مع قيام الثورة السورية في آذار من عام 2011 وحتى وقتنا الحاضر؛ طرأت على الخارطة السياسية للأحزاب الكردية في سوريا تغيرات جلية ؛ من خلال بروزاصطفافات لم تكن واضحة، ويغلب عليها طابع الضبابية قبل الثورة، لكنها سرعان ما تشكلت على النحو الذي يجب أن تكون عليه، وذلك تبعا لمواقف وارتباطات وتبعية تلك الأحزاب لهذه الجهة أو تلك ؛ ولم تكن المواقف والأهداف والبرامج السياسية لوحدها ،هي الدوافع والمحفزات لظهور تلك الاصطفافات ،بل كانت المصالح الحزبية الضيقة، والأنانية المفرطة ،وهيكلية بعض الأحزاب، عاملا أساسيا في ذلك الفرز.
فالأحزاب الصغيرة بحجمها التنظيمي، والتي لم يكن صوتها مسموعا، وتكاد تكون غير مؤثرة في محيطها ،وجدت فرصتها في الاصطفاف إلى جانب الأحزاب الكبيرة نسبيا ،في محاولة منها لاثبات وجودها على الساحة السياسية، فاصطفافها وفر لها الظهور، بالإضافة إلى الدعم المادي، الذي لم يكن متوفرا لها من قبل.
أما بالنسبة للأحزاب ذات القاعدة الجماهيرية فمن الطبيعي أن يكون الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، تابعا لمحور هولير، و كذلك أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي تابعا لمحور قنديل، ولا غرابة أيضا في تأثير حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على مواقف الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا .
ومن ثم ،لم يبق على الساحة السياسية الكردية في سوريا من الأحزاب المؤثرة ؛و ذات القاعدة الجماهيرية المقبولة، سوى حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)، والذي كان متميزا عن تلك الأحزاب الآنفة الذكر، بخطابه السياسي المتزن، وابتعاده عن الشعاراتية ،واستقلال قراره السياسي، بعيدا عن التخندق والتحيز والتبعية ،إلى أي من المحاور الكردستانية، فكانت له علاقاته الطبيعية المبنية على الاحترام، مع كافة القوى والأحزاب الكردستانية ،والأهم من ذلك، هو اعتماد حزب الوحدة بشكل كلي، على منظمات الحزب، ونشاطاتها، واشتراكات رفاقه، من أجل إدارة شؤون الحزب، ومتابعة نضاله، وبالتالي فهو لم يرضخ لضغوطات المال السياسي، والتي لها تأثير كبير في سياسات وممارسات الأحزاب السياسية، فهو ومنذ ولادة المجلس الوطني الكردي، رفض رفضا قاطعا قبول أي مبالغ مادية من أية جهة كردستانية؛ في حين شكل قبول الأحزاب الأخرى لتلك الأموال، بداية ظهور تناقصات كثيرة، أدى إلى تعكير صفو العلاقات داخل المجلس.
جملة هذه العوامل، بالإضافة إلى مواقفه، وخاصة تشخيصه للنظام القائم ،ورؤيته المستقبلية الصحيحة (حتى الآن)، في تحليله لأحداث الثورة، وما ستؤول إليه الأوضاع ،حيث أكد ومنذ بدء الثورة، أن الأزمة ستطول، ولن يسقط النظام سريعا، وستلعب دول مثل تركيا وإيران دورا سلبيا على مجريات الأحداث ،وقراءات أخرى ،يمكن للمرء العودة إليها، وهي متوفرة في أرشيف الحزب ،و على موقعه الرسمي على الانترنت ،جعلت الحزب أقوى تنظيميا، من ناحية الكم، والنوع ،والقاعدة الجماهيرية، والحضور الذي يمتد من ديريك ،مرورا بقامشلو وعفرين وكوباني والرقة ودمشق، بالإضافة إلى وجود منظماته في معظم دول الاتحاد الأوربي، وتركيا ،ولبنان، وإقليم كردستان، وعدد من دول الخليج ،ولهذا فإن الحزب استطاع وخلال خمس سنوات من عمر الثورة، وما أفرزتها من تغيرات، أن يصمد أمام تلك الظروف، والإغراءات، معتمدا على جملة من الثوابت التي حافظ عليها ،وبالتالي فقد بقي على مساره الذي اختارته إرادة كوادره وقياداته المنتخبة.
