newaf منذ بدايات الأحداث التي جرتْ في سوريا ربيع عام 2011م وتحولها إلى ثورة سلمية عارمة مطالبة بالحرية والكرامة والتغيير، سرعان ما تدخلتْ في شؤونها الدولة التركية عبر جماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي الأخرى متوخية من تدخلها حيازة الرسن للتحكم بمسار الثورة وتوجيهها لخدمة أهدافها ومآربها الخاصة التي لا تلتقي وأهدافَ الثورة المعلنة، متخذةً من يافطة”حماية الأمن القومي التركي” ذريعة لمحاربة أي تطلع مشروع لكرد سوريا في التمتع الدستوري بحقوقهم القومية المشروعة حسب العهود والمواثيق الدولية ولوائح حقوق الإنسان في إطار وحدة البلاد كي لا ينعكس ذلك على الداخل التركي الذي يعاني بدوره من وجود قضية كردية مزمنة تنتظر الحل وتهرّباً من دفع استحقاقات حلّها.
وعلى الرغم من بهلوانية الزعيم التركي رجب أردوغان وتفننه في ممارسة اللعب على الحبال السياسية، ونجاحه النسبي في استثمار الخلافات الدولية في العديد من الحالات، فمن المعروف أنه لم يتقيد بالحصار الدولي المفروض على كل من روسيا الاتحادية وإيران وزوّدهما بالمحظورات مقابل ابتزازٍ مالي جشعٍ لهما. إلا أن الرياح لم تجر كما كانت تشتهيها سفنه هذ المرة. فلسوء طالعه، استطاعت قوات البيشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق وقوات حماية الشعبYPG وقوات المرأة YPJ في سوريا، وتلاحمها الأخوي في كوباني من إلحاق هزائم فادحة بتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي(داعش) مستندة إلى عزيمة الشعب الكردي المعروف باعتداله الديني وتسامحه وشغفه بالحرية والسلام ونبل القيم الانسانية، فحظيت تلك القوات باحترام القوى الدولية العظمى وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، وصلت إلى درجة التنسيق العسكري المستقل معها مما أثار حفيظة الرئيس التركي وسخطه.
إن تبوّأ الكرد لهذه المنزلة الرفيعة على الصعيدين الإقليمي والدولي إضافة إلى الانتصار الكبير الذي حققه كرد تركيا في الساحة السياسية السلمية الديمقراطية أثناء خوض الانتخابات البرلمانية حزيران العام المنصرم وتخطي حزب الشعوب الديمقراطي لحاجز الـ 10% الذي أنشئَ خصيصاً لعرقلة التمثيل الكردي في البرلمان رسمياً ككتلة كردية أفقَدَ السيد رجب طيب أردوغان وأركان دولته العميقة صوابَهم…فكردُ سوريا في الخاصرة الجنوبية للدولة يتقدمون عسكرياً ويسطرون ملاحم البطولة والانتصار على الإرهاب، يسيطرون على الأرض ويديرون شؤون مناطقهم بالتعاون مع باقي المكوّنات الوطنية رغم الصعاب، وفي تركيا الكمالية، يخرج الكرد-على غير عادتهم- عن منطق الطاعة والولاء لأولي الأمر، كلّ ذلك دفع بالسيد أردوغان المتغطرس إلى التعامل المزاجي مع الأحداث وبردود فعل متشنجة، وارتكابه المزيد من الأغلاط لعلّ من أهمها الغلط الاستراتيجي في إعطاء الأمر بإسقاط الطائرة الحربية الروسية على تماس الحدود السورية التركية والتي تسببت بتوتير الأجواء بين البلدين، إضافة إلى انكشاف سر تعامله مع جماعات الإسلام السياسي المسلحة في كل من سوريا والعراق من ضمنها جبهة النصرة والقاعدة وداعش بهدف تأليبها وتوجيه حرابها صوبَ الشعب الكردي، ومن ثم افتضاح أمره لدى الرأي العام العالمي وحليفيه الرئيسيين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو الذي يضمّ تركيا صفوفه عندما رفض الانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش وعدم السماح لأمريكا باستخدام قاعدة انجرليك التركية في الحرب ضد الإرهاب.
