21مشاهد وصور التراجيديا السورية هي الأبرز في وسائل الاعلام والأكثر انتشاراً، لتُجسد عمق المأساة والانتهاكات بحق الانسان، والتي يُنتجها يومياً مسلسل الحرب الشعواء الدائرة على الأرض السورية، من براميل متفجرة وصواريخ متنوعة وقنابل ورصاص بمختلف القياسات والأنواع، إلى استخدام مختلف أساليب القهر والقمع والخطف والتجويع والتهجير والذبح وتدمير البنى التحتية، وبحقدٍ وسابق اصرار وتصميم على خطى العنف والعنف المضاد، قلما شهدتها ساحات حروب أخرى، حيث أن النظام وأمراء الحرب وقوى الارهاب تفننت في أشكال العنف دون أي رادعٍ أخلاقي أو سياسي أو ديني وأي احترامٍ لقواعد الحروب، وذلك باسم الدفاع عن الدولة والشعب أو باسم الثورة الإسلام.
كل ذلك وسط تدخلات اقليمية ودولية سافرة، وغموض وتردد المجتمع الدولي على مدار خمسة أعوام من الأزمة السورية. فالجرح عميق، ونزيف الدم والدمار كبير، ولم تحمي الشعب السوري منجزات العولمة والتقانة والمعلوماتية ولم يسعفه القانون الانساني الدولي أو الجمعيات والمنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الانسان وإغاثته.
الموت جوعاً، في مشهدٍ مؤلم من مظاهر انعدام مقومات الحياة الذي فرضته قوات النظام وحلفاؤه على مدينة مضايا الواقعة شمال غرب العاصمة دمشق، خلال أشهر مضت، ولم تلقَ قضيتها اهتماماً إلى أن تناقلت قنوات التلفزة صور خرائط عظام الأطفال والشيوخ وروايات الحصار والجوع والبكاء والتوسل والموت.
هناك قرارٌ لمجلس الأمن بإدخال المساعدات الانسانية والاغاثية إلى كافة المناطق السورية، وتم ذلك في معظم مناطق سيطرة النظام ودون أن يحصل في أغلب المناطق الأخرى. السؤال الذي يطرح نفسه، ألم يكن ممكناً لدى الأمم المتحدة والقوى الكبرى فك الحصار عن مضايا قبل أن تستفحل فيها الأمور؟، أين هي جملة المواثيق والقيم التي يتغنى بها كبار الساسة وصناع القرار لدى المؤسسات ذات الصلة؟،… شتانَ بين ما يقولون وما يفعلون!.
اجتماعات ومؤتمرات، واحدة تلـو أخرى، هنا وهناك، بيانات وتصريحات ومواقف، تحذيرات ووعود،… لم تضع سوريا على سكة عملية سياسية وانفراج، ولا زالت محنتنا في أوجها. فالإنسان السوري يبحث بالدرجة الأولى عن الأمان ولقمة العيش، في بيته، قريته ومدينته وفي بلده، وعن وقفٍ لنزيف الدم والدمار، وأية سياسات وتحركات لا تهدف إلى تحقيق هاتين الغايتين الأساسيتين أولاً، أقل ما يقال عنها أنها ليست بجادة وتدخل في مجال المواربة واللف والدوران.
ولاننسى بأن هناك ومنذ عامين مناطق سورية أخرى محاصرة تستدعي تحركات عاجلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تواصل قوى تكفيرية ارهابية فرض حصارٍ جائر على منطقة عفرين التي تقع في الزاوية الشمالية الغربية لسوريا على الحدود التركية ولا يؤدي إليها أي منفذ بري مفتوح أو ممر إنساني، ويأتي هذا الحصار متناغماً مع مواقف الحكومة التركية المعادية للإدارة الذاتية القائمة ولتطلعات الشعب الكردي المشروعة. فهل تنتظر القوى الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة وقوع كارثة إنسانية في عفرين وتنقل وسائل الاعلام مشاهد البؤس والجوع كما حصل لـ مضايا، حتى تبادر إلى إغاثة أهاليها الذين يعانون الآن من نقص خطير لحليب الأطفال وللأدوية ومصادر الطاقة.
يتطلب من جميع السوريين بشكل عام وقواه السياسية بشكل خاص اغتنام الفرصة وإعادة النظر ومراجعة حساباتهم قبل الذهاب إلى جنيف 3 التي ستشكل فرصة سانحة أمامهم، وأن يفكروا بواقعية وعمق قبل غيرهم، ويتوافقوا على تسوية سياسية تضع بلدنا في طريق الانعتاق من هول الحروب وكوارثها المفجعة.
* جريدة الوحـدة – العدد / 269 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ).

yekiti