غير إن عددا من رفاق الحزب، وقسما من مؤيديه، أظهروا خشيتهم من ابتعاد الحزب عن خطه السياسي، وخاصة فيما يتعلق باستقلالية قراره السياسي، وانحيازه إلى محور قنديل، وباعتقادي أن تلك الرؤى المختلفة جاءت نتيجة للأسباب التالية :
١- تصريحات الأستاذ محي الدين شيخ آلي سكرتير حزب الوحدة ،ونائبه، وعدد من قيادات الحزب، وتوجيه التحية والمديح إلى وحدات حماية الشعب والمرأة ،بمناسبة وغير مناسبة ،وكذلك تقبل الحزب للإدارة الذاتية القائمة في المناطق الكردية.
٢- عدم اتخاذ الحزب لمواقف واضحة، حيال بعض الانتهاكات التي تقوم بها قوات الأساييش، من خلال اعتقال عدد من الإعلاميين، والسياسيين المختلفين معهم، وكذلك قانون التجنيد الإجباري ،وبعض المراسيم الغير مدروسة، والتي تخدم مصالح حزب الإتحاد الديمقراطي.
٣- لعب الحزب الديمقراطي الكردستاني -سوريا، دورا بارزا في بروز تلك الرؤية ،خشية منها على مصالحها ،وخوفا من أن يتبوء حزب الوحدة، مكانة لدى قيادة إقليم كردستان، ويستحوذ بشكل أكبر على ثقة الجماهير الكردية، وبدا ذلك واضحا، بعد اتفاقية دهوك ،التي كان للوحدة دورا كبيرا في بلورتها ،من خلال شخص السكرتير ،الذي بذل جهدا كبيرا، من خلال لقاءاته مع السيد رئيس الإقليم ،ومع قيادات قنديل، وبقية الأحزاب الكردستانية، ونتيجة لتلك الخشية تم ابعاد حزب الوحدة، عن المجلس الوطني الكردي، تحت ذرائع واهية ،وبدأت الحملة تتوسع ضده، وتروج بأنه أصبح تابعا لمحور قنديل، وعملت بعض أحزاب المجلس وفي سابقة غريبة، على تشجيع مجموعة صغيرة من رفاق الحزب، على الانشقاق عنه ،واعلان حزبهم، بعد تقديم الإغراءات لهم، ومنها : قبولهم في صفوف المجلس الوطني الكردي .
ووفق قراءتي لمسيرة الحزب ونضاله السياسي ،ومعرفتي لشخص السكرتير، الذي يتمتع بصفات السياسي المحنك والرزين، فإنني لا أعتقد أن الحزب قد خرح عن مساره الطبيعي والصحيح ،لكن قيادة الحزب قرأت الواقع السياسي المعاش بشكل صحيح ،فليس من المنطق وفق قراءتي تلك، أن يكون حزب الوحدة متناغما مع حزب الاتحاد الديمقراطي وسياساته الخاطئة ؛ بل إن التناقضات والاختلافات كبيرة جدا، سواء من ناحية الموقف من النظام أو من الثورة، وكذلك اختلاف الرؤى تجاه حل القضية الكردية في سوريا، والحقوق المشروعة للشعب الكردي.
لقد أكدت قيادة الحزب مرارا وتكرارا، على ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي ،وعدم جر المناطق الكردية إلى حرب أهلية لن تتوقف بسهولة إذا بدأت، ومن هنا فإن قيادة الحزب تدرك تماما مايحدث على الأرض، وليست راضية عن سلوك وممارسات سلطة الأمر الواقع ،ولكنها تعتبر تجربة الإدارة الذاتية أفضل من الفوضى، ويجب العمل على تطويرها، فهل اعتبار التجربة كونها أفضل من الفوضى مديح لها؟
ما أثبتته الوقائع على الأرض هو أن القوى المسلحة هي الفاعلة، وطالما أن صوت الرصاص يعلو على صوت السياسة، فإن دور السياسي يتمثل في العمل على أن تكون الخسائر أقل، والوصول مع القوى السياسية الأخرى، في انضاح رؤية سليمة ،وتشكيل قوة سياسية قادرة على لعب دورها، في مفاوضات الحل والبناء.