شرق الفرات تسمية لمنطقة جغرافية تمتد من مجرى نهر الفرات إلى الحدود العراقية شرقاً على الخارطة السورية، فضلاً عن منبج وجوارها، حررتها قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي دعامتها الأساسية قوات الحماية الشعبية ypg (الكوردية) من المجاميع الإرهابية المسلحة كداعش والنصرة وأخواتهما بدعم وغطاء من قوات الحلفاء بقيادة أمريكا، والتي تعتبر شرق الفرات منطقة نفوذها بالتقاسم مع روسيا التي تحكم بالمقابل من غرب الفرات إلى ساحل المتوسط.
تدير شؤون شرق الفرات وتسير أمورها مجالس محلية بالتنسيق والتعاون مع الإدارة الذاتية الديموقراطية لإقليم الجزيرة، وذلك في ظل الفراغ الأمني الحاصل بعد سحب النظام السوري لمؤسساته وإداراته منها والإبقاء على بعضها رمزياً في بعض المراكز و المرافق..
شرق الفرات تعني المنطقة الغنية بثرواتها لاسيما الباطنية من الغاز والنفط والتي كانت سابقاً مواقع استثمار لبعض الشركات الصينية والايرانية وغيرها، فقد أصبحت الآن تحت حماية القوات الأمريكية ووصاية شركاتها العملاقة، وعازمة على جعلها ذات خصوصية وأهمية في تشكيل سوريا الجديدة، وأن تدخّل أية جهة فيها دون موافقتها خط أحمر، وقد حصل فعلاً بتدميرها للقوة الروسية التي حاولت التسلل إليها عبر النهر منذ فترة.
شرق الفرات تعني منطقة ذات موقع جيوسياسي هام، فهي (الفاصل-الواصل) للهلال الشيعي (الامتداد الإيراني إلى ساحل المتوسط)، والوجود الأمريكي فيها يقصم ظهر المشروع الإيراني، الذي بدأ العرب وإسرائيل يشكون من خطره ويسعون للحد منه بكل الوسائل والسبل، ولمنع إيران من فرض إرادته ونموذجه في سوريا المستقبلية، وعمليات القصف الإسرائيلي الأخيرة لمواقع إيرانية وحزب الله في سوريا دلائل قاطعة على ذلك.
شرق الفرات تعني منطقة متصلة وذات غالبية كوردية (أرضاً وشعباً)، تتمتع بإدارات محلية تشكل خطراً على أمن تركيا (حسب مفهومها الشوفيني)، لذلك تبذل ما بوسعها لإنهاء الأوضاع الحالية القائمة وبث الإرهاب والفوضى فيها بالتدخل عسكرياً كما فعلت في جرابلس والباب وعفرين أخيراً عبر اتفاقات دولية جائرة، وصفقات قذرة مع الروس والإيرانيين، وزج مرتزقتها من الفصائل الإرهابية المسلحة بما تسمى بـ”الجيش الحر” من أجل القتل والنهب والتدمير والتشريد..، ومساعيها الراهنة حثيثة لتجميع تلك الفصائل في شرق حلب تحت اسم “الجيش الوطني” وتدريبها وتسليحها استعداداً لغزو شرق الفرات في أية فرصة سانحة لها كحملاتها السابقة “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.
شرق الفرات تعني الفرصة الوحيدة للعرب السنة (مصر، سعودية،…) للعودة إلى ساحة الصراع السورية واستعادة مواقعها وأوراقها التي خسرتها لصالح إيران وتركيا سياسياً وعسكرياً..في المناطق الداخلية الواقعة تحت النفوذ الروسي والتركي والإيراني الثلاثي المتعاون والمتفاهم بالشأن السوري مقابل الحلف الأمريكي، والمباحثات حول استقدام قوات عربية جارية بين الأطراف المعنية.
شرق الفرات تعني جزء من الوطن السوري المقسم والمتهالك، والخارج عن سيطرة الحكومة المركزية بالرغم من تواجدها الرمزي فيها، والتي لم تعد مؤثرةً وفاعلةً في ظل تصارع اللاعبين الكبار في وعلى سورية لتقرير مستقبلها ومصيرها، ولكنها تنتظرالظروف الملائمة لإعادة سيطرتها كسابق عهدها لما قبل الأحداث.
شرق الفرات تعني بواقعها الحالي إدارياً وأمنياً وسياسياً .. ومهمة الحفاظ عليها تحدٍّ رئيسي وكبير من أجل البقاء والبناء بالنسبة للكورد وبعض المكونات الأخرى بالنظر لما آلت إليها أوضاع باقي المناطق السورية من خراب ودمار.. بسبب الأزمة المتفاقمة والحرب الطاحنة، فأية خطوة غير محسوبة بدقة، وارتكاب أية هفوة صغيرة في التعامل مع الأحداث والمتغيرات في ظل الظروف الحساسة والخطيرة الراهنة ستتحول إلى كوارث كبيرة، وستنتشر آثارها في أمكنة كثيرة، وستمتد تداعياتها إلى أزمنة طويلة.
شرق الفرات تهم الكورد بصورة خاصة، وعليهم مراجعة الذات بروح نقدية عالية المسؤولية، وإعادة ترتيب الأوراق والنظر إلى اللوحة وقراءتها من منظار براغماتي عملياتي، واتخاذ المواقع المناسبة والمواقف والصائبة بمعزل عن التخندقات والأنانيات الشخصية والحزبية، والانطلاق من المصلحة القومية العليا، والتي تبدأ من ترميم البيت الكوردي وتوحيده وتقويته، والابتعاد عن الصراعات الطائفية والعرقية الساخنة في المنطقة، وتجنب الانخراط في المشاريع الإقليمية (الدول المقتسمة لكوردستان) ومؤامراتها الاستخباراتية المستمرة للنيل من القضية الكوردية العادلة والمشروعة ذات الأبعاد والمضامين الانسانية والديموقراطية والتحررية..، والتجارب كثيرة ومريرة في هذا المجال، ومازلنا نعيش آثارها الوخيمة من المآسي والآلام و المعاناة.