائية والتنفيذية وهذا يعطي مفهوما أوسع للفدرالية وهو استقلال داخلي ضمن الدولة الواحدة و السلطة المركزية الفدرالية على أساس المساواة بين مكونات الاتحاد الفدرالي  .
ضرورات النظام الفدرالي :
هنالك مجموعة من الأسباب استدعت تبني بعض الدول للنظام الفدرالي أهمها :
1ـ المساحات الشاسعة لبعض الدول (الولايات المتحدة وروسيا و البرازيل …) اقتضت تبنيها للنظام الفدرالي  كأسلوب للحكم فوجود مناطق عديدة و تربط بين سكان هذه المناطق روابط خاصة نابعة عن خصوصية ظروفهم ومصالحهم المشتركة و بُعد السلطة المركزية عن هذه المناطق و تعقٌد مشكلاتها و تعدد حاجاتها  فرضت تقسيم الدولة إلى أقاليم وولايات و مقاطعات مما يسهل من مهمة إدارتها و يخفف عبء الإدارة عن السلطة المركزية بمنح نوع من تفويض السلطة للتنظيمات الإدارية المتحدة لتنظيم شؤونها الداخلية وهذا يعطي نوعاً من المساواة و التوزيع العادل للثروة بين هذه الأقاليم و بمحاذاة ذلك تتفرغ الحكومة المركزية لإدارة شؤون الدولة الخارجية و الدفاع الوطني والسياسة الاقتصادية وإدارة ثروات الدولة ….الخ
2ـ لعب التنوع العرقي و القومي دوراً مهماً في تبني بعض الدول للفدرالية كأسلوب لنظام الحكم على أساس الاتحاد الطوعي و المصلحة و المصير المشتركين .
ففي مثل هذه الدول المتنوعة في التكوينات الاجتماعية ( القومية والعرقية ) يمكن أن يقام اتحاد فدرالي بين هذه القوميات و الأقليات على أساس الاتحاد الاختياري و الطوعي والتعايش المشترك و وحدة المصالح و المصير ضمن حدود الدولة الواحدة مع تمتع كل مكون لنوع من الاستقلال الذاتي يحفظ له خصوصيته القومية والدينية والثقافية و هو أحد ممارسات حق تقرير المصير المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و ميثاق الأمم المتحدة و مثال ذلك (الهند و كندا و العراق ).
3ـ منع المركز من الاستحواذ على مقاليد السلطة التي تمكنه من الاستبداد و قمع الشعب
4ـ ضمان حقوق مكونات البلد المختلفة بغض النظر عن نسبتها العددية
5ـ تطوير الدول و الولايات المكونة للدولة الفدرالية و تقويتها من خلال اتحاد هذه الدول
6ـ و الأهم أن الفدرالية هو منع للتقسيم و التجزئة الذي يهدد كيان الدولة المركزية
أساس النظام الفدرالي :
الفيدرالية تقوم على أساس (تعاقد دستوري) أي إن الأساس الذي يقوم عليه النظام الفيدرالي هو أساس دستوري فمن المعروف في فقه القانون أن الدستور هو أعلى قاعدة قانونية في النظام القانوني , يتربع على أعلى الهرم القانوني للدولة و هو المدونة القانونية التي تحتوي على المبادئ العامة لنظام الحكم  للدولة و هو المنشأ لها و المنظم لبنائها القانوني و السياسي الذي يحدد  شكل الدولة و يخضع لها جميع أفراد الدولة وينظم عمل مؤسساتها التشريعية والقضائية و التنفيذية
و هذا الدستور الضامن لوحدة لدولة الفدرالية ومصالح الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي  يجب أن يصاغ ويسن عن طريق سلطة مؤسِسة (مجلس تأسيسي) يتم التوافق عليها بين الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي  لوضع مشروع الدستور الفدرالي ((مسودته)) وبعد الانتهاء من صياغته يطرح للاستفتاء الشعبي في جميع الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي  ومن ثم يتم التصديق عليه من قبل المجلس المكون من الممثلين المنتخبين من الوحدات الفدرالية (( مجلس الشيوخ أو مجلس الأقاليم )) بمعنى أن الشعب في  جميع الأقاليم المكونة للدولة الفدرالية  هو الذي يسبغ الشرعية على الدستور.
