عودة إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا – أيلول 2020م
إلـى السادة:
أنطونيو غوتيريش الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة.
ميشيل باشليه مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
باولو سيرجيو بينهيرو، كارين كونينغ أبو زيد، هاني مجالي، رئيس وأعضاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية.
مارشي- أوهل رئيسة الآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية– الخاصة بسوريا.
إليزابيت تيشي – فيسلبرغر رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
فيليبو غراندي رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
تحية طيبة…
أبناء سوريا الجريحة عموماً يتلهفون لسماع أي نبأ يُنعش لديهم قليلاً مما فقدوه من أمل بوقف الحرب ونزيف الدم والتهجير، ولا شك أن الأمم المتحدة بالمقاصد السامية التي تأسست لأجلها هي التي يُعقَد عليها الأمل رغم عجزها المكشوف عن وضع حدّ للمأساة السورية المستمرة منذ أكثر من تسعة أعوام.
عطفاً على مُذكرَتَين سابقتين قدمناهما إليكم بخصوص التقريرين الصادرين عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا والمكلفة من قبل مجلس حقوق الإنسان، في آذار و أيلول 2019م، اللتين تضمنتا انتقادات وملاحظات وتوضيحات ومطالب حول تقييم اللجنة الموقرّة للأوضاع السائدة في مناطق بشمالي سوريا خاضعة للسيطرة التركية، عفرين على وجه الخصوص؛ نريد القول إن التقرير الأخير A/HRC/45/31 تاريخ 14 أيلول 2020م، وما ورد فيه من تشخيصٍ لانتهاكات وجرائم مرتكبة في مناطق “عفرين ورأس العين وتل أبيض” شمالي سوريا، الخاضعة فعلياً للاحتلال التركي، وبيان المسؤولية عنها إلى حدٍ ما، كان موضع تقدير وارتياح لدى الكثير من السوريين في الداخل والخارج.
ورغم التطور الملحوظ في التقرير الجديد، نتقدم بمذكرتنا هذه، حول ما جاء فيه عن مناطق “عفرين ورأس العين وتل أبيض”، إضافةً إلى جوانبٍ وملاحظاتٍ أخرى، سعياً لبيان الوقائع والحقائق ما أمكن وتحديد المسؤوليات على نحو أدق.
السادة المحترمون…
قالت اللجنة الموقرّة في تقريرها إن “الجيش الوطني السوري” قد ارتكب جرائم حرب من نهب وتدمير ممتلكات الخصم أو الاستيلاء عليها، وفي أخذ الرهائن والمعاملة القاسية والتعذيب والاغتصاب وفي ترحيل السوريين المحتجزين لديه إلى تركيا، وكذلك قام بنهب وهدم ممتلكات ثقافية في انتهاكٍ للقانون الدولي الإنساني، وذكرت العنف الجنسي والجنساني الممارس في عفرين من قبل عناصر “الجيش الوطني السوري”؛ مشيرةً إلى أن تركيا في المناطق الخاضعة لسيطرتها الفعلية “تتحمل قدر الإمكان مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال”. وجاء في التقرير أيضاً أن اللجنة تلاحظ “الادعاءات التي تفيد أن القوات التركية كانت على علم بحوادث نهب ممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها وأنها كانت موجودة في مرافق الاحتجاز التي يديرها الجيش الوطني السوري حيث تفشت إساءة معاملة المحتجزين، بما في ذلك جلسات الاستجواب التي استعمل فيها التعذيب”، و “تواصل اللجنة التحقيق في مدى تشكيل مختلف ألوية الجيش الوطني السوري والقوات التركية بالضبط تسلسلاً هرمياً مشتركاً للقيادة والسيطرة…”.
السادة الأكارم…
وصفت اللجنة في تقريرها جرائم حرب ارتكبها “الجيش الوطني السوري” في منطقتي عفرين ورأس العين، ورغم انتهاء الحرب في عفرين عملياً – سوى بعض الاشتباكات المتفرقة على تخومها الجنوبية الشرقية والشرقية – بعد إعلان وزارة الدفاع التركية رسمياً السيطرة على المنطقة في 24 آذار 2018م، فإن العديد من الانتهاكات والجرائم تُرتكب بحق الكُـرد المدنيين ومنطقتهم بشكلٍ ممنهج موجه ودائم وعلى نطاقٍ واسع خلال أكثر من عامين ونصف، وكذلك خلال أكثر من عشرة أشهر في رأس العين وتل أبيض، وبالتالي أضحت جرائم ضد الإنسانية الوارد تعريفها في المادة /7/ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تستوجب توصيفها وتوثيقها بشكل دقيق ومعرفة منفذيها والمسؤولين عنها.
في الواقع هناك جوانب أساسية هامة وخطيرة لم تتطرق إليها اللجنة في تقريرها، أو اكتفت بالتلميح إليها دون الخوض في تحديد المسؤوليات، رغم ديمومتها وتقديم الكثير من الأدلة والوقائع عنها من قبل مكتبنا الإعلامي- عفرين والعديد من المنظمات الحقوقية والمدنية الأخرى.
لذا بودنا توضيح ما يلي من محاور أساسية:
أولاً- جرائم ضد الإنسانية:
– القتل العمد:
مقتل أكثر من /300/ وأكثر من /1000/ جريح مدني أثناء الحرب على عفرين، ومقتل ما يقارب /130/ مدنياً، منذ 18 آذار 2018م لغاية تاريخه مِمَن تمكنَا من توثيق أسماءهم، بينهم نساء وأطفال وكبار السن، بسبب عمليات السطو المسلح والتعذيب وتفجير سيارات ودراجات مفخخة وألغام والتصفية الجسدية أثناء الخطف والإعدام وغيره، عدا حالات الوفاة قهراً بسبب الاضطهاد والتعديات أو بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي فرضها الاحتلال على عفرين بمختلف تجلياته.
وفي رأس العين (سري كانيه بالكردية) وتل أبيض (كري سبي بالكردية) سقط مئات المدنيين ضحايا قتلى وجرحى أثناء العدوان عليها في تشرين الأول 2019م من قبل القوات التركية وميليشيات سورية موالية لها، التي استخدمت مختلف صنوف الأسلحة، والفوسفور الأبيض الحارق ضد العسكريين والمدنيين على حدٍّ سواء، ويستمر وقوع الضحايا بسبب تفجيرات إرهابية تحمل بصمات تنظيمات تكفيرية متطرفة أو نتيجة عمليات السطو المسلح والاختطاف، في ظل دوام حالة الفوضى والفلتان الأمني عكس ما كانت تنعم به المنطقتان من أمان واستقرار نسبيين خلال سنوات الإدارة الذاتية السابقة قبل الغزو التركي.
– التغيير الديموغرافي:
قالت اللجنة: “بعد نهب الممتلكات المدنية، احتل مقاتلو الجيش الوطني السوري وعائلاتهم المنازل بعد فرار المدنيين، أو قاموا في نهاية الأمر بإجبار السكان، وأغلبهم من أصل كردي، على ترك منازلهم، من خلال التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز…”، في إقرارٍ صريح بتهجيرٍ قسري للسكان الأصليين وإبعادهم من منطقتي عفرين ورأس العين.
