تعثرت محادثات جنيف ولم تحقق الحد الأدنى من الأهداف المرجوة، في ظل عدم جدية واقتناع طرفي التفاوض بضرورة إيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية المركبة ورهانهما على حلٍ عسكري ما أو في إدامة الحالة الراهنة بغية تحقيق مآرب وأجندات خاصة لاتمت بأية صلة إلى مصلحة الشعب السوري، وإن كان النظام يتحمل المسؤولية الكبرى سياسياً وقانونياً وعسكرياً عن تفاقم الأزمة السورية ونتائجها الكارثية.
صحيحٌ أن تحضيرات جنيف لم تكن بالمستوى المطلوب، خاصةً من ناحية تركيبة وتكوين الوفد المعارض وتحديد سلم أولوياته ومطالبه، وأن الوضع شائك ومعقد وهناك تداخل كبير بين الأجندات والمصالح المحلية والاقليمية والدولية حول سوريا، كان بإمكان المشاركين في المحادثات الدفع بالأمور نحو إطالة أمد الهدنة ووقف إطلاق النار وتحسين الأوضاع الإنسانية تمهيداً لبناء أجواء الثقة وليس الدفع نحو تسخين الصراع أكثر مما هو عليه, وإطلاق شعارات وتصريحات لامسؤولة, شبع منها الشعب السوري وكلّفته أثمان باهظة.
من إيجابيات المحادثات، البدء بالحوار وإعطاء أهمية للتفاعل السياسي واختبار النوايا وتبيان الوقائع بشكل أوضح للمجتمع الدولي، كما وفرت الأجواء لتطبيق هدنةٍ وإيصال مساعدات إنسانية إلى العديد من المناطق، تنفس من خلالها السوريون الصعداء قليلاً، الذين باركوا تلك الخطوة كأولوية يعبرّ عنها ويشجعها كل من يود الخير لهم.
لكن مع تعثر المحادثات وتأجيلها عادت الحرب الساخنة تشتعل في حلب الشهباء، طيران النظام تقصف أحياء خارج سيطرته بالبراميل المتفجرة والقذائف باسم الشعب والقضاء على الارهاب، والفصائل المسلحة تقصف أحياء تحت سيطرة النظام وحي الشيخ مقصود بقذائف الهاون والصواريخ باسم (الثورة والجهاد)،…. لتتهدم المباني والمستشفيات والبنى التحتية، ويقع عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى من المدنيين، دون أي رادعٍ أخلاقي أو سياسي أو ديني، فهذه المعارك تؤثر على كامل المشهد السوري لما لحلب من مكانة تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية مميزة، إلى جانب العديد من المعارك في مناطق أخرى، رغم الجهود التي تبذل لتستمر الهدنة في دمشق واللاذقية.
من جهةٍ أخرى عاودت الحكومة التركية ومن يأتمر بأوامرها من الفصائل المسلحة وجهاتٍ سياسية معارضة إلى تسعير عدائها السافر لتطلعات الشعب الكردي في سوريا، بعد النجاح النسبي الذي حققته تركيا بالتعاون مع جهاتٍ أخرى في إبعاد تمثيل كردي حقيقي عن محادثات جنيف، حيث قامت بتعزيز قدرات تلك المجموعات المرابطة في منطقة اعزاز من خلال جلب مئات العناصر مع عتادهم من محافظتي إدلب وحمص وعبر أراضيها ليصلوا إلى معبر باب السلامة، وليتم التخطيط بالهجوم على وحـدات حماية الشعب والمرأة المتمركزة على مشارف منطقة عفرين، فكانت معركة عين دقنة أواخر شهر نيسان الجاري، حيث انتصرت فيها الوحـدات الباسلة وكبدّت المهاجمين خسائر بشرية ومادية كبيرة دون أن تتراجع عن مواقعها، في وقت تدعي فيها تركيا محاربة تنظيم داعش الإرهابي الذي تقوم قواته بقصف مدينة كلس بين الفينة والأخرى، وكان من الأولى والأجدر لها توجيه تلك الفصائل لتتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية ومن ضمنها وحدات الحماية في محاربة قوات داعش شرقاً نحو تحرير مدن وقرى مناطق الباب ومنبج وجرابلس شمال محافظة حلب.
خلاصة القول: من يريد الخير لأبناء سوريا ولديه نوايا جدية في وضع حدٍ لمحنتهم، عليه التركيز على نقطتين أساسيتين:
الأولى: الدعوة إلى وقف إطلاق النار ووقف نزيف الدم عاجلاً والبدء بتنفيذ البنود المتعلقة بالأوضاع الإنسانية الواردة في قرار مجلس الأمن 2254، ليتم تمهيد الدرب أمام تسوية سياسية ربما تكون شاقة وطويلة.
الثانية: تكثيف وتوحيد كل الجهود المحلية والاقليمية والدولية في محاربة الارهاب المتمثل في تنظيم الدولة (داعش) وتنظيمات شبكات القاعدة وأعوانها على الأرض السورية وتحرير الشعب من مخلفاته.
وذلك في ضوء توافق دولي وبإشراف مباشر من الأمم المتحدة، وهنا تقع مسؤولية مضاعفة على الدول الكبرى، منها روسيا وأمريكا خاصةً، في رسم الخطى والضغط على جميع الأطراف لتنفيذها.
ختاماً لابد لنا أن نزرع الأمل في التوصل إلى تسوية سلمية وانهاء نزيف الدم، فالوطن غالٍ والإنسان هو الوطن وهو الأغلى، علينا نحن أهل البلد التمسك بأسس العيش المشترك ونبذ الحقد والكراهية ونشر ثقافة التسامح وتضميد الجراح.
* جريدة الوحـدة – العدد / 273 /- الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)