لايخف على أحد المتتبعين للشأن السوري عموماً والكوردي خصوصاً المخاطر المحدقة بمدينة عفرين في ظل التحشدات التركية ومرتزقتها المستمرة على تخومها من الجهات الثلاث مع وجود حملات التهديد والوعيد التي يطلقها الساسة الترك وعلى رأسهم الطاغوت اردوغان والمترافقة مع مساعي دبلوماسية نشطة من قبل الدبلوماسية التركية لانتزاع الضوء الاخضر من القوى الفاعلة في الملف السوري وخاصة امريكا وروسيا للبدء بتنفيذ تهديداته ضد عفرين واجتياحها عسكرياً.
ومن المسلّم به انه لايمكن لتركيا الإقدام على أي عمل عسكري عدواني واسع النطاق ضد عفرين دون الحصول على موافقة كلً من روسيا وامريكا اولاً وايران وسوريا كتحصيل حاصل.
أمام هذه الاخطار المحدقة بعفرين والمساعي التركية الحثيثة لانتزاع تلك الموافقة من الدول الآنفة ذكرها أعلاه
ماذا يتوجب على الجانب الكوردي بأطره وأحزابه المختلفة فعله واتخاذه من خطوات احترازية واستباقية للحيلولة دون وقوع الفأس بالرأس وافشال المخطط التركي العدواني بالاجتياح ؟؟؟؟
وخاصة السلطة القائمة (الإدارة الذاتية) المتمثلة بمنظومة (تف دم ) لكونها السلطة الفعلية في المناطق الكوردية
من وجهة نظري المتواضعة ودون الخوض في استخدام العبارات والجمل الانشائية الحماسية والمدغدغة للعواطف التي اعتدنا عليها ودون التردد او الخوف من الإفصاح عما يراودني من أفكار وما انا مقتنع به إن كانت تلك الأفكار والقناعات سوف تساهم في انقاذ مدينتي من التدمير والاستباحة وحماية اهلي من التهجير والتشرد وتساهم في الحفاظ على شجرة الزيتون وبقاءها شامخة
مع قناعتي ومعرفتي المسبقة بأنّ عفرين ستمارس حقها المشروع بالدفاع عن نفسها وإنّ أهلها شيبةً وشباباً ،نساء ورجالاً على أهبة الاستعداد للدفاع عن مدينتهم وأعرف أنّ أشجار الزيتون بجذورها الممتدة في التاريخ سوف تقاوم دبابات وطائرات ومدافع العدو التركي وان اجتياح عفرين لن تكون نزهة لتركيا كمثيلاتها من المدن كجرابلس والباب وإدلب وأنّها ستواجه بمقاومة عنيفة ومستميتة من قبل القوات الكوردية وسيلحق بها افدح الاضرار و و و و الخ
ولكن هل هذا الخيار أي خيار المقاومة والدفاع والحرب وحده بكافٍ لصد العدوان التركي وإفشال مخططه باجتياح عفرين وبالتالي إنقاذ عفرين وتجنيبها التدمير والاستباحة وحماية أهلها من التهجير ؟؟؟؟
وهل لشجرة الزيتون وحدها أن تقاوم طائرات ودبابات العدو ؟؟؟؟
في الوقت الذي يملك فيه الجانب الكوردي العشرات من أوراق القوة والتفاوض والمساومة !!!
هذا التساؤل المشروع ليس من باب التأثير أو الحطّ من معنويات المقاتلين الكورد (YPG-YPJ) والذين يحظون بحب واحترام غير متناهي لدينا نتيجة لتضحياتهم الجسيمة للدفاع عن المناطق الكوردية والموجودين الآن في الخطوط الامامية على الجبهات استعداداً لصد أي عدوان تركي محتمل ومع عدم الشك بقدراتهم وشراستهم القتالية واخلاصهم ووفاءهم لأرضهم وعزيمتهم الصلبة وإرادتهم المستميتة بالدفاع عن عفرين لآخر قطرة دماء.
