أيتها الرفيقات، أيها الرفاق الأعزّاء…
باسم الهيئة القيادية لحزبنا، نرحِّب بكم ونثمنُ زيارتَكم لضريح المناضل الكردي الكبير الأستاذ إسماعيل عمر في الذكرى السادسة لرحيله، ونقدِّر لكم وفاءكم لهذا الرجل الذي لمْ يبخلْ يوماً بتقديم كلِّ ما يملك من أجل إسعادكم، من أجل قضية شعبه التي نذرَ حياته لأجلها، وأمضى جُلَّ وقته في العمل والقراءة والبحث بغية نقل هذه القضية إلى مستوياتٍ ومواقع متقدمة تليقُ بها.
كان الفقيد يتمتع بقدرة كبيرة على الاستماع إلى الناس للتعرف على مطالبهم وهمومهم، وفي تواصلٍ دائمٍ مع المثقفين وأصحاب القلم والرأي ليستمعَ إليهم، ويستقصي آراءهم في أمور الحياة والسياسة والاقتصاد وسبلَ تشكيل القرار، ولهذا كان الراحل يعمل بكل ما يستطيع من إرادة وتصميم على الإشراك الفعلي للنخب الثقافية والشخصيات السياسية والاجتماعية المستقلة ومنظمات المجتمع المدني والمرأة في صناعة القرار الوطني انطلاقاً من قناعته بأن ممارسة السياسة هو حق عام للجميع ولا يجوز احتكاره من جانب الأحزاب والأطر السياسية بمفردها.
إن منظومة أفكاره وسعة ثقافته وآفاقه بالترافق مع العديد من المَلَكاتِ والمزايا التي كانت تزيِّنُ شخصيتَه قد جعلتْ منه شخصيةً محبوبة تحوز على احترام الجميع، وقد أثبتَ على مقدرة فريدة وجَدارةٍ في العطاء خلال ترؤسه لجنة العلاقات الوطنية في التحالف الديمقراطي الكردي، حيث كان له الدورُ الأساسُ في تأسيس ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2005، واستطاع بقوة منطقه وحواره الهادئ، إقناعَ العديد من القوى الوطنية السورية حينها بعدالة القضية الكردية التي تعتبر من القضايا الوطنية التي تستدعي حلاً منصفاً يحصل بموجبه الشعب الكردي على حقوقه القومية دستورياً في إطار وحدة البلاد، كما تمكنَ من إرساء الثقة وتعزيز العلاقة مع غالبية أطراف الحركة الوطنية السورية.
يمكننا القول باختصار، إن الحديث عن خصال هذا الرجل يطولُ ويطول، ومهما تحدثنا عنها، فإننا لا نوفيه حقه، وكان رحيله المفاجئ خسارة كبيرة لنا جميعاً، حزباً وحركة كردية وحركة وطنية سورية، لأنه كان يتقنُ ممارسة السياسة الموضوعية ويجيدُ الربطَ بين النضال القومي الكردي والوطني السوري ويعطي كل جانبٍ منها حقَّه.
بهذه المناسبة، وفي هذا الملتقى على ضريح معلّم السياسة الكردية، نرى أن نتطرق ولو قليلاً إلى الوضع السياسي العام وخصوصية الحالة التي تمرّ بها بلادنا، حيث يمكننا القول بإيجاز، أن الأزمة السورية تشهدُ أعقدَ مراحلها بسبب تزايد التوتر بين الجانب الأمريكي والروسي في ظلّ عدم فاعلية المنظمة الدولية بقوانينها التي لم تعدْ صالحة لصيانة السلم والأمن الدوليين نتيجة سريان مبدأ حق النقض (الفيتو) للدول الخمس دائمة العضوية، تلك القوانين والأنظمة التي يجب البتُّ فيها بغية تحديثها وتحريرها من سطوة تلك الدول، إذْ بات واضحاً للعيان بأن المنظمة الدولية قد أصبحت مطيةً للقوى العظمى تسخّرُها حيثما تتطلّبُ مصالحُها بعيداً عن قوانينها ولوائحها النظرية التي تحترم حقوق الإنسان والشعوب المظلومة.
لا تزال القضية السورية رهينةً بيدِ الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية نتيجة صراعهما على مناطق النفوذ والمصالح في الشرق الأوسط والبلقان وإفريقيا وغيرها، إضافة إلى التدخلات الإقليمية والطائفية المذهبية في الشأن السوري والتي زادت المشهدَ تعقيداً على تعقيد، ولا يزال الشعب السوري يدفعُ دم أبنائه في حربً طاحنة تدور على أرضه، وليس له فيها مصلحةٌ من قريب أو بعيد.
إن تفعيل مسار الحل السياسي الذي عطلته قوى الشرّ وتجار الحروب، والبدءُ بحوارٍ شامل بين القوى الوطنية السورية دون إقصاء أحد على طاولة مستديرة تضمُّ كلَّ المكونات السورية برعاية دولية للخروج من هذه المأساة وإعادة الحياة لربوع سوريا على قاعدة جديدة وعقد اجتماعي جديد تلتزم بحماية واحترام كافة المكونات القومية والمذهبية ومساواتها بالحقوق والواجبات دون تفضيل واحدة على أخرى، وبناء دولة ديمقراطية حديثة تعددية لامركزية فيدرالية تعزز من مكانة البلاد ووحدة أراضيها ليس كما تشكك بها بعض القوى من دعاة التغيير الشكلي التي تريد اغتصاب السلطة لتمارس الدكتاتورية والتهميش بلَبوسٍ جديد، يبقى الخيارَ الأنسبَ والأفضل.
