سنين من عمرنا مضت، قلنا لها تباً وقد تبت، صرنا في عمر الكهول، دون أن نبصر النور، ويزول عهد الفجور، آن أن نتفاخر، آن أن نثور، ثرنا بحثاً عن الحرية وكرامتنا المنسية، العدل مقصد القضية، ثورة نادت بالسلمية، وأردناها أن تكون سلمية، هكذا بدأت القصة، وهكذا كانت القضية، قلنا هذه ثورتنا، لن نرفع السلاح، ولن نلحق بأحد أذية، أما ترون يا طواغيت البشرية، آن للظلم أن يزول، ويستبدل بالعدل والديمقراطية، إلى أين المفر، أيها المستبد المتجبر، حان ربيع نهضتنا، وستزول العبودية، خرج علينا كل البلهاء، وعوداً وصاروا خطباء، كونوا علينا شهداء، ما هي إلا أشهر معدودات، سننتصر وتنتهي كل القضية، ستحل عدالة السماء، وترون الظلم هارباً في البرية، لكن كم كنا بسطاء، وكم توحشت الانسانية، كم كان العدل هباء، يا دعاة الحق والانسانية، أتعجب منك أيها العدل، فكم لك من دعاة، وكم لك من ضحية.

تجار وسماسرة الحروب، باتوا هم أبطال الوطنية، حاربونا بالقنابل والبارود، وكل الأدوات التدميرية، تدمير ونهب، خطف وسلب، وإبادة الروح البشرية، معاناة ما لها مثيل، عرضاها على الإخوة العربية، أشقاءنا كانوا في ثبات تام، لم توقظهم ضمائرهم الحية، لم يهزهم كيد الكائدين، ولا هول القضية، انتظرنا حتى استفاقوا، صبرنا حتى تلاقوا، مللنا وما اتفقوا، فبئساً للجامعة العربية، كم أتعجب منك يا عدل، فكلٌ لهم شأن في العدل.

ألهمتنا ذاتنا التائهة، أن نلتجئ للبشرية الضائعة، كنا وكان اللوم، بكل لغات العالم في الكون، نشرنا مأساتنا السابقة، بالصوت والصورة، وكل الأمور الثابتة، وما فيها من أذية، لكن عالمنا أعمى وأصم، لم ير ولم يهتم لما حل بنا، استغثنا بالله القادر الصمد، يا ربنا، يا إلهنا الواحد الأحد، لم يبق لنا غيرك أحد، لا تخذلنا ولا ينبغي لدعائنا أن يرد، “ما إلنا غيرك يا الله”، فلا تكلنا لأحد، لم يتركنا الله وحيداً، ولم يمر وقتاً مديداً، فجاءنا من نصروه، وهم من نصروا الدين، وباتوا لنا من المقربين، أتعجب منك يا عدل، أتعادينا وما سواك من عدل.

أصبحنا بين أيدي الخبثاء، استغلوا فينا كل البسطاء، ثورتنا الجميلة الناعمة، أهدرت وباتت ضائعة، أصبحنا دعاة الحرب، من كل حدب وصوب، وماتت الانسانية، اتباع كل طائفة، اصطفوا معاً بنوايا زائفة، كم كنا جهلاء، حينما أعتقدنا، أن هكذا تكون الثورات، وهكذا نستجلب الحرية، أيها الظالم المتجبر، طغت وضاق بك الصدر، كلٌ استغل العدل، جعل من العدل سيفاً، فبات العدل نفسه لاجئاً.

فقهاء الدين الحنيف، طرحوا كل ما هو سخيف، استثمروا ما فينا من ضيق، تنادوا وكانت الكارثة، دعوات الجهاد البارزة، اجتذبوا من كل الأنحاء، كل من هو سيء دنيء، متوارثي الحقد المديد، كل من كان للسلطان مريد، كل من نبذهم التاريخ، كما نبذتهم الانسانية، تنادوا هلموا إلى الجهاد، في أرض سورية الكفاح، تمادوا وارتكبوا الموبقات، اختطفوا من النساء الحياة، قتلوا الشيوخ والأولاد، عاثوا في الأرض فساد، من دمشق إلى بغداد، أعادونا للعصور الحجرية، اكتشفنا كم كنا ضعفاء، وما زلنا في الأرجاء خطباء، اقتفى العدل أثر المحاصرين، فخر صريعاً مع النازحين، كم أتعجب منك أيها العدل، فكل له دين، والعدل لديه هو اليقين.