ومن خلال هذا الدستور الشرعي المتفق عليه يحدد شكل الدولة الفدرالية ويتم تحـــديد وتوزيع الاختصاصات ما بين الحكومـة الفدرالية و حكومة الوحدات المكونة للاتحاد ويتم ذلك بعـــــدة طرق منها :
الطريقة الأولى : يتحدد في الدستور الفيدرالي اختصاص الدولة الفيدرالية (الحكومة المركزية)
وما يتبقى من اختصاصات تكون للحكومة المحلية وهذه الاختصاصات تسن وتصاغ بدستــور من قبل مجلس كل إقليم من الإقليم  المكونة للدولة الفدرالية ويعرض للاستفتاء الشعبي في كـل إقليم ويصدق من قبل مجلس الإقليم  وبما لا يتعارض مع المبادئ العامة للدستور الفدرالــي وهذه الطريقة هي أكثر الطرق شيوعاً بيـن الدول بل هي المتــبعة في الغــالبية منـــها سويسرا والولايات المتحدة والهند.
الطريقة الثانية: تحــدد اختــصاصات الحكــومة المحــلية (الإقليمية) وما عداها سيكون من اختصاص الحكومة المركزية (الفيدرالية) وهو متبع في كنـدا.
الطريقة الثالثة : وبموجب هذه الطريقة يتم بيان اختصاصات الحكومة المركزية (الفـــدرالية) واختصاصات الحكومة المحلية (الإقليمية) أي هناك قائمتان من الاختصاص:
القائمة الأولى تبين فيها اختصاصات الدولة الفيدرالية (المركزية).
القائمة الثانية تبين فيها اختصاصات الحكومة المحلية (الإقليمية).
ولكن أي كانت الطريقة المتبعة في توزيع الاختصاصات فأن ضمان ممـارسة الحـكــومة المركزية و الحكومات المحلية لصلاحياتها مستمد من الدستور الفدرالي وكما سبق وان ذكرنا بأن الدستور أعلى قانون في الدولة ويتربع على الهرم القانوني، ولا يعلو عليه سلطة الحــــكام سواء كانوا في الحكومة المركزية أو في الحكومة المحلية، فأن أي تجاوز غير قانونـي من قبل الحكام أو الحكومة المركزية يخضع لرقابة المحكمة الدستورية (المحكمة الفدرالية العليا) التــي تضــمن تطبيق القانون و الدستور و تفصل في الخلافات بين الأقاليم و الحكومة الفـدرالية
و تقــوم بدور مراقبة أعمال الحكام والوزراء والموظفين في الحكومتين المركزية والإقلـيمية.
لذا فان الدستور هو الضمان وصمام الأمان لبقاء الدولة الفيدرالية موحدة وكذلك ضمان لحقوق الأفراد والقوميات والأقليات والطوائف والأثنيات العرقية والدينية المكونة للدولة الفدراليـــة .
ويخضع تعديل الدستور لنفس الخطوات والقواعد والأسس القانونية التي صــدر بهـا دستــــور الدولة المركزية الفيدرالية.
طرق نشوء الدولة الفدرالية :
يمكن أن تنشأ الدولة الفدرالية بإحدى الطريقتين :
الأولى : من خلال تفككك دولة بسيطة موحدة (غير مركبة) إلى عدة وحدات ذات كيــــــانات دستورية مستقلة و من ثم سن دستور فدرالي بالطريقة المذكورة أعلاه و بناءً على الدسـتور الفدرالي يتم توحيد هذه الولايات ثانية على أساس الــــــدولة الفدرالية  و من الدول التي نشأت بهذه الطريقة البرازيل عام1891وتشيكوسلوفاكيا سنة 1969 و الأرجنتين سنة 1857 .