ففي عفرين إثر الاجتياح والهجمات العشوائية على المنطقة في الربع الأول من 2018م، نزح أكثر من /250/ ألف نسمة إلى الداخل السوري ومُنع ما يقارب /200/ ألف منهم من العودة إلى ديارهم بإغلاق معابر المنطقة أمامهم من قبل السلطات التركية اعتباراً من 4/4/2018م، فبقوا مشرَّدين في مناطق النزوح (بعض قرى جبل ليلون، بلدات نبل والزهراء وديرجمال وتلرفعت، وقرى وبلدات الشهباء…)- شمال حلب، ومنهم من فرّ إلى حلب ومناطق كوباني والجزيرة- شرق الفرات. كما أُغلقت قرى بأكملها أمام عودة أهاليها إما لاتخاذها قواعد عسكرية أو لاستحلالها من قبل عوائل المسلحين (“جلبر، كوبله، ديرمشمش، زريكات، باسليه، خالتا” – روباريا و “چيا، درويش”- راجو و “قسطل جندو، بافلون، شيخورزيه، بعرافا”- شرَّا…)، حيث تدنى عدد الكُـرد في المنطقة إلى حوالي /150/ ألف نسمة، أغلبهم من الفئات العمرية الكبيرة، إذ تقل نسبة الشباب بسبب هروب أغلبهم من التعديات والظروف القاسية. ومن جهةٍ أخرى تم توطين أكثر من /450/ ألف نسمة من المستقدمين العرب والتركمان المنقولين من أرياف دمشق وحماه وحمص وإدلب وغرب حلب، بُعيد سيطرة قوات الحكومة السورية عليها ووفق صفقات وتفاهمات أستانه بين روسيا وتركيا وإيران، ضمن منازل وممتلكات أهالي المنطقة المستولى عليها عنوةً وفي مخيمات عشوائية. ونتيجة ذلك تغيرت التركيبة السكانية للمنطقة بشكلٍ كبير وتدنت نسبة الكُـرد من /95%/ إلى ما دون /25%/ ليحقق الرئيس رجب طيب أردوغان مزاعمه بأن نسبة الكُـرد في عفرين لا تتجاوز /35%/ والبقية عرب وتركمان! كما شمل التغيير الديمغرافي مجالات أخرى، مثل تدمير وتخريب رموز وأضرحة ومزارات ومقابر ومواقع أثرية وتاريخية، وتغيير أسماء قرى وساحات ومدارس ورفع العلم التركي عليها، ومحاربة اللغة والثقافة الكردية، إلى جانب نشر ثقافة عثمانية جديدة ودينية متشددة، بغية تغيير الخصوصية الثقافية للمنطقة وطابعها القومي وقطع تواصل أهاليها مع تراثهم التاريخي، إضافةً إلى ضغوطات يومية تُمارس ضد الكُـرد المتبقين في المنطقة، بهدف دفعهم لترك أرضهم وممتلكاتهم نحو هجرةٍ قسرية متواصلة.
أما في منطقة رأس العين، فهُجِّر منها الأغلبية الساحقة من الكُـرد والسريان والأرمن والشيشان – سكان أصليين- قسراً، وتم توطين آلاف من عوائل المسلحين المستقدمين بدلاً عنهم وفي مساكنهم، حيث باتت مدينة رأس العين شبه خالية من سكانها الأصليين، بعد أن هُجِّروا قسراً ونُهبت منازلهم ومحلاتهم والمرافق العامة أيضاً.
وفي منطقة تل أبيض، تم تهجير عشرات آلاف الكُـرد – سكان أصليين- قسراً من المدينة وقرى تابعة لها تحت ضربات القصف والاجتياح التركي، ولم يبقى منهم سوى بضع عائلات، حيث أضحت قراهم فارغة، وتم إسكان عوائل آلاف المسلحين في منازل المُهجَّرين من المدينة بعد نهبها والاستيلاء عليها.
قد يتمكن بعض السكان العرب نازحي منطقتي رأس العين وتل أبيض من العودة إلى قراهم ومدينتهم مع تحمّل المخاطر المحتملة، ولكن الكُـرد والسريان والآشوريين والأرمن ممنوعون فعلياً من العودة، تحت طائلة الاعتقال أو الاختطاف والإخفاء القسري والإهانة وحتى القتل تحت التعذيب، وفي جميع الأحوال باتت أملاكهم مستباحة من قبل غيرهم، بما فيها منازلهم السكنية.
فلم تلتزم تركيا بمضمون قرار مجلس الأمن 2254 (2015) من حيث “اتخاذ الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقاً للقانون الدولي”، وارتكبت مخالفات جسيمة للقانون الدولي الإنساني من حيث حماية المدنيين والممتلكات الخاصة والعامة وغيرها.
إن التغيير الديموغرافي الذي يطال الكُـرد في مناطقهم التاريخية- كإثنية متمايزة، يرتقي إلى مستوى التطهير العرقي بحقهم، فليس بالضرورة أن يكون قتلاً جماعياً، بل هو أي نية أو محاولة لإخلاء مجموعة عرقية أو إثنية أو دينية معينة من منطقة جغرافية معينة باستخدام القوة المسلحة، أو بالتخويف والترويع، أو بالترحيل والتهجير القسري، أو بمختلف أشكال الاضطهاد، أو بطمس الخصوصيات الثقافية واللغوية والإثنية، أو بخطاب الحقد والكراهية والتحريض على العنف، أو بمنع عودة النازحين جراء الأعمال القتالية، إلى ما هنالك من أساليب مستحدثة في محاولة القضاء على تلك المجموعة. وصحيحٌ أن القانون الدولي لم يعترف ولم يقرّ بَعد “التطهير العرقي” كجريمة مستقلة، ولكنه ورد كمصطلح في تقارير أممية، وفي قرار الأمم المتحدة رقم (47/121) الصادر بتاريخ 18/12/1992، بخصوص “البوسنة والهرسك”، الذي أشار في تمهيده إلى “السياسة المقيتة للتطهير العرقي”؛ لاسيما وأن التطهير العرقي يُصنَّف كجريمة ضد الإنسانية، وتجاهل وجهه الأبرز كالتغيير الديموغرافي في عفرين ورأس العين وتل أبيض من قبل اللجنة المستقلة أمرٌ خاطئ ومستغرب.
– نهب الأملاك والاستيلاء على الممتلكات واستعباد السكان وإفقارهم:
في مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض تم نهب والاستيلاء على ممتلكات السكان الأصليين المُهجَّرين قسراً من قبل ميليشيات “الجيش الوطني السوري” بناءً على تعليمات أسيادها في حكومة أنقرة وفتاوى مشايخها، بغية قطع أمل العودة لدى المُهجَّرين، وترسيخ وتوسيع التغيير الديموغرافي الجاري فيها.
إذ أكدت اللجنة في تقريرها على أن “عناصر الجيش الوطني عمدوا بطريقة منسقة إلى نهب أملاك الأكراد والاستيلاء عليها… “، وبدورنا نؤكد على أن عمليات النهب والاستيلاء المنسقة لأملاك الأكراد مستمرة وتتم على نطاقٍ واسع.
ففي منطقة عفرين عمليات النهب والاستيلاء تتجاوز نصف ممتلكات الأهالي، للغائبين منهم ولقسمٍ من المتبقين، وهناك محاولات مستمرة للاستيلاء على المزيد عبر إجراءات “التوثيق العقاري والتسجيل الزراعي” المزيفة والمحدثة وفق أهواء المحتلين، علاوةً على محاولات تبديد ونهب ما هو متبقٍ من الأملاك بين أيادي أصحابها، عبر فرض الأتاوى على المواسم الزراعية وعلى الآليات والمحلات والورش والمعاصر ومعامل البيرين والصابون والورشات الإنتاجية العاملة، إضاقةً إلى السرقات الواسعة من المحاصيل والمنتجات والأجهزة والأدوات والآليات، مع حصر وتقييد حركة بيع وشراء المحاصيل والمنتجات والبضائع، خاصةً زيت الزيتون، بآليات يستحكم بها متزعمي الميليشيات والفريق التجاري التركي، لتحقيق المزيد من المكاسب والأرباح على حساب أرزاق ومصادر عيش السكان الأصليين، وكذلك تشغيل بعض الكُـرد في أعمال لصالح متزعمي الميليشيات كالسخرة دون دفع الأجور لهم وفيما يشبه تشغيل العبيد، في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة وندرة فرص العمل بسبب تردي الاستقرار والوضع الأمني وتقييد حركة ودور الكُـرد في ممارسة الأعمال التجارية والصناعية والزراعية. كما يمتنع المسلحون والذين تم توطينهم عن إخلاء منازل ومحلات عائدة للأهالي، رغم مطالباتهم المتكررة ورفعهم لشكاوى عديدة، إضافةً إلى طرد بعض العوائل الكردية من مساكنهم أو مساكن عائدة لأقربائهم بغية إسكان المستقدمين بدلاً عنهم، أو إجبارهم على إسكان عوائل مستقدمة ضمن منازلهم.