ولكن من باب الواقعية السياسية والابتعاد عن الغرور وعدم الاستهتار بقدرات العدو وإدراك أنّ خوض المعركة مع الدول سواءً كانت تركيا او سوريا تختلف كلياً عن المعركة والقتال ضد داعش او غيرها من التنظيمات الإرهابية من حيث الدعم اللوجستي والتغطية الجوية من قبل قوات التحالف لأنّه وبكل بساطة في حال تمكنت تركيا من انتزاع موافقة تلك الدول باجتياح عفرين يعني ذلك انتفاء الدعم والتغطية الجوية التي كانت متوفرة للقوات الكوردية YPG في حربها ضد داعش وهي تواجه دولة في الناتو ولديها ثاني اكبر جيش في الناتو ومزود بكل أنواع الأسلحة المتطورة والحديثة أي أنّه لا يوجد هناك تكافؤ بين القوتين المتقاتلتين من حيث العدة والعتاد وإن كانت القوات الكوردية تتفوق على القوات المعادية من حيث معرفتها بطبيعة وجغرافية الأرض وتمتعهم بالشجاعة والإيمان بعدالة قضيتهم لكنّ رجحان الكفة لن تكون دوماً وخاصة في ظلّ اختلال التوازن وعدم وجود للتكافؤ بين الطرفين من حيث التسليح لصالح الشجاعة والإيمان بعدالة القضية خاصة انه مازالت تجربة سور وشرناخ ونصيبين ماثلة أمام أعيننا لاسيما أنّ أي اجتياح تركي لمدينة عفرين سيرافقه استباحة وتدمير منظّم لمعالم عفرين من الحجر والشجر وتهجير وتشريد لأكثر من نصف مليون من أهلها من قبل قوات الفاشيّة التركيّة ومرتزقتها من الكتائب الإسلامية المتطرفة والإرهابيّة التي بدأت بسن سكاكينها من الآن وتطلق التهديد والوعيد نتيجة لما يحملونه من حقدٍ شوفيني أسود ودفين في قلوبهم المجردة من الرحمة والإنسانية ونفوسهم النتنة.
لذلك وأمام هذه الاخطار المحدقة يتوجب على حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظومة تف دم إتّخاذ خطوات جريئة واستباقية والعمل في اتجاهين لتوفير مقومات الصمود والمقاومة من ناحية وافشال مساعي ومخططات تركيا العدوانية من ناحية أخرى :
– ترتيب وتحصين البيت الداخلي :
وذلك من خلال الإقدام على فتح صفحة جديدة بالتعامل مع القوى والأحزاب والأطر الكورديّة عمادها التعاون والشراكة الحقيقية بعيداً عن منطق القوة والتسلط والتفرد باتخاذ القرارات المصيرية ومصادرة الراي الاخر والكف عن الاعتقال السياسي ودعوة الأطراف والأطر المختلفة ( التحالف-المجلس-تف دم – بقية الأحزاب ) لطاولة حوار مستديرة تتفق فيها الأطراف على حقوق ومطالب كوردية موحّدة ومتفق عليها وينبثق عنها لجنة سياسيّة عليا يكون من مهامها الحوار والتفاوض بخصوص الحقوق الكوردية مع مختلف الأطراف الوطنية منها والإقليميّة والدولية والاشراف على القوات العسكرية YPG وتمثيلها سياسياً بعد افساح المجال وفتح الباب لانضمام بقية التشكيلات العسكرية اليها وخاصة بشمركة روج وذلك لتحصين وترتيب البيت الكوردي وتقوية الجبهة الداخلية بغية القضاء على البيئة التي قد تساهم في خلق وولادة (بافل )آخر في روج آفاي كوردستان هذه المرة وسحب الذريعة والحجة الواهية المتمثلة بأنّ قوى وأحزاب كوردية معادية لل ب ي د تطالب بإنهاء سيطرة ال ب ي د من يد اردوغان ومرتزقته ممن يسمون انفسهم بالمعارضة السوريّة.