إننا في التحالف الوطني الكردي قد أعلننا عن رأينا في حلّ الأزمة السورية للرأي العام مع جملة من الأحزاب والأطر الكردية في سوريا ، لعل وعسى أن تسهم مع باقي الآراء في الوصول إلى تقارب في وجهات النظر حول هذه التراجيديا المأساوية التي تعتبر حقاً وصمة عار في جبين البشرية تتطلب إنهاؤها بأقرب فرصة، وإن التعامل اللامسؤول معها من جانب المجتمع الدولي والإبقاء على تأجيلها، والعمل على تسعير الخلافات وتعميقها عبر تزويد أطراف الصراع بالمال والسلاح، يهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم، وتزيد من احتمالات الفلتان وخروجَ الحالة عن السيطرة.
وما التحركاتُ الدبلوماسية الدولية الأخيرة إلا دليلٌ على الشعور بخطر حقيقي يهدد السلمَ العالميَّ وينذرُ بإشعال فتيل حرب كونية جديدة سوف تحرق الكرة الأرضية ومَنْ عليها، حربٍ لا منتصر فيها، حربٍ تنهي هذه الحضارة العظيمة التي هي نتاج العقل البشري برمته، وتعيد الإنسان إلى الوراء قروناً وقروناً… وعلى الرغم من تحفظنا كحزب على مقدمة الوثيقة المشار إليها أعلاه والموقعة من جانب عددٍ من الأحزاب السياسية والأطر الكردية التي كنا أحد أطرافها خصوصاً في جانب تحميل الدولة القومية مسؤولية وتبِعاتِ ما شهدتْه وتشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعاتٍ وحروب، تلك التي قامتْ بها أنظمة قوموية شوفينية مشبعة بروح الحقد والكراهية، ولا ذنبَ للدولة القومية الديمقراطية المبنية على أسس من احترام كافة الأقوام والمذاهب والأديان والعيش المشترك في ظل سيادة الحق والسلام والأمان بتلك الجرائم، ورغم ذلك، تبقى الوثيقة تعبّرُ عن وجهة نظرٍ كردية لحل الأزمة تحملُ الكثير من الآراء التي ترفد الحوار الوطني السوري مستقبلاً. أيها الحضور الكرام..
حتى نجعلَ السياسة في خدمة الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه، ينبغي أن نتمتع بقدرةٍ ولو جزئية على اتخاذ المواقف الصحيحة في الظروف التاريخية المناسبة، والتحلي بديناميكية معقولة في التراجع عن الأخطاء التي تصادفنا في مسيرتنا وتصحيحها قبل أن تتراكم وتتفاقم، ونتعرض لنتائجها الكارثية.
جديرٌ بالذكر أنّ معركة الموصل قد بدأت، وتشارك فيها قوات البيشمركة الكردية لمطاردة تنظيم داعش الإرهابي وإلحاق الهزيمة به مثلما ألحقت قوات حماية الشعب YPG وقوات حماية المرأةYPJ الهزيمة به في المناطق الكردية في سوريا، وبفضل دماء وتضحيات المقاتلين الكرد، تتمتع مناطقنا بالأمن والأمان النسبيين.
ومن هنا، فإننا نبدي تضامننا الكامل مع الحملة الدولية لاجتثاث التنظيم الإرهابي وأخواتها من التنظيمات الجهادية التكفيرية.
من هنا، نؤكد مرة أخرى بأن قوتنا تكمن في وحدتنا، ويمكننا الاختلاف في الرأي في إطار الوحدة. وينبغي أن يتمّ احترام جميع الآراء، ويتمّ تحريم الاقتتال والاعتقال والإبعاد القسري بسبب الرأي والموقف السياسي, فإن كنا نريد خدمة هذه القضية بحقٍّ وحقيقة، علينا تحقيقَ وحدتنا النضالية ورص صفوف شعبنا في مواجهة الإرهاب وداعميه ومحرضيه، أولئك الذين لا يميزون بيننا، ويستهدفوننا بصرف النظر عن توجهاتنا السياسية ومشاربنا الفكرية، لأنهم ينفذون أجنداتِ تلك الجهات التي ترفض تحرر الكرد من قيودهم وعبوديتهم، تلك الحكومات التي تعمل ليل نهار من أجل معاداة الشعب الكردي ووضع العراقيل أمام تطوره الطبيعي.
وبقدر ما نكون متحدين-وهذا ممكن طبعاً- بقدر ما نكسب ثقة الكثير من الأصدقاء الدوليين ومؤازرتهم، عندها، تخرج القضية الكردية عن التعامل والتعاطي معها كورقة من جانب القوى العظمى في أسواق المصالح الدولية، وتصبح كما يجب أن تكون، قضية شعبٍ عادلة لا تخضع للمساومات، بل تحتاج حلاً منصفاً تحت أروقة منظمة الأمم المتحدة بدعمٍ ومساندةٍ من جانب كافة الدول والقوى المناضلة من أجل الحرية والسلام والمدافعة عن حقوق الانسان.
في الختام، باسم الهيئة القيادية لحزبنا، نشكر لكم حضوركم، هذا الحضور الذي يسعدنا ونعتزُّ به، ويمنحنا المزيدَ من الثقة بمواصلة النضال.
بمساندتكم التي نعتمد عليها أساساً في نضالنا ونستمدُّ منها القوة والعزيمة، سوف نسير على خطى فقيد الشعب والوطن الأستاذ إسماعيل عمر حتى تحقيق مطالب شعبنا في الحرية والسلام والمساواة.
كلنا أملٌ وثقة بأن يوم النصر أتٍ دون ريبٍ.
الرحمة والخلود لفقيد شعبنا الأستاذ إسماعيل عمر.
المجد والخلود لشهداء الكرد وكردستان.
المجد والخلود لشهداء الحرية والكرامة في كل مكان .
مصطفى مشايخ نائب سكرتير الحزب
 
 
 
 
 
yekiti