خلال الأيام القليلة الماضية ملأت صفحات الجرائد، وعناوين النشرات الإخبارية، أنباءً تفيد بتسلم قوات سوريا الديمقراطية، مدرعات وناقلات جند أمريكية حديثة الصنع، من التحالف الدولي.

ونبأ أخر يفيد بأنه جرى إتصال هاتفي بين صالح مسلم زعيم حزب الإتحاد الديمقراطي، ومسؤول كبير في الخارجية الأمريكية، وهو الأول من نوعه على هذا المستوى.

حيث أحجمت الإدارة الأمريكية في السابق، عن إجراء أي إتصال سياسي مع الحزب المذكور، مراعاةَ لحليفتها تركيا.

حقيقة لا أدري مدى صحة تلك الأخبار من عدمها، وفي حال صحت تلك الأنباء، فماذا يعني ذلك؟

فهل يعني ذلك بأن أمريكا قد حسمت أمرها، وقررت رفع سوية تعاملها السياسي مع الكرد، ودعمهم بشكل فعال أكثر من ذي قبل؟

لا أدري ما الذي ستقرره الإدارة الأمريكية الجديدة، حيال الأزمة السوري عامة، و الشأن الكردي خصوصآ.

ولكن بتقديري ليس أمام إدارة دونالد ترامب، سوى خيارين إثنين، فيما يخص العلاقة مع الكرد السوريين:

الخيار الأول: رفع سوية العلاقة السياسية مع الكرد وتقديم المزيد من الدعم العسكري لهم، كحلفاء موثوقين لأمريكا في سوريا، ومحاربة الإرهابيين.

الخيار الثاني: فك التحالف مع الكرد، والإرتماء في أحضان الثعلب اردوغان، بهدف التعاون محاربة الإرهاب الإسلامي. وهذا غير ممكن لأن اردوغان هو راعي الإرهاب والإرهابيين، كحال صديقه القديم الطاغية بشار.

الكل يعلم  أنّه من الصعب جدآ، جمع الطرفين الكردي والتركي في فريق واحد، بسبب تضارب المصالح والأهداف، إضافة إلى رفض تركيا القاطع التعامل مع حزب الإتحاد الديمقراطي، ووقوفها ضد منح الشعب الكردي أية حقوق قومية وسياسية في سوريا، ودعمها للجماعات المتطرفة المعادية للكرد، وإحتلالها لجزء من الأراضي السورية، وقصف المناطق الكردية بالمدفعية والطيران الحربي، وفرض حصار إقتصادي جائر على غرب كردستان منذ عدة سنوات، هذا إلى جانب رفض تركيا مشاركة الكرد في المفاوضات السورية – السورية.

وبالطبع أي خيار من الخيارين، الذي ستتبعه الإدارة الأمريكية له تبعاته السياسية.

فإن قررت إدارة رونالد ترامب، الاستمرار في دعم الكرد كحلفاء موثوقين بهم في سوريا، ورفع سوية التعاون السياسي، والدعم العسكري لهم، فهذا يعني مزيد من التوتر مع تركيا حليفتها في حلف الناتو، التي ما لبثت أن قامت وعلى مدى سنوات طويلة، بدعم التنظيمات الإرهابية، التي تحاربها أمريكا في سوريا، وبالتعاون الوثيق مع قوات سوريا الديمقراطية، التي أثبتت جدارتها، وجديتها في محاربة هذه المجموعات الإرهابية المتحالفة مع تركيا، وإستطاعات هزيمة داعش في عدة معارك، كمعركة كوباني ومنبج.

وفي حال تخلي أمريكا عن عدم إستمرار (ق س د) وبشكل فعال أكثر من ذي قبل، ذلك يعني تمدد تنظيم داعش في سوريا من جديد، لأن بقية الأطراف السورية، ومعهم تركيا والنظام السوري، غير صادقين في محاربة تنظيم داعش القادم من القرون الوسطى. وبالأساس النظامين السوري والتركي، هما من أنشأ هذا الغول المتوحش، كلآ في غاية بنفسه ولأهداف محددة، ولهذا قدموا له كل أنواع الدعم، وهو بدوره قام بخدمتهم على كامل وجه.

وأمريكا تدرك كل هذه الحقائق وعلى علم بها، ولهذا فضلت التعامل مع وحدات الحماية الشعبية، ودعمتها وأمنت الغطاء الجوي لها، وأثمر تعاونهما عن تحقيق نتائج عديدة، أهمها هزيمة تنظيم داعش في مدينة كوباني، ومنبج وغريه سبي، وأنا واثق سيتكرر هذا المشهد في مدينة الرقة أيضآ، إن حافظت أمريكا على تحالفها مع الكرد، ولم تذهب إلى حضن اردوغان.

وبرأي لم يعد كافيآ ولا مقبولآ، التعامل مع الكرد فقط عسكريآ من جانب أمريكا، وحان الوقت لفتح الطريق لإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية طبيعية مع الإدارة الكردية، كما هو الحال مع إقليم جنوب كردستان، إن كانت فعلآ تريد أن يرحل الطاغية بشار الأسد عن الحكم، وعدم سيطرة المتشددين الإسلاميين على السلطة في سوريا، بعد رحيل هذا الأخير.

لأن الكرد وحدهم قادرين على قيادة قطار الديمقراطية وفدرلة سوريا، التي من دونها لن يستطيع هذا البلد العودة للحياة كبلد موحد، يحيا فيه جميع القوميات والطوائف والمذاهب، بحرية وكرامة ومتساوين أمام القانون.

وفي حال تفضيل الإدارة الأمريكية للخيار الثاني، أي التخلي عن الكرد والإرتماء في أحضان أردوغان، هذا يعني إستمرار دوامة العنف في سوريا إلى ما لا نهاية. ولا شك إن منسوب العنف سيزداد، ويشتد ضراوةً. لأن هدف كل من تركيا وإيران والسعودية، وروسيا، ليس إقامة حكم ديمقراطي في سوريا، ولا محاربة الإرهاب الذي هم قاموا بتغذيته، ومده بالوقود.

ولا ننسى الفكر الإخواني المتطرف، الذي يتحلى به أردوغان، وعلاقته الحميمية مع المنظمات المتطرفة، كداعش وجبهة النصرة، ولواء السلطان مراد، ونورالدين زنكي، وغيرهم الكثيرين.

فكيف ستحارب تركيا هذه الجماعات، التي تشاركه نفس الفكر والعقيدة والأهداف؟

بتصوري إن أمريكا، سترتكب حماقة كبيرة إن فكت تحالفها مع الكرد، ولجأت إلى اردوغان، ولن تستطيع القضاء على الإرهاب، وحل مشكلة اللاجئين السوريين، ومنع تدفق الإرهابيين إلى دول أوروبا الغربية، والقيام بتنفيذ عمليات إجرامية في تلك البلدان، ما دام أمير الإرهابيين اردوغان لم يغلق حدود بلاده أمام هؤلاء القتلة والمجرميين.

في الختام، دعونا ننتظر ونرى أي الخيارين ستسلكه إدارة ترامب، وكيف ستتعامل مع الطرف الكردي وإدارته الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما ستكشفه لنا الأيام القريبة القادمة، دون شك.

yekiti