نظرت لنفسي الخائبة، فوجدت أنها تائبة، تركت خلفها كل الحنين، والتجأت من حين لحين، ضحايا العنف اللعين، باتوا كلهم لاجئين، سيل جارف من المهاجرين، من المضيق إلى (جنات النعيم)، سيدة بلاد العجائز، باتت الحضن الدافئ، لم ترعبني هول المسافات، ولا غرق الأقربين، لم تردعني قوارب النجاة، لا جشع السماسرة، ولا مكر المتطفلين، (القبر) الأبيض المتوسط، بات ملجأ الهاربين، القوارب والبلم وسفن المتقرصنين، ليس سوى هذا الشط، هذا البحر اللعين، كل من اجتازه سالماً، صار في (البلد الأمين)، (جنات عرضها السموات والأرض)، إلى حيث (الحور العين)، حينها (تنتهي المأساة)، وتبدأ مآسي الآخرين، كل من تركوهم خلفهم، باتوا في سجل المنتظرين، “الصبر مفتاح الفرج”، ملقاكم إلى حين، لا تأبهوا لقلوب المترددين، ولا لحسد الحاسدين، انتظروا موعد لم الشمل، إلى أن يحين، فكنت وكان المجلس الموقر، هناك في الناس تصدر، وأول المتهافتين، تقفى العدل أثر الراحلين، فبات غريقاً في بحر التائهين. أتعجب منك يا عدل، كلٌ نصب نفسه أعدل العادلين.

أيها الوطن الجريح المستكين، تكالبوا عليك من الشمال واليمين، جربوا كل أسلحتهم المتصدئين، زرعوا في سماءك أفخاخاً، وتدرب عليك كل الطيارين، اصطفت فوقك أسراباً، من أمريكا إلى الصين، سماؤك وأرضك وماؤك، باتوا مرتعاً للمتجبرين، العنف سلوك المتعنفين، بعضٌ منه (مستحب)، على ذمة المتقاتلين، أقتفى العدل أثر المعتقلين، أغتيل أباه فبات يتيم، وأمه من المترملين، لا زلنا نبحث عن العدل، في ثنايا الموت، بين قوافل المهاجرين.

أتقفى أثر الحياة، باتت هي نفسها في ثبات، كل من تبقى في الوطن، بعضهم جائعون وبعضهم عراة، آخرون يتعاقرون الخمر مع لحوم الأموات، أصبحوا كحيتان البحر، لا يهمهم كل ما فات، همهم أن يجمعوا المال، من كل راحلٍ وعاد، ويتحضروا لما هو آت، أبناء الشوارع والحارات، باتوا يتسابقون بالماركات، الموت يأتي بغتةً، لا راحة سوى للأموات، لا زال الكل يتباهى بالعدل، العدل أضحى عارياً، يتحاشى النظرات.

اليوم بعد خمس سنوات، صرنا نسمع الكثير من الأصوات، ومزيد مزيد من القرارات، من حين إلى حين ومحاولات، لا بد من إيجاد حل، عن حق وثبات، ليس كما تبتغون، لكن كما نشاء ويراد، لا غالب ولا مغلوب، وخلق الناس درجات، السلم بات رداء، لكل ما هب ودب، ولكل من شاء، سيعيش الذئب والثعلب معاً، ليس كأصدقاء ولا كأعداء، ويترك المارقون هناك في العراء، دون دعم أو تعاطف في الخفاء، سيصبحون بعد حين، صاغرين أذلاء، تصبحون بعدها على خير، وتمسون سعداء، تقفيت أثر العدل، فإذا العدل منهم براء، تعجبت منك يا عدل، كيف تكون أنت والظلم سواء.

ما الوطن سوى أرضٍ من ماء وطين، ما هي إلا سنوات معدودات، ترجعون إليه آمنين، نحن نتكفل بالإعمار، وأنتم للديون ساددين، ونحن في الأمر لسنا بمستعجلين، لسنا فيكم أوصياء، ولا لكم حاقدين، لا ملل لا قوميات، و”لا إكراه في الدين”، هذا ما قلناه دوماً، حينما كنتم جميعاً لدينا حاضرين، فكم نحن تعساء، وكم نحن ضائعين، أتعجب منك يا عدل، كنا بك دوماً راغبين، وكم كنا لك عاشقين، وكنا نتأملك من حين لحين، لكنك أنت أيضاً، صرت ضحية الفاسدين، لم نكن بك يوماً من الهانئين، ولا زلنا بك خائبين.

* جريدة الوحـدة – العدد /270/ – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

yekiti