ليس لدي أدنى شك، بأن كل من تركيا والنظام السوري، متفقان ضمنآ على منع الكرد في غرب كردستان من توحيد إقليمهم جغرافيآ، وربط منطقة عفرين بمنطقة الجزيرة، كلآ لأسبابه الخاصة.
فالنظام السوري يريد فقط إستغلال القضية الكردية، كورقة ضغط ضد تركيا من أجل تغير سياستها تجاه النظام، ولكن في نفس الوقت لا يريد أن يصبح للكرد قوة عسكرية، وسياسية وإقتصادية، تمكنهم الخروج عليه، ويصبح ندآ له.
فالنظام السوري البعثي، هو أكثر الأنظمة شوفينية وعنصرية وحقدآ تجاه الشعب الكردي، من بين الأنظمة الأربعة الغاصبة لكردستان.
ولهذا يرفض النظام السوري حتى الأن، وجود الشعب الكردي في غرب كردستان، كما رفض من قبل الإعتراف بإقليم جنوب كردستان والتعامل معه سياسيآ، وفتح قنصلية له في هولير. وسيعمل هذا النظام الطائفي، كل ما بوسعه لمنع الكرد من توصيل منطقة عفرين ببقية المناطق الكردستانية، ليس حبآ في الأتراك وأردوغان، وإنما في سبيل منع تحول الكرد الى قوة رئيسية في البلاد، وإبقائهم تحت إبطه لإستخدامهم ساعة ما يشاء، والإنتهاء منهم عند نفاد الحاجة إليهم، وتحويلهم الى خدم وعبيد عنده، كما كان يفعل في الماضي. ولكن ليس من مصلحته الأسد وروسيا، أن تسيطر تركيا على مدينة الباب الإستراتيجية .
كل ما يريده النظام السوري، إشغال الأتراك والكرد ببعضهما البعض، وإضعافهما كي يتفرغ للمنظمات التي تقاتله، ويحسن من موقعه العسكري، وبالتالي الإحتفاظ بالسلطة إلى أطول فترة ممكنة. فهو يدرك جيدآ، إن تحييد تركيا أو إخراجها من دائرة الصراع، يعني نهاية المجموعات المتطرفة، كون تركيا هي المنفذ الوحيد لتلك المجموعات، التي تتلقى المال والسلاح من قطر والسعودية.
أما بالنسبة للدولة التركية، فإنها تتوجس من أي تحرك كردي فما بالكم بقيام كيان كردي على كامل حدودها الجنوبية، التي تربطها بالعالم العربي. وتركيا تتوجس جدآ، من قيام كيان كردي فدرالي في شمال سوريا، وذلك لعدة أسباب:
أولآ، الموقع الإستراتيجي لإقليم غرب كردستان، الذي يفصل تركيا عن العالم العربي، في حال اعتماده رسميآ، وهذا يعني تحجيم دور تركيا في المنطقة ونفوذها، وهذا ما لن تقبله بتركيا بسهولة.
ثانيآ، تأثير هذا الإقليم على شمال كردستان، سياسيآ ونضاليآ مستقبلآ، في وجه الدولة التركية، التي ترفض حتى الأن الإعتراف بالشعب الكردي دستوريآ، ومنحه حقوقه القومية والسياسية المشروعة.
ثالثآ، إدراك تركيا لخصوصية العلاقة الإنسانية والسياسية، بين شمال وغرب كردستان ومدى التفاعل بينهما عبر التاريخ.
رابعآ، إن حصول الشعب الكردي على كامل حقوقه القومية والسياسية، في إطار سوريا ديمقراطية فدرالية، يعني خروج القضية الكردية من عنق الزجاجة، وشرنخة القضايا الداخلية. وبالتالي سيتم تدويل القضية الكردية، وهذا ما يحاول الأتراك تجنبه بكل الوسائل، العسكرية والمدنية.
وتركيا مستعدة لأن تسلم الشمال السوري ليس لداعش فقط، وإنما لعزرائيل سوريا بشار الأسد، ولكنها غير مستعدة بأي شكل من الأشكال، للقبول بوجود كردي سياسي فيها، مهما كلفها ذلك من تنازلات لروسيا وإيران والنظام السوري.
ولهذا أجد هناك إمكانية حقيقة، أن تتفق أنقرة مع الأسد لتسليمه مدينة الباب الاستراتيجية، لقطع الطريق على الكرد من أجل تحقيق وحدتهم الترابية. ولمن يعرف المنطقة، يدرك مدى أهمية مدينة الباب، بالنسبة للكرد ووحدة إقليمهم.
وبرأيي إن هذا “التعثر” التركي في اجتياح الباب، ليس إلا حلقة ضمن التفاهم العام بين النظام السوري وتركيا برعاية روسية، بحيث تتقدم القوات التركية حتى مشارف مدينة الباب وتقف عند هذا الحد، ومن ثم يتم السماح لقوات النظام، بالتوجه شمالآ نحو مدينة الباب، بعد سيطرتها على كامل مدينة حلب، بمساعدة تركية ورعاية روسية.
وحسب قناعتي إن سيطرة للنظام على مدينة الباب، أخطر من بقاء تنظيم داعش فيه على المدى البعيد، بالنسبة للكرد. ولم يعد يفصل قوات النظام، سوى 7 كيلومترات عن المدينة حسب أخر الأنباء.
والسؤال أين هي قوات سوريا الديمقراطية، من كل ذلك ومعهم أمريكا، التي لم نسمع لها أي موقف؟!