أما في مناطق رأس العين وتل أبيض فعمدت الميليشيات إلى سرقة معظم الممتلكات الخاصة والعامة ومعظم كابلات شبكتي الهاتف والكهرباء وخراطيم مياه الري- على كثرتها، ونهبت حوالي /730/ ألف طن من مخزون القمح والشعير والسماد والقطن والبذار في صوامع الحبوب والمستودعات كغنائم، وقامت ببيعها إلى تجار الحروب وتجار محليين وأتراك ومؤسسة الحبوب التركية TMO تحت أعين الاستخبارات والسلطات التركية، كما استولت على معظم الأراضي الزراعية لتستثمرها وتزرعها لصالحها- باعتبار نسبة كبيرة من ملاّكيها قد هُجِّروا؛ فهذا النهب والاستيلاء يُفسر جانباً خطيراً من أسباب منع الأهالي للعودة إلى ديارهم.
– الاعتقالات العشوائية والتعسفية، والاختفاء القسري:
عدا الخطف والاختطاف والاحتجاز وموجات التوقيف لدى ميليشيات “الجيش الوطني السوري”، فمنذ اليوم الأول لغزو عفرين هناك اعتقالات عشوائية وتعسفية للسكان الأصليين، مع التعذيب والإهانات وسرقة المقتنيات والأموال أحياناً أثناء المداهمات وعمليات التفتيش، ولا تزال مستمرة وأحياناً تتكرر بحق نفس الأشخاص وتطال النساء وكبار السن والقاصرين أيضاً، بحجة العلاقة مع الإدارة السابقة (موظف، مدرّس، حارس، عضو كومين أو مجلس محلي، عنصر أسايش، خدمة إلزامية….) أو الانتماء إلى أحزاب كردية أو على الشبهة أو بناءً على تقارير كيدية، بإشرافٍ مباشر من الاستخبارات التركية، ويتم فرض غرامة مالية /1100/ ليرة تركية على كل معتقل، وسجن أغلب المعتقلين لمدة /20-40/ يوماً وفي بعض الحالات بعقوبات أشدّ، مثل ما تم في بلدة معبطلي خلال أسابيع ماضية من اعتقال حوالي /30/ شخصاً وتغريمهم، بينهم نساء وأعضاء وموظفين في المجلس المحلي المرتبط بالاحتلال. وليس الغاية منها توليد إيرادات مالية وحسب، بل إفقار وترويع السكان الأصليين ودفعهم للهجرة القسرية أيضاً، إلى جانب إنشاء قاعدة بيانات أمنية عن المعتقلين لصالح الاستخبارات التركية، وقد تم ترحيل بعضهم إلى تركيا لأجل معاقبتهم هناك، إذ حوكم على البعض بالسجن المؤبد أو لعدة سنوات (بحق بعض مواطني قرية عمرا- راجو مثالاً)، أو اعتقال بعض أبناء عفرين مقيمون في تركيا ومحاكمتهم بناءً على تقارير مرفوعة من سلطات الاحتلال في الداخل السوري. في وقتٍ أصبح فيه القانون و”القضاء الذي تم تأسيسه في عفرين” أداةً للتنكيل بالمعتقلين والسكان الأصليين، وليس لإنصافهم ورد المظالم عنهم ولمحاسبة المجرمين والقبض على اللصوص.
وهناك أكثر من /1100/ مواطن من أهالي عفرين مُختفين قسراً، وما يقلق ذويهم بشكل كبير هو احتمال فقدانهم لحياتهم تحت التعذيب أو المرض أو الإصابة بفيروس كورونا داخل سجونٍ سرية تفتقد لأدنى قواعد الصحة والسلامة، إذ تُشير شهادات بعض المفرج عنهم إلى إخفاء معظمهم تحت ظروف قاسية ومُهينة في سجون “الراعي، مارع، الباب، سجو- اعزاز” التي تقع تحت سيطرة الجيش التركي المحتل لمناطق ما تسمى بـ “درع الفرات”، وقد تم الإفراج عن البعض منهم مؤخراً بعد الاختفاء حوالي العامين، وهم في حالةٍ صحية متردية، ويخشون البوح عن الظروف والتعذيب الذي عانوا منه. وأقوى دليلٍ على وجود سجون سرية خاصة بالميليشيات أيضاً، هو العثور بالصدفة على /11/ امرأة وطفلٌ رضيع في المقرّ الرئيسي لـ “فرقة الحمزات”- مبنى الأسايش السابق في حي المحمودية بمدينة عفرين، بتاريخ 28/5/2020م، وإخراجهن من قبل ميليشيات “جيش الإسلام” بعد أن سيطرت على المقرّ إثر اشتباكاتٍ بين الطرفين، حيث أن النسوة كنَّ مختفيات قسراً منذ ما يقارب السنتين، وقد أعادتهنَّ “الشرطة العسكرية” التي تولت أمرهنّ بعد أيام إلى “الحمزات” التي أخفتهن ثانيةً، دون تقديمهن إلى محاكمةٍ ما أو الإفراج عنهن.
إذاً تلك الاعتقالات العشوائية والتعسفية والإخفاء القسري يتم على نطاقٍ واسع ولأسباب سياسية وعلى خلفية أفعال ربما قام بها المستهدفون قبل مجيئ سلطات الاحتلال، وبالتالي تُشكل جريمة ضد الإنسانية، تُرتكب بحق الكُـرد كمجموعة إثنية متمايزة بعينها، وهنا تَرتكب تركيا أيضاً- باعتبارها دولة احتلال- مخالفةً للمادة /70/ من اتفاقية جنيف الرابعة /1949/ التي لا تجيز “لدولة الاحتلال أن تقبض على الأشخاص المحميين أو تحاكمهم أو تدينهم بسبب أفعال اقترفوها أو آراء أعربوا عنها قبل الاحتلال…”.
– الاضطهاد الثقافي والقومي والمعاملة المهينة:
إن ما صرَّح به مرارًا مسؤولون وجنود أتراك ومسلّحون من ما يسمى بـ ” الجيش الوطني السوري” عن الكُـرد ووصفهم بالانفصاليين والإرهابيين، ونعتهم بالملاحدة والكفار، وإطلاق فتاوى تُبيح نهب ممتلكاتهم والإضرار بهم، وتعريض المتبقين منهم في مناطقهم لإهانات يومية وحالات ابتزاز واستفزاز… تنم بالأساس من عداء عنصري وشوفيني نحوهم، حيث أن القمع والاضطهاد يطالهم بشكل ممنهج، في وقتٍ يتم فيه تفضيل الذين تم توطينهم عليهم، بل ويُشَجعون للاعتداء على الكُـرد وممتلكاتهم، لا سيما وأن معظمهم يحملون أسلحة فردية بينما يُحظر على الكردي حمل أي سلاح وإن كان بارودة صيد. عدا عن حرمان الكُـرد من التعلّم بلغتهم الأم وممارستها ومن الاحتفاء بعيدهم القومي نـوروز، بل ومحاربة ثقافتهم، وتغيير معالم وأسماء مدارس وقرى وبلدات وساحات والسعي لتفكيك النسيج الاجتماعي، والاعتداء على رموزهم (هدم تمثال “كاوا الحداد” في عفرين مثالاً)، وتدمير مقابر شهدائهم وأضرحة شخصيات دينية وثقافية، وتخريب شواهد قبور مكتوب عليها باللغة الكردية وبعض مزارات مشايخهم القدماء. إضافةً إلى إجبار أهالي عفرين والذين تم توطينهم فيها على إصدار بطاقات تعريف شخصية تمنحها سلطات الاحتلال باللغتين التركية والعربية، بغية صهر الجميع في بوتقةٍ مجتمعية جديدة وبهويةٍ “عثمانية جديدة” يتم فرضها عبر أنشطةٍ عديدة تحت مسميات دينية وخيرية، في مساعي جديدة لتعريب وتتريك المناطق المحتلة.