أما الطريق الثانية فتتم من خلال تنازل عدة ولايات أو دول مستقلة  عن بعــــض سلطاتها الداخلية وعن سيادتها الخارجية و من ثم تتوحد هذه الـدول و الولايات لتكون الدولة الفدرالية على أساس دستور فــدرالي و من أمثلة ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1971 و الاتحاد السويسري سنة 1874
الأساس القانوني للدولة الفدرالية :
فكرة الدولة الفيدرالية تستند على حقيقتين وهي ثنائية السلطة وثنائية المجالس التشريعية  والقضائية و لكن كيف يتم ذلك ؟
من المعروف أن الدولة الفيدرالية تتكون من اتحاد إقليمين (منطقتين) أو أكثر لتشكل دولة واحدة (الدولة الفدرالية) تخضع للدستور الاتحادي ( الفدرالي ) وبموجب هذا الدستور تمارس الحكومة الفدرالية سلطاتها واختصاصاتها على حكومات الأقاليم وعلى رعايا تلك الأقاليم,
كما تمارس حكومات الأقاليم سلطاتها و اختصاصاتها على رعايا الإقليم بموجب الدستور المحلي للإقليم ، وكذلك لكل من الدولة الفدرالية و الحكومات المحلية مجالسها التشريعية.فالدولة الفدرالية  تقوم فيها مستويين من السلطات : سلطة الدولة أو السلطة المركزية، وسلطات المناطق المحلية أو السلطات الثانوية، وفي ظل الفدرالية إلى جانب السلطات التشريعية الفدرالية  تتمتع الهيئات المحلية بصلاحيات تشريعية يتحدد نطاق صلاحيات كل منهما بطبيعة المهام و الواجبات الملقاة على عاتقها بموجب الدستور الفدرالي
السلطة التنفيذية : هناك نوعان من السلطة التنفيذية أو بمعنى آخر حكومتان و هي:
-الحكومة المركزية للدولة الفيدرالية باعتبارها السلطة التنفيذية .وتختلف ممارسة هذه السلطة مندولة إلى أخرى باختلاف الاختصاصات المنصوص عليها في دستور الدولة الفيدرالية كما يتوقف ذلك على النظام القانوني والسياسي للدولة الفيدرالية الذي تضمنه الدستور الفدرالي و لكن في كل الأحوال و من خلال المقارنة بين اختصاصات هذه السلطة في الكثير من الدول نجد إن المعمول به في معظم الدول التي تتبنى النظام الفدرالي تتجلى فيما يلي :
*للحكومة الفيدرالية حق عقد المعاهدات الدولية و الاتفاقيات الدولية وعقد الصلح مع الــــدول الأخرى.
*للحكومة الفيدرالية وضع السياسة الاقتصادية للدولة، من خلال وضع الخطط الاقتصاديـــة وخطط التنمية بعد مشاورة الحكومات الإقليمية وإصدار عملة موحدة للدولة وإدارة المصارف و كذلك حق تنظيم الموازنة للدولة وتخصيص المبالغ اللازمة لميـــزانيات الأقاليـــم وتوزيـــع الثروات بين الأقاليم ، بالإضافة إلى ممارسة الرقابة المالية.
*الدفاع الوطني وإعلان الحرب وعقد الصلح والإشراف على جميع القوات المسلحة في البلاد تكون بيد الحكومة المركزية .
*السياسة الخارجية وكل ما يتعلق بهـا من التمثيل الدبلوماسي والسياســـــي والانضــــمام إلى المؤتمرات والهيئات الدولية والسفارات تكون بيد الحكومة الفيدرالية.
*وحدة القوانين والقضاء تكون بيد الحكومة الفيدرالية، ولا يمنــــع من أن تكــــــون للحكومات المحلية في الأقاليم دساتير مناسبة تتناسق مع دستور الدولة الاتحادي.
*إدارة المطارات الدولية والموانئ والمواصلات السلكية واللاسلكية تكون بيد الحكــومة الفدرالية .
*استثمار المعادن، النفط والطاقة الذرية وإدارة الجمارك والضرائب تكون بيـد الحكـومة الفدرالية .
*توحيد التشريعات الجنائية والمدنية تكون في معظم الدول بيد الحكومة الفدرالية  .
