قبل الدخول في مدى تأثير التقارب التركي- الروسي على القضية الكردية في غرب كردستان، دعونا أولآ نستعرض خلفيات هذا التقارب، كخلفية للموضع الذي نحن بصدده لأهمية ذلك.

إن الذي دفع أنقرة إلى تحسين علاقاتها مع روسيا، عدة عوامل منها:

1- فشل تركيا في تمرير سياستها في سوريا، وتخلي الناتو عنها في هذه الأزمة، التي تجري أحداثها على حدودها الجنوبية، وخاصة بعد إسقاط هذه الأخيرة لمقاتلة روسية فوق الأجواء السورية، ومطالبها بحل القضية وديآ مع روسيا.

2- تبلور كيان كردية على الأرض في سوريا، وفرض نفسه على الجميع. وخشية الأتراك منه بسبب سيطرته على الشريط الحدودي مع تركيا، وتأثير هذا الكيان على القضية الكردية في تركيا مستقبلآ. وثانيآ، الدعم الأمريكي للكرد، وتقديم السلاح والغطاء الجوي لعملياتهم العسكرية.

3- إعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع روسيا إلى سابق عهدها، والتي تجاوز حجمها التجاري أكثر من ثلاثين مليار دولار سنويآ، والذي كان يميل لصالح موسكو بشكل واضح.

وهذه السياسة، تأتي ضمن سياسة تقليل العداوات وزيادة الصداقات، كما قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، ويعتبر ذلك تحديث لسياسة تصفير المشاكل، التي كان يتبناها رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو.

4- تعتقد تركيا أن واشنطن ماضية في سياسة الانكفاء عن المنطقة وحل مشكالها، بغض النظر عن هوية ساكن بيت الأبيض الجديد. حتى ولو تم ذلك بوتيرة أخف و برودة أقل من مما فعله الرئيس أوباما.

وهي ترى أن حالة الفراغ الأمريكي أدّت إلى عودة روسيا كلاعب إقليمي ودولي مهم، ولا مصلحة لها في القطيعة معها.

وفي الجانب الأخر، روسيا تريد من جهتها ولأسباب سياسية اقتصادية واستراتيجية، تحسين العلاقات مع تركيا، وفك الحصار الذي فرضه الغرب عليها، بسبب ضمها جزيرة القرم لروسيا.
وثانيآ، القيادة الروسية لا ترغب، أن تتورط أكثر من ذلك في الرمال السورية المتحركة ولهذا تسعى لتسوية ما في سورية، تحفظ مصالحها الإستراتيجية، وهذا غير ممكن من دون تركيا، لأنها لاعب مهم في سوريا، بسبب علاقاتها الوثيقة مع التنظيمات المسلحة وأيضآ تخلق حالة توازن في مواجهة إيران، التي ليست على علاقة وثيقة مع الروس، بسبب التناقض المتزايد، في النظرة الى واقع ومستقبل النظام السوري.

 ومن أهم نتائج التفاهمات الروسية- التركية، السماح لهذه الأخيرة إطلاق عملية درع الفرات في 24 من شهر آب من العام الماضي، إذ أبدى الروس موقفآ متفهمآ لتلك العملية، والتي تعتبر عملية إحتلال لأراضي دولة إخرى، وهدف الروس من ذلك التفهم استيعاب التحرك التركي لتحقيق عدد من الأهداف أهمها:

– الحد من تصاعد دور التحالف الكردي – الأميركي، في إطار الصراع الروسي- الأميركي على أوراق القوة على الأرض السورية، حيث تلاقت هنا تركيا وروسيا على هدف واحد، وهو منع إقامة كيان كردي، كلآ لأسبابه الخاصة.

– رغبة روسيا في إدارة المرحلة القادمة في سوريا، وحسم معركة حلب لصالح حليفها النظام السوري. وهذا ما حدث فعلآ، بالإتفاق المسبق مع تركيا، التي طلبت من حلفائها المتطرفين الإنسحاب من حلب والتوجه إلى جرابلس عبر تركيا. وثانيآ، إيقاف الدعم عنهم في أحياء حلب الشرقية.

– ضبط الحدود السورية – التركية، بهدف منع تدفق الإرهابيين إلى سوريا، والتعاون ضد الفصائل المتطرفة.

السؤال الأن:

كيف سيؤثر هذا التقارب التركي- الروسي على القضية الكردية في غرب كردستان، وهل سيدفع ذلك الأمريكان الإقتراب أكثر من الكرد وذراعهم العسكري قوات سوريا الديمقراطية؟

دعونا نبدأ بالشق الأول من السؤال، وسأصارحكم وأقول نعم كان للتقارب الروسي- التركي تأثير ملحوظ على القضية الكردية، وهذا التأثير يكمن شمله في شقين: الشق الأول مادي على الأرض، ويتلخص في منع الكرد من تحقيق وحدة إقليمهم الترابية، عن طريق ربط منطقة عفرين بمدينة منبج وكوباني. وقد تمكنت تركيا من تحقيق هذا الهدف أقله في الوقت الراهن، من خلال إحتلالها لمدينة جرابلس وريفها، ونزولآ بإتجاه مدينة الباب، التي يقف على بابها منذ أكثر من إسبوعين!