– اضطهاد الإيزديين والسريان والآشوريين والأرمن:
إثر العدوان على عفرين، أُفرغت بعض القرى الإيزيدية تماماً من سكانها، مثل قرى قسطل جندو وبافلون، وانخفض وجود الإيزديين عموماً، ورغم ذلك تعرّض المتبقون منهم ولا يزالوا لمضايقات مختلفة وللاستهزاء بمقدساتهم ومعتقداتهم علانية، وإجبار البعض منهم على ارتياد المساجد واعتناق الإسلام في وقتٍ يُحظر فيه عليهم ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية أو الاحتفاء بأعيادهم، وهم لا يجرؤن على البوح عن دينهم، وقد تعرض البعض منهم للقتل أو الاختطاف والاعتقال والتعذيب، وتم تخريب العديد من مزاراتهم (شيخ ركاب، باصوفان…). بينما كانوا يتمتعون بحريتهم وحقوقهم كاملةً في ظل الإدارة الذاتية السابقة قبل الغزو التركي. وهم يشكلون جذراً تاريخياً أساسياً للكُـرد وتراثهم وثقافتهم؛ غير أن الميليشيات الجهادية تُشكل خطراً على مجمل حياتهم.
منطقة رأس العين كانت تضم حياً للكُـرد الإيزديين في المدينة باسم “حي زردشت” وأكثر من عشر قرى لهم في ريفها الشرقي (مريكيس، جان تمر، لزكة، شكرية، جافا، لدارا، كوع قبر، شيخ حسين، مطلة، بير نوح، حميدية) وكذلك قرى لهم في ريفها الغربي (الأسدية، خربة بنات، خربة غزال…)، إذ باتت خالية تماماً من سكانها الكُـرد الإيزديين بعد الغزو التركي للمنطقة. وفي قرية “جان تمر” التي تحتلّها ميليشيات “السلطان مراد” الإرهابية، تعرضت مقبرة كبيرة للكُـرد الإيزديين للتخريب وتشويه معالمها والعبث بمحتوياتها من رفات الموتى، وعلى نحو متعمّد بعد انتهاء المعارك. سبق وأن تعرض سكان هذه القرى من الإيزديين في رأس العين عامي 2012-2013م، لهجمات وحشية شنّتها تشكيلات مسلحة مدعومة من تركيا، وكذلك السكان الآشوريين في قرى الخابور لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الشام ” داعش” أثناء احتلاله للمنطقة في شباط 2015م، قبل دحرِه من قبل وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية.
كذلك فرّ السكان السريان والأرمن من مدينة رأس العين ولم يعودوا إليها إثر الاجتياح التركي، ونُهبت ممتلكاتهم وتم تمزيق الرموز والصور الخاصة بهم في المدينة بعد احتلالها.
أما السكان الآشوريون في قرى حوض الخابور وريف تل تمر البالغ عددها /34/ قرية، فقد نزحوا من قراهم باتجاه بلدة تل تمر، ضمن نفوذ الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا، فور بدء الحملة العسكرية على المنطقة، ولم يتمكنوا من العودة إليها بسبب المخاطر الكبرى التي هددت حياتهم ولاتزال، زد على ذلك استمرار قصف الجيش التركي على تلك المنطقة التي لم يتمكن من احتلالها بشكل كامل.
ثانياً- وما أغفلت اللجنة عنه أو تجاهلته:
– مُهجَّرو عفرين قسراً:
ما يؤسف له، أن اللجنة لم تلتفت في تقريرها إلى معاناة وأوضاع مُهجري عفرين قسراً إبان العدوان على المنطقة في الربع الأول من عام 2018م، المقيمون في “مناطق الشهباء ومدينتي نبل والزهراء وتلرفعت وديرجمال وبعض قرى وبلدات جبل ليلون”- شمال حلب، الواقعة تحت سيطرة قوات الحكومة السورية وضمن النفوذ الروسي، والذين يعيشون حياةً صعبة، إذ أن عددهم حوالي /85/ ألف نسمة، منهم /9/ آلاف يقطنون في خمسة مخيمات بائسة؛ يعانون من تدني فرص العمل والخدمات من كهرباء ومياه الشرب والصحة والتعليم وغيرها، وهم غير مشمولين ببرامج الأمم المتحدة الإغاثية والإنسانية، ومحاصرين من الجهات الأربعة بين قوات الحكومة السورية من جهة والقوات التركية وميليشيات “الجيش الوطني السوري” الموالية لها من جهة أخرى، اللواتي ترتكب جريمة حرب في العقاب الجماعي المفروض عليهم بمنعهم من التنقل إلى أي منطقة سورية أخرى أو العودة إلى ديارهم.
ومن جهةٍ أخرى لم تكن مناطق تواجدهم المذكورة قيد بحث وتقصي اللجنة، فضمن سير أعمال القتال أغفلت اللجنة عن ذكر حالات قصف عديدة نفذتها ضدها قوات الجيش التركي والميليشيات الموالية لها المتواجدة في منطقتي إعزاز وعفرين، والتي أدت إلى وقوع أضرار مادية في المساكن والمرافق العامة ووقوع ضحايا قتلى وجرحى مدنيين، والتي جاءت معاكسة لنداء الأمين العام أنطونيو غوتيريش ومناشدة المبعوث الأممي غير بيدرسون لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني لأجل مواجهة جائحة كورونا، ومن تلك الحالات:
– في 29 كانون الثاني 2020م، تم قصف بلدة “تل رفعت”، فأدى إلى مقتل الطفل نادر أحمد أحمد /7/ أعوام وجرح الطفل محمد أمين أحمد حج عيسى /8/ أعوام من أهالي البلدة التي كانت قد قُصفت في 2/12/2019، فوقعت مجزرة راح ضحيتها /10/ قتلى مدنيين بينهم /8/ أطفال و /12/ جريحاً.
– فجر 3 شباط 2020م، تم قصف قرية آقئبيه- جبل ليلون، فأدى إلى مقتل المواطن علي شعبان منلا /68/ عاماً وإصابة طفلته وآخرين بجروح، إلى جانب أضرار مادية في المنازل.
– مساء الإثنين 24 شباط 2020م، تم قصف قرية كالوته- جبل ليلون، فأدى إلى مقتل المواطنة أمونة منصور عمر /40/ عاماً وأُصيب المواطن خليل بكر عمر بجروح بليغة، إضافةً إلى وقوع أضرار مادية في المنازل.
– مساء الثلاثاء 25 شباط 2020م، تم قصف منزل في قرية آقئُبيه- جبل ليلون، فأدى إلى تدميره وجرح ثلاثة مدنيين مُهجرين “عصمت حمو، مفيدة رمزي حسن، الطفل جميل حمو” من عائلة واحدة، ووفاة زوجين وابنتهما تحت الأنقاض “حسن حاج عزت محمد /55/ عاماً، فاطمة أحمد علي /46/ عاماً، سيروشت حسن محمد /12/ عاماً).