ويقيناً منه أن أجواء السلام والحوار تنحو باتجاه التطور العام لتركيا المستقبل بكردها وتركها وعربها وهذا ما لا تستسيغه أجهزة الدولة العميقة التي لا تتحمّل حتى سماع كلمة الكرد، وبغاية الانتقام من الكرد، بادرت إدارته إلى وأد العملية السلمية في مهدها بُعَيد افتعال مجزرة برسوس وما تلاها والتي أسنَد تنفيذها إلى حزب العمال الكردستاني زوراً، ثم أمر بتوقيف عملية السلام وشنّ حرباً ظالمة على الشعب الكردي، أعاد بموجبها أجواء الحرب والدمار والقتل إلى البلاد مرة أخرى، هادفاً تغليب منطق ولغة الرصاص على لغة العقل والحوار. وفي هذه الأيام، تنسّقُ قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل القوات الكردية عمودَها الفقري مع قوات التحالف الدولي للتقدم في ريف حلب الشمالي لمنازلة الإرهابيين الذين يحاصرون عفرين، وتمكنت من السيطرة على مطار منّغ وتحريره من جبهة النصرة والتقدم نحو إعزاز التي تقع تحت سيطرة الجماعات الإسلامية الموالية لتركيا، تلك التي تخشى الإدارة التركية حال سقوطها بيد قوات سوريا الديمقراطية من فقد أي اتصال مباشر مع حلفائها في الداخل السوري، ولن تتمكن من تزويدهم بالمال والسلاح والرجال. لهذا، فهي تمارس منتهى الضغوط على أمريكا ووضعتها أمام خيارين لا ثالث لهما إما تركيا وإما إرهابيو وحدات حماية الشعب(!)، وتصرّ على شرط قطع علاقاتها مع YPG التابعة لـ PKK الإرهابيتين اللتين لا تختلفان عن داعش بشيء. وصرح الرئيس التركي نهاراً جهاراً بأنه لن يسمح بتكرار الخطأ الذي حدث في شمال العراق بإقامة كيان كردي على حدود تركيا الجنوبية.
وهذا التصريح واضح لا لبس فيه، ولا يستهدف حزباً معيناً أو فئة محددة، بل يرفض أي كيان كردي وبقيادة كائن ما يكون، ومن وجهة النظر الأردوغانية وطاقمه، كل كردي أيّاً كان، وأينما كان عندما يطالب بحقوقه القومية، هو إرهابي يستحق الموت!.. وبغية تقديمه الدليلَ الحيَّ لأمريكا وللمجتمع الدولي على أن YPG منظمة إرهابية، قامت أجهزة استخباراته بإخراج مسرحية هزلية مكشوفة المرامي وفاشلة بكل المعايير وترقى إلى مرتبة ارتكاب جريمة(مجزة) من خلال إقدامها على إجراء تفجير دامٍ مروّع بأهمِّ منطقة أمنية في أنقره بسيارة مفخخة بالقرب من مقر قيادة أركان الجيش ومقر السفارات مستهدفاً رتلاً عسكرياً أوقع ما يزيد عن 28 قتيلاً والكثير من الجرحى، على أثرها قال السيد أردوغان أنه يمتلك معلومات استخباراتية أكيدة على أن الفاعل هو من قوات حماية الشعب

(الإرهابية) في سوريا!..إلا أنه سرعان ما أعلنت منظمة تطلق على نفسها اسم “صقور حرية كردستان” من تركيا مسؤوليتها عن التفجير، وهذه المنظمة غير معروفة، وقد تكون مرتبطة بجهات مشبوهة بدورها لتوصم النضال الكردي العادل بالعنف والإرهاب. ففي حربها على الشعب الكردي، اتفقت غالبية الأحزاب التركية المعارضة على استمرار الحرب على الأكراد، إذْ عبّر حزب الحركة القومية MHP على لسان رئيسه دولت بهجلي عن تأييده للحملة على الكرد والاستمرار فيها، في حين عبر السيد كليجدار أوغلو-رئيس حزب الشعب الجمهوريCHP عن انتقاده لهذه الحملة العسكرية إلا أن بعضاً من قياديي حزبه اتهموه بأنه موقفه أقرب إلى موقف حزب HDP الكردي في إشارة واضحة إلى عدم الاتفاق معه.
يبقى السؤال مشروعاً، ترى، ألمْ يحن الوقت بعد لتقوم الحركة الكردية في سوريا بتجاوز خلافاتها والوقوف صفاً واحداً للدفاع عن شعبها لتمثيله في المحافل الدولية المقبلة؟ إنَّ أعداء وجودنا يتفقون على دفننا أحياءً في حين لا نستطيع نحن أصحاب الحق أن نتكاتفَ ونرصَّ الصفوف للنضال والمطالبة بحقوقنا من أجل العيش بحرية وكرامة كباقي شعوب المعمورة؟!.
yekiti