• مقدمة

  بات موضوع العنف المنسوب إلى المنظمات الإسلامية عموما وإلى تلك الجهادية التكفيرية خصوصا، موضوعا للعديد من السجالات والدراسات، ما دفع بالكثيرين استبعاد التهمة عن المنظمات الاسلامية بترجيح فرضيات عدة، ربما أبرزها فرضية المؤمراة واللعبة الاستخباراتية، فضلا عن التآمر على الأمة الإسلامية، في حين أي محاولة جادة وقراءة موضوعية لتاريخ وتطور المنظمات الاسلامية الأولى وتتبع مسار تحولها الفكري والتنظيمي تبين درجة الترابط بين المنظمات الدعوية الإصلاحية الأولى والجهادية اللاحقة، بحيث يمكن تتبع مسار هذا التوالد والتتابع مرحلة بعد أخرى، هذه الورقة تحاول بإختصار شديد تتبع خيط الترابط بين المنظمات الاصلاحية الاسلامية الأولى والجهادية العنفية المعاصرة.

  في السياق التاريخي العام وقبل الإسلام أيضا، التطرف السياسي نبع أساسا من الأديولوجيا الدينية، ترجم عمليا من النصوص الثابتة ومنظومتها القيمية وحقائقها الايمانية المطلقة. فمنذ أقدم العصور تبلور التطرف بصفته نسقا فكريا وأيديولوجيا  ملازما للمعتقدات الدينية والتعاليم الإيمانية الأولى، بدءا باليهودية بحسب (ايرك هوفر) في  كتابه القيم المؤمن الصادق، حيث نقل هذه الفكرة  المفتاحية بدوره عن من المفكر ج.بي.س هالدين، الذي اعتبر التطرف ضمن أربعة مخترعات بالغة الأهمية فيما بين سنتي 3000 ق.م و1400م ويعده إختراعا يهوديا / مسيحيا” [1]

   في الواقع كانت ومازالت ثمة علاقة متشابكة وبنيوية بين الدين وحركات الاصلاح في المجتعات والدول، وصولا إلى طلب الحكم الرشيد. لقد مهدت هذه التطلعات والمساعي الإصلاحية لتبلور الاتجاهات الدينية المتطرفة عموما والاسلامية منها على وجه الخصوص. فالتيارات الاسلامية المتشددة انبثقت تدريجيا عن تلك الدعوية والاصلاحية المعتدلة منذ أوائل القرن العشرين.

•      البدايات التنظيمية

 دراسة تاريخ التنظيمات الإسلامية الإصلاحية ترجح على أنه لا يمكن الفصل بينها وبين المنظمات الجهادية المعاصرة، فمنذ مطلع القرن العشرين تلخص عمل هذه المنظمات في إستمداد القوة والتشريع من المنابع الإسلامية لتحقيق النهضة والتحرر للمجتمعات الاسلامية عامة، والعربية على خصوصا. فالتدقيق في سياقات التحول من العمل الدعوي والسياسي الإسلامي المنظم إلى الجهادي المشرعن فالعنف المسلح العاري، يؤكد ارتباط التنظيمات المعاصرة بوشائج قوية مع الحركات الجهادية السابقة ضمن مسار متواصل، لأن جذور الحركات الجهادية ممتدة عميقا نحو المشترك الدعوي والجهادي.

  لقد تلونت وتنوعت دعوات الاصلاح منذ أواخر القرن التاسع عشر في العالم الاسلامي، وإن كانت أبرزها نشاطات جمال الدين الأفغاني (1838- 1897) ومحمد عبده (1849-1905)،  حيث ترجما عملهما في أنشطة شبه منظمة، خاصة بعد أن تجسدت في دورية فاعلة ومؤثرة، هي (العروة الوثقى) التي أصدراها عام (1884). لاحقا برز خارج العالم الاسلامي منظر  وداعية إسلامي هو أبي الأعلى المودودي (1903-1979)،  الذي أسس الجماعة الاسلامية في الهند – باكستان(2)