– مُهجَّرو رأس العين وتل أبيض قسراً:
بالقصف الكثيف، والهجوم البري والجوي، منذ اليوم الأول من العدوان التركي على رأس العين وتل أبيض – شمال شرقي سوريا، في 9 تشرين الأول 2019م، تم تهجير معظم سكانها قسراً، كرداً وعرباً وسرياناً وأرمن وشيشان، فلا يزال حوالي /150/ ألف من سكان رأس العين مشتتين بين قرى ومدن الجزيرة ومخيم “برده رش”- كردستان العراق وقسمٌ كبيرٌ منهم يعيشون في حوالي /62/ مبنى “مدرسة ومركز تعليمي” بالحسكة وفي مخيمي “واشوكاني- قرية التوينة شمال الحسكة، سري كانيه- مدينة الحسكة”، يفتقدون للكثير من مقومات الحياة، وغير مشمولين ببرامج الأمم المتحدة الإغاثية والإنسانية. فلا يتمكنون من العودة إلى ديارهم، لما تحمل مخاطر المسائلة والتحقيقات والضرب والتعذيب والسجن في كثير من الأحيان، وحتى يتم ترحيل بعض العائدين المعتقلين إلى تركيا للتحقيق وفرض العقوبات، أما بعض كبار السن الذين عادوا إلى منازلهم يتعرضون لشتى أنواع الإهانات والتعذيب أحياناً لإرغامهم على الرحيل. وكذلك عشرات آلاف سكان مدينة تل أبيض وقراها المحتلة قد هُجروا قسرًا تحت الهجمات التركية الشرسة، ونُهبت منازلهم وممتلكاتهم، وهم الآن مشتتون في أرياف كوباني والرقة والجزيرة، ولا يتمكن معظمهم من العودة إلى ديارهم بسبب المخاطر التي قد يتعرضون لها تحت حكم الميليشيات والجيش التركي، ويعانون بشدة من صعوبات الحياة.
– أضرار شديدة بالبيئة والغطاء النباتي:
قبل غزو عفرين كانت السلطات التركية قد جرفت مساحات زراعية وحراجية واسعة، بعمق /200-500/ متر وبمحاذاة الشريط الحدودي، لدى بنائها لجدار اسمنتي عازل، كما قامت آلياتها العسكرية أثناء العدوان بقلع آلاف أشجار الزيتون في العديد من المواقع، مثل جبل بلال وجرقا وقرية درويش وفي قرية چيا – ناحية راجو وفي قرى حمام ومروانية فوقاني وتحتاني وآنقلة و أشكان غربي-ناحية جنديرس وقرمتلق وجقلي- ناحية شيه وبين قريتي كفرجنة ومتينا- ناحية شران وفي جبل شيروا، بقصد إقامة قواعد عسكرية؛ وطالت الحرائق والقطع الجائر- لم تشهد المنطقة مثيلاً له من قبل- غابات حراجية في جبال سارسين وكمرش وهاوار وجرقا وبلال – راجو ورمضانا ووادي الجهنم وتترا وروتا وحج حسنا وموقع قازقلي وشيخ محمد وجولاقا-جنديرس وميدانكي والمحمودية-عفرين وكفرجنة وطريق راجو – ميدان أكبس وميدانا وقاسم وشيخ وبلال وقره بابا وغيرها، وصلت مساحتها إلى أكثر من /13/ ألاف هكتار من أصل 32 ألف هكتار من الغابات الحراجية الطبيعية والمزروعة في منطقة عفرين. ومن جهة أخرى تم قطع مئات آلاف أشجار الزيتون وأشجار حراجية والمعمرة منها من قبل المسلحين والمستقدمين، بغاية التحطيب وصناعة الفحم، ولايزال الاعتداء على البيئة والغابات والأشجار المثمرة وغير المثمرة مستمراً بشكلٍ واسع، حيث بإمكان اللجنة اكتشاف تلك الأضرار من خلال مقارنة صور فضائية حديثة مع صور سابقة قبل الاحتلال.
إحدى ركائز السياسة العدائية التي يتبعها الاحتلال التركي ومرتزقته هي ضرب علاقة الإنسان الكردي في عفرين ببيئته الطبيعية وممتلكاته وبالتالي زعزعة جذور المجتمع وإضعافها.
– قطع مياه “محطة علوك” ونهر الفرات:
صحيحٌ أن أزمة مياه الشرب عامةٌ في سوريا، وقد أشارت اللجنة في تقريرها إلى انعدام الأمن الغذائي، ولكن إيقاف تشغيل محطة علوك في منطقة رأس العين الواقعة تحت السيطرة التركية لعدة مرات وخاصةً في فصل الصيف، وهي المصدر الرئيسي لمدينة الحسكة وريفها، إذ تغذي ما يقارب مليون نسمة، بينهم حوالي /100/ ألف من النازحين القاطنين في مراكز الإيواء والمخيمات… يُعدُّ جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، والمستغرب أن اللجنة المستقلة تجاهلت هذه المسألة الحساسة التي لها تداعيات خطيرة على حياة المواطنين في وقتٍ تنتشر فيه جائحة كورونا، خاصةً وأنها ذات خلفية سياسية ومن نتائج عدوانٍ مسلح على المنطقة، وليست بسبب كارثة طبيعية، إذ أنه جرى استهداف المحطة بالقصف في الساعات الأولى للغزو التركي في 9/10/2019 فخرجت عن الخدمة وقتها، رغم أن الإدارة الذاتية تؤمّن التغذية الكهربائية للمحطة وعمال وكوادر مؤسسة المياه التابعة للحكومة السورية مع آخرين من الإدارة الذاتية يقومون بتشغيل المحطة وصيانتها إن سمحت لهم سلطات الاحتلال التركي وميليشياتها، التي تتجاهل المناشدات المحلية والدولية وتلك التي تطلقها منظمات أممية ومدنية، في إصرار وتعمد إيذاء وابتزاز مناطق الإدارة الذاتية وسكانها؛ إذ تخلق الحجج لإيقاف المحطة عن العمل رغم اتفاقها عدة مرات مع الطرف الروسي الوسيط بين تركيا من جهة والإدارة الذاتية والحكومة السورية من جهة أخرى، وقد أعلن الجانب الروسي عدم التزام تركيا بما جرى الاتفاق عليه بخصوص أزمة المياه والكهرباء في المنطقة، كما قصفت قوات “الجيش الوطني السوري” بالاشتراك مع القوات التركية في 2 نيسان 2020م قرية “أم الكيف – 3 كم شمال تل تمر”، فأدى إلى انفجار خط المياه الرئيسي المؤدي من محطة علوك إلى مجمع مياه الحمّة- غرب مدينة الحسكة. وتقوم الميليشيات بسرقة الكهرباء من الخط المغذي للمحطة وبالتالي تدني طاقتها (تشغيل عدد محدود من أصل 12 مضخة)، وبسرقة المياه أيضًا من الخط الرئيسي الذاهب إلى الحسكة حال جريانه لأجل سقاية آلاف هكتارات أراضي تزرعها لصالحها.
ومن جانبٍ آخر، بدأ تدفق نهر الفرات بالتناقص ابتداءً من شهر نيسان 2020م، الذي يعتبر نهراً دولياً وفق القانون الدولي ولا يجوز لدولةٍ ما الاستحكام به كلياً دون باقي الدول التي يمرّ منها النهر، حيث انخفض منسوبه بشكلٍ حاد بسبب إغلاق تركيا بوابات المياه داخل أراضيها، مما أثر بشكل كارثي على المواسم الزراعية في الأراضي على جانبيه وفي تراجع الثروة السمكية وانخفاض مستوى انتاج الطاقة الكهربائية في السدود السورية وتضرر النظام البيئي، إذ انخفض تدفق النهر إلى ربع حصة سوريا /500/ متر مكعب في الثانية حسب آخر اتفاقٍ بين البلدين.
من الواضح أن تركيا تستخدم المياه كسلاح حرب ضد المدنيين السوريين والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وتريد استخدام المياه كعامل ضغط لتأليب السكان المحليين في شرق الفرات على قوات سوريا الديموقراطية، بدلاً عن تحييد ملف المياه في الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة، كونه ملف إنساني يخص المدنيين أولاً. وننتظر من لجنة التحقيق الدولية إرسال مندوبين وفتح تحقيق محايد حول أزمة المياه والكهرباء في المنطقة.
