إن هدف حزب العدالة والتنمية الذي خرج من رحم حزب الرفاه بزعامة نجم الدين اربكان، كان هدف الأخير ولا زال، أسلمة النظام السياسي التركي، ووضع نهاية للنظام العلماني- القومجي، الذي أسسه مصطفى كمال بعد ننهاية الحرب العالمية الإولى وإنهيار الإمبراطورية العثمانية.

وما صرح به رئيس البرلمان التركي الحالي اسماعيل كهرمان، بضرورة اسلمة الدستور الجديد لتركيا وإلغاء العلمانية، هو حقيقة ما يفكر به قادة حزب العدالة والتنمية، وما يصبون إلى تحقيقه فعليآ. بالطبع كان من الصعب على تلك القيادات التصريح بمثل هذا القول قبل سنوات، نظرآ لنفوذ المؤسسة العسكرية القوي، التي كانت تتمتع به بحكم الصلاحيات التي كانت ممنوحة لها، في إطار مجلس الأمن القومي التركي، قبل أن يقوم أردوغان بقصصة أجنحتها، بحجة التقرب من الإتحاد الأوروبي والإيفاء بشروطه.

وللعلم إن حزب العدالة والتنمية وصل الى الحكم، في ظل النظام العلماني، الذي يسعى للإنقلاب عليه. كما ازدهرت التنظيمات السياسية الإسلامية، وبات لها حضورآ قويآ في الحياة السياسية التركية، وأصبحت التيار الأقوى في البلاد. فلماذا يسعى أردوغان لتغيير هذا النظام الذي أوصله الى الحكم، ومكنه من حكم تركيا وحزبه كل هذه المدة الطويلة؟

برأي ليس هناك من سبب منطقي يدعوا الى ذلك، سوى رغبة أردوغان الشخصية العودة بتركيا إلى عهد السلطنة العثمانية، بسبب جنون العظمة الذي ركبه منذ توليه الحكم، وحبه الشديد للسلطة والتفرد بها، ورفضه لأي إنتقاد ينال شخصه، ولهذا يسعى وبقوة لتعديل نظام الحكم ليصبح رئاسي، ولهذا السبب بنى قصرآ فخمآ يضم ألف غرفة، وأعاد الى الحياة بعض التقاليد والمراسيم العثمانية وألبستها.

إذا تمكن حزب العدالة والتنمية من تحقيق هدفه الرئيسي، ألا وهو اسلمة الدستور الجديد، سيكون لأردوغان اليد العليا في إصدار القوانين، واتخاذ القرارات المتعلقة بالحرب والسلم، والإعلام، والصحافة، والتعليم والقضاء. ولا شك إنه سينهي الحياة السياسية، من خلال إلغاء الأحزاب السياسية ومنعها من العمل.

أما بخصوص العلاقة مع الكرد، والموقف من قضيتهم القومية العادلة، سيتشدد أكثر معهم من الأن، وسيطرح عليهم مشروع الحركات الإسلامية المعروف، أي العيش كمواطنيين في إطار الدولة التركية، وخاصة معظم الكرد مسلمين. والتيارات الإسلامية ترفض وجود الحركات القومية في إطار الدولة الإسلامية، فالمسلمون برأيهم جميعآ إخوة. وعلى الصعيد الخارجي، سيوتر العلاقة مع الغرب، ويدفع بتركيا بخطوات بعيدة عن الإتحاد الأوروبي وعضويته بكل تأكيد. وعلى الجانب الأخر ستقيرب تركيا من الحركات الرديكالية أكثر فأكثر، وسينتهج سياسة متشددة تجاه المنظمات المدنية والصحافة والنشطاء السياسيين والأقليات الدينية، وعلى رأسهم الأقلية العلوية على وجه الخصوص.

إن ردة فعل أردوغان ورئيس وزرائه، على تصريح رئيس البرلمان، لم تكن سوى محاولة للتخفيف من أثارها، وتهدئة مخاوف العسكر، وبقية التيارات العلمانية والليبرالية والحركة الكردية، والعلوييين المعارضين لهذا التوجه وبشدة. لا شك إن تصريح رئيس البرلمان حول الدستور، ليس رأيآ شخصيآ على الإطلاق، فهو تحدث باسم كتلته في البرلمان، ولا ننسى أيضآ هو عضو قيادي ومؤثر في حزب العدالة والتنمية، ويعلم ببواطن الإمور، وما يدور خلف الأبواب المغلقة.

بقيا السؤال، هل بامكان حزب العدالة والتنمية بقيادة السيد اردوغان،اسلمة الدستور التركي الجديد، كما طالب بذلك علنآ رئيس البرلمان، وهو نائب عن ذات الحزب؟ الأيام والأشهر القادمة كفيلة باجابة على هذا التساؤال، ودعونا ننتظر، وإن لناظره قريب.

29 – 04 – 2016

yekiti