  • المنعطف الكبير

    تطورت الدعوات الاسلامية الاصلاحية وتمظهرت في عدة تنظيمات كانت أبرزها جمعية لإخوان المسلمون، التي ساهمت في مجمل النشاط السياسي والدعوي بمصر، وتنامى دورها التنظيمي  خلال  حرب عام (1948) في فلسطين، وشكل دور الأخوان في هذه الحرب منعطفا تنظيميا وأيديولوجيا في مسار الجمعية، إذ مالت نحو العمل العسكري، كطريق مختصر لتحقيق طموحاتها في الإستيلاء على الحكم، بل تبلور لدى بعض مؤسسيها نزعات إنقلابية لتغيير السلطة الملكية بمصر. ترجمت النزعة الإنقلابية لدى الإخوان عبر جهازها العسكري (التنظيم الخاص)، الذي اصطدم مع السلطات عام (1948)، خاصة بعد إغتيال قاض مصري، ومن ثم بعد قتل رئيس الوزراء النقراشي.

   يمكن الافتراض بأن جماعة الإخوان المسلمين مارست عمليا العنف للإستيلاء على السلطة بدءا بمنتصف القرن العشرين، وبهذا السلوك أسس الأخوان لأولى حركات الإسلام السياسي المسلحة، التي تمارس العنف وتتخذ من السيف شعارا لها، وتلخص ذلك في خطاب حسن البنا  التأسيسي النظري وقوله الشهير “أن الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف”، وكذلك رغبة أتباعه في الوصول إلى الحكم عن طريق العنف. ترسخ هذا الفهم بوجود دلائل على دعمهم لحركة الضباط الأحرار بمصر، ومشاركتهم في الانقلاب على الحكم الملكي عبر الضابط أنور السادات، المقرب منهم.

في مرحلة التحول الكبير من النهج الدعوي إلى النهج القتالي، زاوج الزعيم الثاني لجماعة الاخوان سيد قطب، بين العنف والعدالة الاجتماعية، وأعطى زخما اكثر حدية وإنقلابية لأيديولوجيا الإسلام السياسي المنظم، لدرجة أن أعجب به قادة مصر الإنقلابيون، فقد كان لقطب أثر بالغ على جمال عبد الناصر وزملائه من الضباط، عبر كتابه “معالم في الطريق” الراديكالي، الذي نشر في القاهرة عام (1964)، ورفع عبره خطابه المطالب بالحكم الاسلامي، مستعيرا مفهوم “الحاكمية” من المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند، ومرسخا لفكرة جاهيلة العالم وبالتالي الأنظمة الحاكمة، وشجب الإنتماءات القومية[2].

لاحقا برز ورفد الحركات الإسلامية تنظيم  نخبوي جديد وفعال هو حزب التحرير الإسلامي، الذي أسسها عام (1953) وأقام بنيانها الفكري الشيخ محمد تقي الدين النبهاني (1909-1977) المدرس والقاضي الشرعي الفلسطيني. ولقد استمد تيار الاسلام السياسي أدوات عنفه هذه المرة من بيئة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

  • العنف السياسي الإسلامي المعاصر  ساهم تصاعد العنف بين نظام حافظ الأسد والطليعة المقاتلة للاخوان المسلمين، أواخر سبعينات القرن العشرين في التأسيس للحركات الجهادية المعاصرة.بعد اشتعال حرب لبنان عام 1975، وتنامي ظاهرة الصراع الطائفي في المنطقة، كان الإخوان المسلمون في سورية يخرجون في مظاهرات علنية غير مسلحة يتحدون النظام، ويطلقون الشعارات والهتافات المعادية للبعث. برز منهم في ذلك الحين الشيخ مروان حديد زعيم حركة (كتائب محمد) من مسجد البارودية في حماه الذي جعله مركزا له. تصاعد نشاط الشيخ مروان الذي كان من المسؤلين عن الشغب ضد النظام عشية الاعلان عن الدستور الجديد عام 1972. كما وضع لائحة بأسماء قيادات في الحزب والدولة بهدف الاغتيال. وواصل بناء خلايا جهادية يضم كل واحدة منها من 10 إلى 12 عضوا، وبشر بنهاية حكم البعث في المساجد والمخابئ[3]. إلى أن تفاقم الصراع بين البعث السوري والإخوان بعد مجزة مدرسة المدفعية التي قام بها الضابط ابراهيم اليوسف وقتل  فيها العشرات من الطلاب العلويين. لقد إستغلت الطليعة الأخوانية المقاتلة الصراعات بين أنظمة بغداد وعمان، إضافة إلى نظام السادات في مصر من جهة ونظام الحكم السوري من جهة أخرى، واستمد الدعم من أجهزة مخابراتها، لإستخدام وتوظيف هذا العنف الإسلامي المؤدلج لأغراض وصراعات سياسية صريحة. من الملاحظ أن خطر تلك الأحداث في سورية تلخصت في التأسيس لأدوات وثقافة المفخخات، ولسهولة إستهداف المدنيين  وشرعنة قتلهم ضمن الصراع على الحكم.