والشق الثاني سياسي طويل الأمد، ويتمحور في منع دول العالم وخاصة الغربية منها، التعامل سياسيآ مع هذا الكيان الكردي الناشئ، كي لا يتحول لاحقآ إلى إعتراف سياسي “بفدرالية شمال سوريا”. وهنا فشلت تركيا في تحقيق ما تصبوا إليها، من فرض حصار سياسي على الكرد، كما تتمنى. ولقد شاهدنا بأن الدول الغربية الرئيسية ومعهم روسيا إنفتحت سياسيآ على الكرد، وفتحت ممثيلات للإدارة الكردية، وإستقبل العديد من المسؤولين الغربين الوفود الكردية، التي تمثل الإدارة الذاتية لغرب كردستان، بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

ورغم كل التصريحات المتفائلة حول هذا التقارب من قبل المسؤولين الروس والأتراك، يبقى تأثيره على القضية الكردية في غرب كردستان محدودآ، وذلك لعدة عوامل من أهمها:

أولآ- تطورات حملة “درع الفرات”، وتعثرها على أبواب مدينة الباب، كشفت محدودية هذا التقارب. فروسيا أرادت منه عملية محدودة جغرافيآ وسياسيآ، بعكس الأتراك الذين كانوا ينون متابعة حملتهم العسكرية الإحتلالية حتى الرقة.

وقصف القوات التركية في محيط الباب، من قبل الطيران السوري/ الروسي، وقتل عدد من الجنود الأتراك، ما قبل إسبوعين، كانت رسالة واضحة للطرف التركي، حول الحدود المسموح بها للتمدد في الأراضي السورية. وهذا يعني بأن هناك تفاهمآ روسيآ- سوريآ حول التوغل التركي في العمق السوري، وغايته

ثانيآ- إن التدخل العسكري الروسي في سورية، هدفه الأول الحفاظ على النظام العلوي وتجديده، على الرغم من الحديث الروسي السابق أنه غير متمسك بالأسد، ولعل الرد الروسي على تصريح الرئيس التركي أردوغان مؤخراً، الذي قال فيه:”أن الهدف من العملية التركية هو إسقاط النظام السوري”، يكشف عن حقيقة الموقف الروسي من بقاء نظام الأسد في الحكم.

ثالثآ- إن الإقتراب التركي من الدب الروسي له حدوده، بسبب إرتباط المؤسسة الأمنية، الإقتصادية، العسكرية، والمالية التركية إرتباطآ عضوي بالمنظومة الغربية. لذا من الصعب خروج تركيا عن الفلك الغربي، وأي خروج له محازيره وخطورته على نظام اردوغان وتركيا ذاتها.

وحسب قناعتي، كلما إقتربت تركيا من روسيا، وخلقت المشاكل لأوروبا وأمريكا، مثل مشكلة اللاجئين ودعم المنظمات الإرهابية، ستدفع بالغربيين الإقتراب أكثر فأكثر من الكرد، وقوات سوريا الديمقراطية. وهذا أمر طبيعي، لأن الكرد هم الطرف الوحيد الذي يحارب التنظيمات الإرهابية، كتنظم داعش وجبهة النصرة. والكرد هم الوحيدين، الذين لديهم مشروع سياسي لللقضية الكردية، ومنطقة يديرون حياتهم بأنفسهم فيها، ويملكون قوة عسكرية منظمة تدافع عن منطقتهم.

والأمر الذي يدفع أمريكا إلى التقارب من الكرد في غرب كردستان، هي المصالح وليس شيئا أخر. وكما هو معلوم بأن سوريا، مقسمة الى أربعة أجزاء وهي: الكانتون العلوي وهو محمي من قبل الروس، والإقليم الكردي- شمال سوريا تحميه أمريكا، والمنطقة السنية، والتي تشمل الداخل السوري وهي بحماية تركية، والجنوب الدرزي من حصة البريطانيين حلفائهم التاريخيين

والتهديد التركي بإغلاق قاعدة انجيرليك العسكرية التركية، أمام أمريكا وحلف الناتو، ما هي إلا فقاعة إعلامية، لن تمنع أمريكا من الإستمرار في دعمها للكرد، إن أرادت ذلك. ولأمريكا قواعد عديدة في المنطقة، يمكنها تعوض القاعدة التركية. وإضافة لذلك بإمكان الولايات المتحدة، إنشاء قاعدة مماثلة لأنجرليك في غرب كردستان وأكبر.

وختامآ، أود القول كلما تمكن الكرد من بسط سيطرتهم على مناطق واسعة من سوريا، مثل مدينة الرقة، والطبقة وغيرها من المدن، كلما إمتلكوا أوراق مهمة في أيديهم، بإمكانهم إستعمالها في المستقبل، والمفاوضة عليها، وتبديلها بمناطق كردية محتلة من قبل تنظيمات ارهابية، بحماية تركية.

 

yekiti