– إشاعة الفوضى والفلتان:
منذ غزوها، تحولت مناطق “عفرين ورأس العين وتل أبيض” من مناطق آمنةٍ نسبياً وتشهد تطوراً طبيعياً في كافة مناحي الحياة العامة وتأوي نازحين من مناطق سورية مختلفة، بإدارة ذاتية وقوى مسلحة محلية للدفاع عن النفس… إلى مناطق غير آمنة بالمطلق، يسودها الفوضى والفلتان والتوتر ومختلف صنوف الانتهاكات والجرائم ونشر الكراهية، خططت لها أنقرة على نحوٍ ممنهج، وأفلتت أيادي الميليشيات الإرهابية الموالية لها لتعيث في أرضها فساداً، وهي التي تتقاتل فيما بينها كثيراً على خلفية خلافات حول السرقات ونطاق النفوذ، وتُعّرض حياة المدنيين داخل المدن والأرياف للخطر وتُنشر الرعب بينهم، ولا تسهر على بسط الأمن والأمان ومنع وقوع التفجيرات داخلها.
أما تفجيرات الدراجات النارية والسيارات المفخخة التي وقعت بين المدنيين ضمن عفرين ورأس العين وتل أبيض تحمل بصمات تنظيمات إرهابية متطرفة، ولم يتبناها أية جهة كردية، بينما هناك عمليات تستهدف عناصر ومقرات عسكرية للجيش التركي وميليشياته في عفرين تتبناها “قوات تحرير عفرين”، في حين سلطات الاحتلال التركي في كل مرة تُسارع إلى اتهام وحدات حماية الشعب YPG بالوقوف وراء تلك التفجيرات دون أن تقدم دليلاً مادياً واحداً أو تعلن بشفافية حيثيات ومرتكبي إحدى تلك التفجيرات، في ظل حالة الفوضى والفلتان المستدامة في المناطق المذكورة.
– الحصار والتعتيم الإعلامي:
تفرض القوات التركية حصاراً مطبقاً على مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض منذ احتلالها، وعلى تنقل السكان الأصليين داخلها ومع خارجها، مع تقييد حركة شحن البضائع والمنتوجات الزراعية والصناعية والمواد الغذائية، وتمنع المُهجّرين قسراً من العودة إلى ديارهم، عبر إجراءات وممارسات قد لا تكون ظاهرة إلا للمتابعين ومن يعايشون الوضع.
وكذلك تفرض تعتيماً إعلامياً، بإغلاق تلك المناطق أمام وسائل الإعلام ولجان تقصي الحقائق ووفود منظمات حقوقية ومدنية مهتمة بحقوق الإنسان ووفود برلمانية غير المحابية لأنقرة وميليشياتها.
إن إغلاق معابر تلك المناطق مع الداخل السوري بشكلٍ قطعي من قبل أية جهةٍ كانت، ودون أسباب مقنعة وإجراءات زمنية محددة إن كان بحجة فيروس كورونا، يُعدُّ جريمة الحرب في العقاب الجماعي على أهالي تلك المناطق، لأنه يؤدي إلى تقطيع أوصال المجتمعات المحلية وتَدهور علاقات ومنافع الإنتاج والتجارة والاقتصاد المتبادلة بين مختلف المناطق.
– العدوان:
لم تكن مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض- شمالي سوريا يوماً تُشكل خطراً على محيطها أو على الأمن القومي التركي- حسب ما تدعي أنقرة دون أدلة واقعية، حيث كانت الحدود التركية معها آمنةً، ولم يُشن منها أي هجوم ضد الأراضي التركية أو كان هناك تهديد وشيك ضدها، بل بالعكس كانت هذه المناطق السورية تنعم بالأمان والاستقرار نسبياً، وعلى مرّ سنوات صدَت وحـدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ وقوات سوريا الديمقراطية المدافعة عنها هجمات عديدة ومتكررة لميليشيات “داعش والنصرة” ومثيلاتها من جماعات مسلحة إرهابية عملت تحت اسم “الجيش السوري الحرّ”، وكانت جزءاً من التحالف الدولي المناهض للإرهاب ولا تزال، فجاء اجتياح الجيش التركي بالهجوم براً وجواً، وبأحدث ومختلف أنواع الأسلحة، وبرفقة عشرات آلاف عناصر ميليشيات “الجيش الوطني السوري”، على عفرين في 20 كانون الثاني 2018م وعلى رأس العين وتل أبيض في 9 تشرين الأول 2019م، مخالفاً للمادة /51/ من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي شكَّل عدواناً على أراضي دولةٍ أخرى، الذي يعتبر بحد ذاته جريمةً وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي أضحى احتلالاً دامغاً بموجب اتفاقية لاهاي 1907م وجميع معايير القوانين الدولية المتعلقة به، وحسب الوقائع والممارسات على الأرض أيضاً.
– المرتزقة السوريون:
إن الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم التي اعتمدتها الأمم المتحدة في 4 ديسمبر/كانون الأول 1989م، تُعرِّف المرتزق بأنه (أي شخص يُجند خصيصاً محلياً أو في الخارج للقتال في نزاع مسلح مقابل مغنم شخصي، ولا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع، وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع، ولم توفده دولة ليست طرفاً في النزاع في مهمة رسمية بصفته من أفراد قواتها المسلحة)، وهذا التعريف ينطبق تماماً على عناصر ميليشيات “الجيش الوطني السوري” الذين استخدمتهم تركيا في نزاعها مع الكُـرد في مناطقهم “عفرين، رأس العين، تل أبيض” – شمالي سوريا، فلم يكونوا في نزاع مع الكُـرد لحد شنّ حربٍ شاملة عليهم والتي افتعلتها تركيا على خلفية إنكارها التاريخي لوجود ودور وحقوق الكُـرد، وكذلك استخدمتهم في نزاعها مع طرفٍ على الأراضي الليبية البعيدة عن سوريا، مقابل مغانم شخصية لهم (رواتب ومزايا، وعود بالحصول على الجنسية التركية، غنائم: مسروقات ومنهوبات واستيلاء على المنازل والممتلكات…)، في انتهاكٍ صريح لـ “مبادئ القانون الدولي مثل المساواة في السيادة والاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول وحق الشعوب في تقرير المصير”- حسب تلك الاتفاقية التي تؤكد أيضاً على “أن تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم ينبغي أن يعتبر جرائم موضع قلق بالغ لجميع الدول، وأن أي شخص يرتكب أيَّاً من هذه الجرائم ينبغي إما أن يُحاكَم أو يُسلّم…”؛ وبهذا ترتكب أنقرة و “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية” و “الحكومة السورية المؤقتة” ومتزعمي “الجيش الوطني السوري” وأفراده جريمةً مزدوجة بحق الكُـرد والسكان الأصليين في شمالي سوريا من جهة وأبناء الشعب الليبي من جهة أخرى، إلى جانب انتهاك القانون الدولي.
من جهةٍ أخرى، إنّ قيام أجهزة الدولة التركية علناً وباعتراف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ثلاث مناسبات على الأقل، بنقل مسلحين من ميليشيات “الجيش الوطني السوري” من الأراضي السورية، وصل عددهم لأكثر من /15/ ألف مسلح، عبر المطارات والموانئ التركية إلى ليبيا، واستخدامهم في النزاع المسلح الداخلي الليبي، يُعدُّ دليلاً قاطعاً عن السيطرة التركية الكاملة على هذه المجموعات المسلحة وأن عناصرها يعملون كمرتزقة تحت أمرة حكومة أنقرة، وبالتالي تتحمل الدولة التركية المسؤولية المباشرة عن انتهاكاتهم وجرائمهم في سوريا وخارجها.
ثالثاً- الوجود والمسؤولية التركية:
تركيا دولة رئيسية فاعلة في الصراع داخل سوريا وعليها، وكانت طرف رئيسي في اتفاقات ومحادثات آستانة، وجيشها مُهيمنٌ على مناطق في شمالي سوريا، التي سمتها بـ “درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام” بعد شن ثلاث عمليات عسكرية في 2016 و 2018 و 2019م تحت تلك المسميات الإعلامية، بتحشيد إعلامي وسَوْق مبررات وتخطيط عسكري على أعلى المستويات وفق موجبات الحرب الحديثة، براً وجواً، وما كانت ميليشيات “الجيش السوري الحرّ أو الجيش الوطني السوري” المشاركة مع الجيش التركي إلا جماعات مرتزقة تتحرك بأوامر من الضباط والمسؤولين الأتراك الذين يعقدون الاجتماعات لمتزعميها ويلقنوهم التعليمات.