    في سياق عملية تحول مخيفة للفكر العنفي الجهادي الإسلامي إلى سويات حادة وأكثر تطرفا،   تداخلت هذه الإتجاهات العنفية  مع الصراع داخل معسكر القوميين العرب، وخاصة ضمن جناحي البعث (العراقي والسوري)، نتج عن عملية التفاعل والتلاقح فكر وممارسة إرهابية صرفة، ترجمت في عمليات إستخدام السيارات المفخخة، في أعوام (1980-1982)  بدمشق، كما يستشف من القراءة التاريخية لمشهد العنف السياسي في المنطقة، أن عنصري الأساس في هذا الإرهاب هو إلتقاء خبرات وأيديولوجيتي البعث المولدة للعنف، مع الجهاد التكفيري السلفي المنبثق موضوعيا عن الاتجاه الفقهي المتشدد الذي يحيله بعض الدارسي إلى (ابن تيميه).

  • أفغانستان التجربة والمدرسة الجهادية  شكل عام 1979م منعطفا في مسار الحركات الاسلامية، وذلك بالارتباط والتفاعل مع حدثين مهمين الأول استلام الملالي الشيعة للحكم في ايران، وتأسيس سلطة (ولاية الفقية) الاسلامية، أما الحدث الثاني فكان دخول السوفيت في أفغانستان حيث ساهم عملية اجتياحه لأفغانستان حافزا لأجهزة الإستخبارات الغربية في تهيئة المناخ للجهاديين وسهلت رحلتهم الى أفغانستان لمحاربة السوفييت، معتمدين على أنظمة السعودية ومصر وتركيا، وعلى دعم الرأسمال النفطي المتراكم بسبب زيادة أسعار البترول عهدئذ، وهذا ما ادى إلى تأسيس مدرسة جهادية جديدة، بل جبهة عالمية للجهاد لاحقا في أفغانستان بقيادة أسامة بن لادن. لذلك انتقلت السلفية الجهادية من المحلية إلى العالمية حيث ساهم التدخل السوفيتي في أفغانستان ببلورة نمط الجهاد التضامني العالمي، ومع هذا التدخل دخل العنف الاسلامي السياسي المنظم منعطف آخر، إذ أصبحت بعض الدول لا التنظيمات الاسلامية، هي التي تتبنى المسألة الأفغانية، وبذلك تعززت الدعوات لدعم الجهاد في أفغانستان، حيث ساد المناخ الإسلامي الجهادي لتساعد التنظيمات الاسلامية على مزيد من الانتشار.
  • نشوء القاعدة وتبلور الجهاد المعولم  لقد كان تنظيم القاعدة تتويجا لمرحلة عولمة الجهاد الاسلامي المعاصر، تعميما له واستثمارا كاملا لتقنيات التواصل والتعبئة على الصعيد العالمي، هذا الانتشار والتواصل لم يكن بمعزل عن الخطوط العامة للعبة الأمم والصراعات الإستخباراتية، فضلا عن صناعة الأعداء التي تجيدها المؤسسات الرأسمالية الغربية والمجمع الصناعي للاسلحة في العالم.
  • الإسلام السياسي المستعار في كوردستان   حركات الاسلام السياسي المنظمة عموما وتلك التي تتبنى الفكر الجهادي لا تمتد بجذورها إلى مجتمع كوردستان، ولم تنبثق عن الاسلام الكوردستاني إن جاز التعبير، فالإسلام الكوردستاني إسلام إجتماعي صوفي مسالم عبر التاريخ، وهو متداخل سياسيا مع المشروع التحرري الكوردستاني أكثر من ترابطه مع المشروع الجهادي الاسلامي العالمي.أما جذور التنظيمات السياسية العاملة على ساحة كوردستان العراق فهي مرتبطة مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، أو يشكل إمتدادا للقاعدة وتيار الأفغان العرب، خاصة التيار الذي تضامن مع الجهاديين العائدين من أفغانستان عبر ايران، تم نقل مئات الجهاديين من أفغانستان إلى كوردستان العراق في مسار وخط عودة للجهاديين العابرين للدول. كان من بين أبرز المتجهين إلى كوردستان، الأردني أحمد فضيل نزال الخلالية المعروف بأبي مصعب الزرقاوي، الذي قام بتأسيس قواعده في كوردستان العراق حيث نظم في عام 2002 عملية خروجه واتباعه إلى إيران فالعراق. خلال تلك الحقبة بدء الزرقاوي بإنشاء شبكة جهادية عالمية، وأسس قواعد له في سورية، وتمكن من تجنيد عدد من السوريين واللبنانيين والفلسطينين، وكان ينشط في تفعيل شبكته في العراق، وتحديدا في منطقة كوردستان. لذلك يمكن التأكيد على أن الإسلام الجهادي هو من المنتجات السياسية لمناطق خارج بيئة كوردستان الاجتماعية، وهي وافدة إليها بل مستعارة وعابرة لها، فمجمل النشاط الجهادي كان ومازال خارج حدود كوردستان، على الرغم من قرب كوردستان من البؤر السلفية والجهادية الرئيسة.لقد نمت وتدرجت التنظيمات الجهادية في جوار كوردستان خاصة بعد 11 سبتمر 2001، صحيح ان كوردستان قد تأثرت بها، لكنها تفاعلت داخليا وخارجيا لتعمق من نهجها العنيف في المجتمعات المجاورة  خارج حدود كوردستان، فتوجت تلك الحركات بإعلان “التوحيد والجهاد“، ثم “دولة العراق الاسلامية”، وصولا إلى إعلان  دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام (داعش) عام 2013، المرتبطة بخيوط فكرية، فقهية وتنظيمية متينة مع الحركات الإسلامية الأولى، لكن ماهو مهم راهنا لتسليط الضوء عليه يكمن في أهم العوامل التي ساهمت في تفعيل وزيادة دور (داعش) وتحوله إلى سلطة على الأرض، وهذه العوامل على الأرجح تكمن في:
  • 1-  دعم الرأسمال النفطي والظروف المساعدة لعولمة السلفية الجهادية.
  • 2- تحالف ضباط حزب البعث مع السلفية الجهادية، وعملية التلاقح بين الفكر العروبي في العالم العربي مع الوهابية وسلفية الأخوان. فقد كان ومازال العديد من ضباط البعث هم قادة في داعش، مثل أبو مسلم التركماني (فاضل الحيالي) ومجموعة اخرى من الضباط السابقين، علما أن كل من عمر وأبو بكر البغدادي كانا قد خدما سابقا في السلك العسكري العراقي ويدركان ميزة توظيف رصيد وخبرات هذا القطاع من الضباط الناقمين والعاطلين عن العمل.
  • 3- الإنتقام لعملية اسقاط نظام البعث في بغداد، ومنع سقوط نظام الحكم في دمشق على نفس المنوال.
  • 4- لعبة أنظمة الحكم في دمشق، بغداد، طهران، أنقرة فضلا عن الصراع التركي الإيراني للسيطرة على  خيرات  منطقة الشرق الأدنى والتأثير على مستقبلها السياسي.
  • 5- دور داعش وتأثيره الفعال على مسار الصراع حول آفاق استثمارات النفط والغاز.
  • 6- منع قيام وحدة كوردستانية بين اقليم كوردستان العراق وكوردستان سورية.في المحصلة لم تكن الحركات السلفية الاسلامية الأولى سوى مقدمة موضوعية لحركات الجهاد المعاصرة، فقد انبثقت عنها عبر مسار طويل من الصراع الايديولوجي والفقهي والخلافات التنظيمية الواضحة المعالم، حتى بات على سبيل المثال لا الحصر كتاب (إدارة التوحش لأبي بكر ناجي) أحد خلاصاتها النظرية والسجالية وأبرز الشواهد على هذه الترابط المتسلسل، التي يمكن إدراجها ضمن عدة مراحل نلخصلها بالمخطط البياني المبسط التالي:النتيجة
  • جسدت الحركات الاسلامية المنظمة منذ مطلع القرن العشرين ظاهرة الصحوة الإسلامية، والتي تلخصت في إستمداد القوة والتشريع من المنابع الإسلامية لتحقيق النهضة والتحرر في المجتمعات الاسلامية عامة، والعربية على وجه الخصوص. كما لا يمكن الفصل بين سياقات التحول من ذلك العمل الدعوي والسياسي الإسلامي المنظم والعنف المسلح المعاصر، فمن السذاجة عدم الربط بين الحركات الجهادية المتأخرة، وجذورها الممتدة عميقا نحو المشترك الدعوي والجهادي.
  • ساهم تصاعد العنف بين نظام حافظ الأسد والطليعة المقاتلة للاخوان المسلمين، أواخر سبعينات القرن العشرين، في نقل الفكر العنفي الإسلامي إلى سويات حادة وأكثر تطرفا، يمكن الإفتراض أنه ولأول مرة في تاريخ الصراعات السياسية في الشرق الأوسط، تم تسجيل هذا المستوى من العنف والإنتقام الأعمى. ويستشف من القراءة التاريخية لمشهد العنف السياسي في المنطقة، أن عنصري الأساس في هذا الإرهاب هو إلتقاء خبرات وأيديولوجيتي البعث العسكرية الإنقلابية، مع الجهاد التكفيري، إلى أن تم تعويمها وعولمتها بعد إستقطاب العديد من الجهاديين من مختلف أصقاع العالم. هذا ما يشجع على الإعتقاد بأن جذر عمليات الإرهاب والمفخخات هو بعثي أخواني سلفي مشترك. فقد نفذت أول عمليات التفخيخ في سورية مطلع ثمانينات القرن العشرين، تطورت وأخذت منحى جديدا بعد بروز القاعدة، إلى أن وصلت إلى أقصى درجات العنف والارهاب الأعمى ضمن نشاطات داعش.
  • عنف داعش لم يولد فجأة، وإنما ورثت داعش في البدء ما يمكن تسميته بالشرعنة الفقهية للقتل على أساس الهويات، بدءا من مدرسة المدفعية بحلب و(التي تم احياء ذكرى بطلها مؤخرا من قبل المعارضة السورية) وصولا إلى “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، على إعتبار أن القادة الجهاديين أجازوا القتل على أساس تصنيف واسع، سواء من حيث الهوية أوالموقف السياسي أيضا، كالموقف من الديمقراطية وقبول النظم البرلمانية، المشاركة في العلمية السياسية والانتخابات، إلى أن تم القتل علنا بحسب الهوية المجردة، كالإنتماء الطائفي فقط، فضلا عن القتل المزاجي والخاضع لمعادلات المصالح المادية.