*الأشراف على الوزارات والأجهزة المركزية للدولة الفدرالية
-الحكومة المحلية للأقاليم:
لكل إقليم حكومة محلية كما هو الحال في الدولة المركزية وهو الهيئة التنفيذية العليا للإقليم يتولى رسم السياسة العامة،الاقتصادية، الثقافية، الإدارية، ورسم الميزانية العامة وإعداد مشاريعها وخطط التنمية بما لا يتعارض مع السياسة العامة للدولة الفدرالية . وفي بعض الدول لكل إقليم علم خاص بالإضافة إلى العلم الفيدرالي الموحد للدولة المركزية .
و هناك بعض الدساتير التي تضمن للحكومات المحلية حق إبرام بعض المعاهدات غير السياسية كالمعاهدات الثقافية والتجارية والتي لا تتعارض مع السياسة العامة للدولة الفيدرالية.
السلطة التشريعية :
تمارس السلطة التشريعية عملها في الدولة الفيدرالية (البرلمان الفدرالي) والذي يتكون من مجلسين :
1ـ مجلس القوميات أو مجلس الشيوخ أو مجلس الأقاليم: (تختلف التسميات التي تطلق على هذا المجلس من دولة لأخرى) وعادة يكون التمثــيل فيه بنســب متسـاوية مهـما كان حجم الإقليم والكثافة السكانية وغالباً تكون نسبة التمثيل فيه نائبان لكل إقليم.
2- مجلس الشعب أو النواب: ويكون تمثيل جميع الأقاليم المكونة للدولة الفدرالية بنسبــة عدد السكان لكل إقليم  (الكثافة السكانية) ويتم انتخابهم من قبل سكان الأقاليم بالاقتراع الحر السري العام المباشر.
وهذان المجلسان يكونان البرلمان الفيدرالي وهو أعلى سلطة تشريعية في الدولة الفيدرالية وتختلف صلاحيات هذا المجلس من دولة إلى أخرى وحسب ما هو منصوص عليه في دساتيرها، فهناك في بعض الدول لا يصدر قانون إلا بموافقة هذا  المجلس وفي بعض الدول الأخرى العكس هو الصحيح. فالاختصاصات والحقوق التي يتمتع بها هذا المجلس التشريعي  منصوص في الدستور الفدرالي.
السلطة التشريعية في الإقليم:
لكل إقليم مجلس تشريعي يتم انتخاب أعضاءه من قبل سكان الإقليم عن طريق الاقتراع الحـــر السري العام المباشر وصلاحيات هذا المجلس هو تشريع القوانين وسنها وإقرار ميزانية الإقليم والمصادقة عليها وعلى خطط التنمية ومنح الثقة لمجلس الوزراء وسحبها منه، بالإضافة إلـــى الصلاحيات الأخرى، بشرط أن لا تتعارض مع قواعد الدستور الفيدرالي.
السلطة القضائية:
هناك سلطتان قضائيتان في لنظام الفدرالي هما :
1ـ سلطة الأقاليم  حيث تطبق  قوانينها ونظامها القضائي بما لا يتعارض مع النظام القضائي الفدرالي ودستورها المحلي  وتطبق في الاقليم
2ـ السلطة القضائية الفدرالية (سلطة الدولة الاتحادية)
وفي حال وجود خلاف بين الأقاليم أو الدولة الاتحادية تفصل فيها المحكمة لفدرالية العليا أو المحكمة الدستورية
وبعد هذه المقاربة البسيطة لمفهوم الدولة الفدرالية لابد من القول بأنه أيـاً كانت شكـل الدولة الفدراليــــة و ضروراتها و نظامها القانوني فأن ذلك  لا يتحقق إلا عبر الحـوار و التفاهم بين مكوناتها في ظل نظام ديمقراطي تعددي برلماني يراعى فيه حقوق الإنسان وكرامتـــه , فالتعايش الحر والمتواصل الأخوي و الاختياري بين الأمم و الشعوب لا يستقيم ولا يدام إلا إذ قام على أسس واضحة من المساواة التامة في الحقوق والواجبات وعلى الاختيـار الحـر والطوعي وفي أجواء ديمقراطية حقيقية لبناء دولة موحدة تكون العدالة أساساً للحكم فيها .

yekiti