إن السيطرة الفعلية التركية على مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض يُعدّ احتلالاً مكتمل الأركان بعد إعلانها من قبل الجيش التركي بشكلٍ رسمي، لانعدام شروط المادة /51/ من ميثاق الأمم المتحدة، ورفض الحكومة السورية والإدارة الذاتية ومجتمعاتها وقواها السياسية لها؛ وما دامت أراضي تلك المناطق تحت السلطة الفعلية لدولةٍ أخرى (تركيا)- إدارياً وعسكرياً، وفق جميع المعطيات والوقائع، فهي تعتبر أرضاً سورية محتلة وفق المادة /42/ من اتفاقية لاهاي 1907م، حيث تمارس أنقرة أنشطة وسلطات سيادية على تلك المناطق، من رفع العلم التركي على جميع المقرّات العسكرية والأمنية وعلى مباني المؤسسات الإدارية والتعليمية وفي الأماكن العامة وعلى مآذن بعض الجوامع، إضافةً إلى ربط المجالات الاجتماعية والدينية والصحية والاقتصادية والزراعية والتعليمية والاتصالات والكهرباء والبريد والخدمات بالمؤسسات والدوائر التركية، علاوةً على فرض التعامل بالليرة التركية فيها.
فالوجود العسكري التركي، بآلاف الضباط والجنود، وبالأسلحة المختلفة مع تغطية جوية، وبعشرات المقرّات والقواعد العسكرية المحصنة، إلى جانب استحكام تركيا بـ ميليشيات “الجيش الوطني السوري” ودفعها لرواتب عناصرها الذين يضعون العلم التركي على لباسهم العسكري، وإدارتها لتلك المناطق عبر مجالس ولجان تحت أمرة ولاة محافظاتها المتاخمة لها، وفتح بوابات حدودية معها ودفعها لرواتب كافة الموظفين، إضافةً إلى الانتشار الاستخباراتي الكبير والتركيز على رفع العلم التركي بكثافة داخل الأراضي السورية المُحتلّة مع تواجد مؤسسة “الشؤون الدينية” التابعة لرئاسة الجمهورية التركية ومؤسسات تعليمية وثقافية تركية… كافٍ وبالدليل القاطع للقول بأن تركيا تتحمل كامل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية عن الأوضاع السائدة فيها.
استناداً إلى الحقائق والوقائع التي ذكرناها يتوجب الجزم بأن السيطرة الفعلية على عفرين ورأس العين وتل أبيض هي لتركيا- كدولة احتلال– التي تحاول أن تتنصل من مسؤولياتها، وهي قادرة على لجم الميليشيات وتغيير الأوضاع الرهيبة السائدة فيها نحو الأحسن إن أرادت؛ ولكنها تُمارس سياسات عدائية ممنهجة ضد تلك المناطق وأهاليها، حيث أن مسؤوليتها تسبق مسؤولية ميليشيات “الجيش الوطني السوري” والجهتين “السياسية والتنفيذية” اللتين تتبناها (الحكومة السورية المؤقتة وائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية)، واللواتي تتلقى الدعم المباشر، المادي واللوجستي والعسكري والسياسي من أنقرة.
رابعاً- ملاحظات أخرى:
– إن الانتهاكات والجرائم المرتكبة في عفرين ورأس العين وتل أبيض ليست ممارسات فردية، بل هي ممنهجة وتقع على نطاقٍ واسع، وبتوجيه وإشراف الاستخبارات التركية، لذا من الخطأ القول بأن “أفراد أو عناصر أو مقاتلي الجيش الوطني السوري” قد فعلوا هذا أو ذاك، بل إن تلك الميليشيات تفعلها وتتحمل مسؤوليتها، كقوات لها هيكلية تراتبية وغطاء تنفيذي وسياسي مدعوم من تركيا.
– “الجيش الوطني السوري” مرتبط بـ “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة لـ “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية”، فمنا الخطأ عدم ذكر اسمي المنظومتين الأخيرتين، كونهما – وإن كانتا معارضتين للنظام السوري – تتحملان المسؤولية أيضاً بشخوصها ومسؤوليها ومؤسساتها وهيئاتها عن الأوضاع السائدة في عفرين ورأس العين وتل أبيض.
– معظم مرتكبي الانتهاكات والجرائم في عفرين ورأس العين وتل أبيض يفلتون من العقاب، ولا توجد آلية أمنية وقضائية نزيهة للتحقيق معهم ومحاسبتهم، وحتى أن معظم الضحايا أو ذويهم لا يجرؤون على تقديم الشكاوى أو رفع الدعاوى ومتابعة قضاياهم، بل يُرغمون في أغلب الأحيان على إخفاء الحقائق والتنازل عن حقوقهم أو المصالحة كُرهاً في أحس الأحوال.
– الاعتداء على الممتلكات الثقافية في عفرين أشمل وأكبر بكثير مما ذكر في التقرير، يتم على نطاقٍ واسع، حيث تواصل الميليشيات المسلحة نبش وجرف عشرات المواقع والتلال الأثرية، منها (براد، تلال: برج عبدالو، قيبار، جنديرس، زرافكيه، كمروك، دروميه)، بالجرافات والآليات الهندسية الثقيلة وفي وضح النهار. كما وردت أنباء عديدة عن تجريف تلال (حمام التركمان، صهيلان، أسود، جطل) في حوض البليخ – شمال الرقة، الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي، من قبل المسلحين، بغية سرقة آثارها وكنوزها الدفينة، وعلى غرار عفرين هناك مخاوف من تعرض حوالي /60/ موقعاً أثرياً بين نهري الخابور والبليخ إلى العبث والتخريب والسرقة، كانت قد نَقبت فيها بعثات أثرية دولية بشكل رسمي قبل عام 2011م واعتبرتها من التراث الإنساني.
إن قوات الاحتلال التركي بأيادي المرتزقة تقوم بتخريب ممنهج للمواقع الأثرية وتدميرها ونهب الآثار الموجودة فيها، لطمس هويتها الحضارية السورية والتراث الثقافي لمكوناتها. ولا شك أن تركيا هي الممرّ الوحيد لنقل وبيع الآثار والكنوز التي تُسرق من تلك المواقع.
بإمكان اللجنة المستقلة أن ترى تجريف التلال وحفر المواقع الأثرية وتخريبها بوضوح من خلال مقارنة صور فضائية لها قبل وبعد الاحتلال التركي.
السادة الأفاضل…
لاحظنا في التقرير إغفالاً من قبل اللجنة المستقلة في تحميل الدولة التركية المسؤولية عن الجرائم والانتهاكات المعروضة بالوضوح المُفترض، رغم أن التقرير يتضمن دلائل قوية على حضور الجيش والاستخبارات التركية في المنطقة، بما فيها أثناء حبس وتعذيب معتقلين. وكان السيد هاني مجالي عضو اللجنة، غير موفقاً في المؤتمر الصحفي المخصص لعرض التقرير بتاريخ 15/9/2020م، حين قال: “لا نستطيع القول إن تركيا هي المسؤولة عنهم وإنها تصدر الأوامر وتسيطر عليهم، لكننا نعتقد أن بوسعها أن تستخدم نفوذها على نحو أكثر بكثير للسيطرة عليهم، وبالتأكيد الضغط عليهم للكف عن الانتهاكات التي ترتكب والتحقيق معهم”، وذلك مباشرةً بعد قوله: “إن تركيا تتمتع بنفوذ، إذ أنها مولت ودربت وسمحت لقوة مسلحة تعرف باسم الجيش الوطني السوري بدخول سوريا من تركيا”. ونعتقد أن هذا التصريح ينطوي على تناقض في العبارات الواردة فيه ويعبر عن الارتباك الذي يطال عمل اللجنة، حين يشير لوقوف تركيا وراء تلك المجموعات الإجرامية تمويلاً وتسليحاً وتدريباً وإدخالها من الأراضي التركية إلى الأراضي السورية، ثم يبرّؤها بنفس الوقت، وكذلك يخرج عن مضمون التقرير المُقدّم من قبل لجنته، الذي يتضمن إشارات قوية باتجاه تحميل تركيا المسؤولية، وإن لم تكن واضحة وشفافة.