•   جملة من الظروف والعوامل جعلت من المجتمعات العربية والاسلامية تمر قبل عقود ومازالت في مرحلة حرجة يمكن تسميتها وتوصيفها (بمرحلة قابلية الإنحياز للسلوك المتطرف)، فقابلية التطرف الديني ممكنة وكامنة في أغلب المجتمعات الفقيرة، وإنما تزداد الاحتمالات طردا مع تعمق الفقر وزيادة التهميش والاقصاء السياسي، وبالإرتباط مع اضطهاد الأقليات القومية. ويبدو ان مجتمع كوردستان لن يكون بمنأى عن  المناخ المنتج للعنف الديني لتشابه الظروف، وخاصة مع وجود أحزاب سياسية لم تتخلى نظريا عن فكرة الجهاد.

إن قيام تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام وتبلور ملامح المعارضة السورية المسلحة من جهة، وحكم الأحزاب الاسلامية الشيعية في العراق من جهة أخرى يعدان أحد أهم الأدلة على إنتهاء صلاحية دولتي سورية والعراق بصيغتهما العلمانية، فلم يعد ممكنا لأي تنظيم ديمقراطي او علماني أن يحكم سورية أو العراق في العشرين السنة القادمة، وهذا ما سيعمق أزمة المجتمعات العربية فيهما، فقد عبرت الفورة الدينية المتطرفة عن إكتمال الظروف الموضوعية لإعادة تشكيل وتأسيس دولتي سورية والعراق (العلمانيتن سابقا) على أسس قانونية وسياسية جديدة، بما فيه تعديل الحدود، وترسيخ نموذج كوردستان العلماني – الديمقراطي.

yekiti