– اللجوء الى المناورة السياسية والحنكة الدبلوماسية لاختيار اخفّ الضررين :
وذلك من خلال استخدام أوراق القوة التي تملكها القوات الكوردية ( الرقة -منبج – ريف دير الزور- أجزاء من الحسكة- حقول النفط ) في التفاوض والمساومة مع كل من روسيا وامريكا وإن اقتضت الحاجة والضرورة مع النظام السوري وعدم الاكتفاء بالخيار العسكري من خلال المقاومة والتصدي للعدوان التركي وترك اللجوء اليه في اخر المطاف وحينما تستنفذ بقية الخيارات الأخرى لان الخيار العسكري وعلى فرض نجاعته من خلال نجاح وتمكن القوات الكوردية في التصدي ورد العدوان إلّا أنّه خيار مدمّر لمنطقة عفرين نظراً لما تتركها الحروب من خلفها من ويلات ومآسي ومن دمار وتدمير للحجر والشجر والبشر وتهجير وتشريد للسكان فما فائدة الاحتفاظ بالرقة مثلاً اذا لا سمح الله سقطت عفرين بين براثن الفاشية التركية والتنظيمات الإرهابية ؟؟؟؟؟
وما فائدة الاحتفاظ بمنبج وريف دير الزور وحقول النفط ووووووو الخ بالنسبة للكورد اذا سقطت عروستهم عفرين ؟؟؟؟
كل تلك المدن والمناطق مع حبنا لها واحترامنا لأهلها وان كان في التعبير نوعاً من العنصرية فهي لا تساوي ذرة تراب من عفرين وشجرة من أشجار زيتونها المباركة
لذلك يتوجب على الإدارة الكوردية تمتين علاقاتها مع كل من روسيا وامريكا والعمل على تجسيد وحماية مصالح تلك الدول في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكوردية والتلويح بأوراق القوة التي تملكها وإعلان الاستعداد للتفاوض عليها ومساومتها ومقايضتها بسلامة عفرين وبقية المناطق الكوردية وحماية أمنها وأهلها من العدوان التركي ومرتزقتها وإن دعت الحاجة والضرورة التي تقتضيها حماية عفرين من الاجتياح التركي ومرتزقتها السلفيين الحوار والتفاوض مع النظام السوري ومقايضة حماية عفرين بإحدى المناطق المذكورة أعلاه او القبول بعودة أجهزة النظام الى عفرين فعلى الإدارة الكوردية فعل ذلك ودون تردد وذلك ليس حباً بالنظام والذي لا يختلف اثنان على انه أجرم بحق شعبه وارتكب جرائم حرب بحقه بل لإفشال المخطط التركي والقوى الراديكالية عملاً بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات والحكمة تقتضي القبول بالضرر الاخف تجنباً للضرر الأكبر لأنّ تلك العودة لأجهزة النظام الى عفرين على فرض حدوثها وفي أسوء الاحتمالات سيكون عودة الحال فيها الى ما قبل عام 2011 اما في حال اجتياحها من قبل العدو التركي ومرتزقته من الكتائب الإرهابية فيعني ذلك استباحة عفرين وتدمير الحجر والشجر والبشر فيها وتشريد أهلها وسبي نساءها وتغيير ديموغرافيتها السكانية لان القضاء على قوات PYD ;كما تعلنها تركيا كهدف من حملتها هو قضاء على الشعب الكوردي فيها وهذا ليس من باب تجميل وجه النظام القبيح وإنّما من باب انقاذ عفرين من الاستباحة وعدم تكرار تجربة شنكال وكوباني مرة أخرى فلا محظورات في سبيل انقاذ عفرين وعلى الكورد استخدام كل أوراق القوة لديهم والانطلاق من مصلحة الكورد وحدهم دون تردد او خجلٍ او الالتفات الى مصالح ومشاعر بقية الأطراف في سوريا من احد خاصة ان شركاؤنا المفترضين في الوطن والذين شاركناهم في السراء والضراء هم رأس الحرب لحملة اردوغان العدوانية على الكورد وهم لايقلّون عنصرية وشيوفينية تجاه الكورد وحقوقهم المشروعة ويكنّون العداء للكورد ربما أكثر من النظام نفسه وسبق لهم ان أعلنوا الحرب والجهاد المقدّس على الكورد وحاولوا اجتياح مناطقهم وهم انفسهم الان يعيشون بأمن وسلام ووئام على تخوم النظام نتيجة لاتفاقات المصالحة التي تمت بينهم وبين النظام فلماذا يتوجب على الكوردي وحده الاستمرار في عداءه مع النظام وعدم البحث عن مصالحه ومصالح شعبه كما بقي معادياً لإسرائيل كل العقود الماضية تضامناً مع العرب في حين علمها يرفرف في سماء اغلب الدول العربية ؟؟؟؟؟
في السياسة لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل توجد مصالح دائمة و لاتوجد ثوابت دائمة والتي هي بدعة لدغدغة مشاعر البسطاء فما هو ثابت اليوم قد يكون متغيراً غداً وما كان متغيراً البارحة أو اليوم قد يصبح ثابتاً غداً فالواقع والظروف الدولية والعوامل الذاتيّة هي التي تخلق وتحدد الثوابت والمتغيرات وغالباً ما يكون لامتلاك القوة الدور الحاسم في تحديد ذاك التصنيف للثوابت والمتغيرات وعلى من يفقه علم السياسة أن يكون مرناً في مواجهة العاصفة التي قد تستهدفه لكي لا ينكسر لحين مرور العاصفة وخروجه منها بسلام وبأقل الأضرار الممكنة.