نناشد ضمائركم الحية لبذل ما أمكن من جهود لإنصاف المضطَّهدين وإزالة المخاطر عن المُهددين بها، الكُـرد والسوريين عموماً، ونهيب بكم للضغط على الحكومة التركية كي تلتزم بالقانون الدولي الإنساني وباقي العهود والمواثيق الدولية الراعية لحقوق الإنسان والشعوب، وباعتبارها دولة احتلال لأراضٍ سورية لا تكتسب سيادةً عليها وليس إلا حالة مؤقتة، إذ يتوجب عليها:
– اتخاذ التدابير لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامة.
– استخدام جميع الوسائل المتاحة لها، لضمان كفاية معايير النظافة الصحية والصحة العامة، بالإضافة إلى الإمداد بالغذاء والرعاية الطبية للسكان الواقعين تحت الاحتلال.
– حظر عمليات النقل الجماعية أو الفردية للسكان من الأرض المحتلة أو داخلها.
– حظر عمليات نقل السكان المدنيين التابعين لسلطة الاحتلال إلى الأرض المحتلة، بغض النظر عن كون هذا النقل قسرياً أو طواعية.
– حظر العقاب الجماعي.
– حظر أخذ الرهائن.
– حظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.
– حظر مصادرة الممتلكات الخاصة.
– حظر تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها…
– حظر تدمير الممتلكات الثقافية.
– أن يحصل الأشخاص المتهمون بفعل إجرامي على إجراءات تحترم الضمانات القضائية المعترف بها دولياً (فعلى سبيل المثال يجب إخطارهم بسبب احتجازهم، وتوجيه تهم محددة لهم، والخضوع لمحاكمة عادلة في أسرع وقت ممكن).
وإذا كان من حق الكُـرد والسوريين عموماً الدفاع عن مناطقهم وتحريرها من المحتل ما دام قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة /1514/ تاريخ 14 كانون الأول1960، البند /1/ ينص على “إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين”، فإنهم يتطلعون إلى دعمكم، وإلى اللجنة المستقلة لبذل المزيد من الجهود في رصد الأوضاع وكشف الانتهاكات والجرائم وتحديد المسؤوليات والواجبات بدقة وشفافية، مما يستدعي أن تطالب حكومة أنقرة بالإجابة على العديد من الأسئلة والتساؤلات حول الأوضاع في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وتُرسل بعثة تقصي الحقائق إليها، وتدرس تقارير إعلامية وحقوقية وشهادات ووثائق تُقدمها جهاتٌ عديدة عنها.
ولا بد أن توجه اللجنة في تقريرها توصيات خاصة إلى تركيا بخصوص مناطق سيطرتها، وأن يحث المجتمع الدولي بما فيه هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة الحكومة التركية عاجلاً، لكي تعمل على:
تحمُّل مسؤولياتها وواجباتها باعتبارها صاحبة السيطرة الفعلية والمتحكمة بالحالة العسكرية والإدارية والتنفيذية والقضائية عموماً.
وضع حدٍ للانتهاكات والجرائم المختلفة، وضبط سلوك الجماعات المسلحة الموالية لها.
ملاحقة مرتكبي الانتهاكات والجرائم ومحاسبتهم، بضمان عدم إفلاتهم من العقاب، في ظل ضبط أجواء الفوضى والفلتان.
وضع حدٍ لحالات الخطف والاختطاف والابتزاز والتعذيب والتوقيف والاعتقالات العشوائية وسلب الحرية التعسفي، التي تقع بشكل ممنهج لأسبابٍ سياسية وعنصرية أو مادية وأمنية، والكشف عن السجون السرية وإطلاق سراح المختفين قسراً خارج إطار القانون.
اتخاذ الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للمهجّرين قسراً إلى مناطقهم الأصلية، وتأهيل المناطق المتضررة، وفقاً للقانون الدولي.
اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية البيئة والغابات والأشجار والممتلكات الثقافية والممتلكات الخاصة والعامة، ووقف تدمير المواقع الأثرية التاريخية وسرقتها.
السماح غير المشروط بوصول المراقبين المستقلين والمنظمات الإنسانية إلى المنطقة، وخاصة إلى السجون ومراكز الاحتجاز والاعتقالات.
السماح لوسائل الإعلام ووفود المؤسسات والمنظمات المدنية والحقوقية المهتمة ولموظفي الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بممارسة أنشطتهم.
السماح للكُـرد والإيزديين منهم خاصةً بتداول لغتهم الأم، وممارسة طقوسهم القومية والدينية بحرية.
تحسين الخدمات العامة وإعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية والكف عن إجراءات التغيير الديمغرافي الممنهج.
إلغاء الأتاوى المفروضة على حركة النقل والمحاصيل الزراعية والانتاج الصناعي وأعمال التجارة والموارد الطبيعية.
فك الحصار عن المناطق المحتلة، وفتح المعابر والممرات الإنسانية الآمنة، لإفساح المجال أمام حرية الأفراد في التنقل وأمام حركة شحن البضائع، كونها مصانة ومحفوظة في العهود والمواثيق الدولية وفي دساتير معظم دول العالم.
تحييد ملف مياه الشرب ومياه نهر الفرات عن الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة، بحيث يتم تشغيل محطة العلوك- رأس العين بالحالة المثلى، وأن تحصل سوريا على كامل حصتها المتفق عليها من نهر الفرات.
كما نطالب هيئة الأمم المتحدة وتالياً مجلس الأمن الدولي، بالتعامل مع قضايا عفرين وسري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض كجزء من جدول أعمالهما، وممارسة الضغوط على تركيا للالتزام بالقانون الدولي الإنساني كدولة احتلال لتلك المناطق، والكف عن تهديد مناطق أخرى، باعتبار أن الكُـرد كانوا ولا يزالوا اليد الطولى في محاربة الإرهاب وتنظيم “داعش” التكفيري؛ وذلك بموازاة العمل على إنهاء الاحتلال التركي لمناطق سورية عدة، وإعادتها لأهاليها وللسيادة السورية، خدمةً لجهود ومساعي إيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن الدولي المجمع عليه /2254/.
كما نناشد الآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية- الخاصة بسوريا، للعمل على استقاء وجمع الأدلة والمعلومات والوثائق وحفظها. وإعداد ملفات تسيير إجراءات جنائية نزيهة ومستقلة بحق المتهمين، في المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية التي لها أو قد تنعقد لها مستقبلاً وفقاً للقانون الدولي، بما أنه لا يسري أي تقادم على جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وفق اتفاقية عدم تقادم تلك الجرائم، التي اعتمدت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2391 ألف (د-23) المؤرخ في 26 تشرين الثاني /نوفمبر 1968م.
إننا في حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا، في الوقت الذي نتقدم فيه بالشكر الجزيل إلى جميع العاملين في هيئات ومؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة على الجهود التي يبذلونها في خدمة قضايا الإنسان والشعوب وقضايا البشرية عموماً، نبدي استعدادنا للتعاون معهم في رصد الوقائع وكشف الحقائق بما أمكن.
تبقى “الأمم المتحدة” أمل المقهورين في الدفاع عنهم والتخفيف من معاناتهم وخلاصهم من الجور والاستبداد، وفي السعي لإحلال السلام ووضع حدٍ لأزمات مستفحلة.
سوريا- قامشلي 3 تشرين الأول 2020م
بكل ودٍ واحترام
حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)