منطقة عفرين لها أهمية خاصة، تميزها عن جميع مناطق كردستان، ومن ضمنها منطقة الجزيرة.
وهذه الخصوصية نابعة من موقعها الجغرافي القريب من ساحل البحر الأبيض المتوسط، و خلوها من أي عنصر أخر، غير العنصر الكردي.
وهذه الخصوصية تحديدا تقلق تركيا، و تجعلها تتوجس من قيام كيان كردي في شمال سوريا يمتد من حدود جنوب كردستان، وينتهي على شواطئ البحر المتوسط. ولهذا أسرعت إلى إرضاء روسيا بتخليها عن مدينة حلب لصالح النظام السوري، والتوقف عن تقديم الدعم للمجموعات الإرهابية، التي كانت تقاتل النظام، مقابل سماح روسيا والنظام لها باحتلال جرابلس والباب، لمنع الكرد من توحيد إقليمهم جغرافيا. ولكن تركيا تعلم حق العلم، بأن سيطرة الكرد على كل من مدينة منبج وتل رفعت وشيخ عيسى، يمنحها الفرصة، في أي وقت لتحرير الباب وجرابلس من يد الجماعات الإرهابية المتحالفة معها، وتوصيلهما بعفرين.
كما تدرك تركيا بأن مشروع الفدرالية الكردية، لن يكتمل من دون ضم منطقة عفرين إليها وسيكون الكيان الكردي عندها ضعيفآ، ويمكن إحتوائه من خلال حصاره إقتصاديآ، ومن ثم إخضاعه سياسيآ بسهولة. ولهذا فإن مصير منطقة عفرين مهم للغاية في هذا المجال، ومن هنا يحاول الأتراك وضع يدهم عليها، والتحكم بجزء من شمال سوريا، والتأثير على مجريات الوضع السوري العام
ولتحضير الأرضية للغزو، قامت تركيا بحملة إعلامية شرسة ضد الكرد وقوات حماية الشعب، بهدف تشويه سمعتهما. و حشدت قوات عسكرية ضخمة في منطقة إعزاز ومارع شرق عفرين، ثم اتفقت مع روسيا لإقامة قاعدة عسكرية في منطقة إدلب والسيطرة على قمم جبالها، بهدف تطويق عفرين من الجهات الأربعة، وقطع الطريق أمام تمدد الكيان الكردي الى البحر.
ويمكن تلخيص أهداف الخطوة التركية من خلال النقاط التالية:
1- توسيع مناطق نفوذها، من خلال ربط ريف حلب الشمالي والشرقي مع محافظة إدلب، وهو ما سيزيد من نفوذ تركيا بسوريا.
2- تحجيم الدور الكردي في سوريا، وخاصة بعد تكليفهم بتحرير مدينة الرقة والطبقة.
3- تعويض خسارتها، بعدما منعت من المشاركة في معركة تحرير الرقة والموصل، بقرار من أميركا.
4- عملية استباقية، لمنع تمدد المشروع الكردي وقطع الطريق أمامه نهائيا.
أمام تركيا سيناريوهين للتدخل وهما:
السيناريو الأول:
هو أن تقوم تركيا بتكليف المجموعات الإرهابية الموالية لها، والمتواجدة بمدينة الباب وجرابلس، بالهجوم على مقاطعة عفرين، وأن تقوم هي بتقديم الغطاء الجوي والمدفعي لهم. طبعآ هذا بعد أن تحصل على الموافقة الروسية.
هذا السيناريو برأي ضعيف الاحتمال، لأن تركيا لا تثق بأولئك الإرهابيين، وتعلم بمدى صلابة القوات الكردية، وتمسكها بالدفاع عن وجود شعبها. كما أن تركيا جربت هذه المجموعات من قبل، وانهزمت كلها أمام (قسد).
السيناريو الثاني:
هو أن تقوم تركيا بتنفيذ الغزو بنفسها، وهذا هو المرجح، وهو ما يفسر سر هذا الحشد العسكري التركي الكبير في مارع وما حولها. ولكن في نفس الوقت، تدرك تركيا جيدآ إن غزو مقاطعة عفرين لن يكون نزهة، وإن إرتكاب مثل هذه الحماقة، سيحول المدن التركية وأراضيها إلى أهداف مشروعة للكرد في سوريا وتركيا.
ويبقى السؤال هنا: هل أمريكا ستغض النظر على غزو تركيا لعفرين، مثلما غضّت النظر عن الاحتلال التركي لجرابلس والباب؟
دعونا ننتظر ونرى، كيف ستتصرف الولايات المتحدة حيال مثل هذا الغزو، في ظل حديث أمريكي مستمر، عن مواصلة دعمها العسكري، لقوات سوريا الديمقراطية بعد تحرير الرقة.