يصور كتاب (الحركة الكوردية في سوريا) تفاصيل تلك الحركة التي بدأت بشكل فعلي بين عامي 1967_1958 من خلال مجموعة من المثقفين الذين كانوا واعيين لمدى أهمية تكوين بنيه سياسية في ذلك الوقت، الوقت التي كانت فيه سوريا تشهد العديد من الأنقلابات وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة………
يتحدث الكتاب عن مراحل قيام الدولة السورية والدول المجاورة بدءا من نهاية الاحتلال العثماني ووصولا الى الانتداب الفرنسي التي استطاعت الدول الغربية وأبرزها (فرنسا وبريطانيا) من كسر النفوذ العثماني من خلال اتفاقية (سايكس بيكو) سنة 1920 وتقسيم المناطق الكردية وضمها الى الدول الأربعة المحتلة لكوردستان الكبرى ، وفي تلك الأثناء شكل الأمير فيصل بن الحسين في الخامس من سبتمبر 1918 حكومة دستورية وحرصا على ان نكون ذات طابع قومي عربي خالص، وانتهت حكومة فيصل بمؤتمر سان ريمون 1920 الذي نتج عنه الانتداب الفرنسي على كل من لبنان وسوريا بزعامة الجنرال غورو مندوباً سامياً على هذه الدول……
لم تكن اتفاقية سايكس بيكو بداية مرحلة جديدة للعرب فقط ، بل كان للكرد ايضا نصيب من تلك الاتفاقية الآنفة الذكر أعلاه التي تم تقسيم المناطق الكردية أيضاً….
عاصرت المناطق الكوردية في سوريا النظام القبلي والعشائري بين القرى والمدن، حيث رئيس العشيرة يتمتع بصلاحيات واسعه داخل منطقته، ويبدو ان الفرنسيين شجعوا الأهالي في المنطقة على الاستقرار والاخذ بأسباب التحضر واستثمار الاراضي الزراعية وتشييد الأبنية الإدارية وإقامة مكاتب بريديه ومدارس وأسواق وجسورو مواصلات ولو بشكل بدائي ومتواضع….
إن المحطة الأبرز في تطور الحركة القومية الكوردية تكمن في تأسيس جمعية (خويبون)عام 1927 التي جاءت نتيجة قمع السلطات التركية للشعب الكردي في كردستان تركيا والويلات والمصائب التي وصلت صداها وتأثيرها الى أكراد سوريا بتلك المنظمة، والتي شجعت الكرد في سوريا بالمشاركة بشكل واسع في نشاطات خويبون وما أعطاهم (كرد سوريا) الحافز لذلك هب الخلافات السياسية بين تركيا وحكومة الانتداب وتدهور العلاقات بينهما…
يمكن القول من خلال هذا الكتاب ان تنظيم خويبون قد شكل المنظمة السياسية الأم للحياة السياسية في كردستان سوريا…لقد لعبت مجلة (هاوار) التي أسسها جلادات بدرخان الدور البارز ليس فقط في كردستان سوريا إنما في عموم أجزاء كردستان، وأيضا مجلتي ( روجا نو وستير ) اللتين أسسهما كاميران بدرخان اللتين مالبثتا أن أغلقتا وقمعتا من قبل الفرنسيين وحكومة الانتداب بحجة أنهما تدعمان وتؤيدان الحركة الوطنية السورية( العربية) ضد الوجود الفرنسي..
ومن الجمعيات التي تأسست ايضا: جمعية التعاون ومساعدة الفقراء الكرد عام 1932 في مدينة الحسكة، وكوملة هيفي عام 1937 من قبل نور الدين ظاظا، ونادي جوانين كورد عام1938 الذي لعب فيه الشاعر جكرخوين الدور البارز في تأسيسه ونادي كوردستان ايضاً في نفس العام ونادي صلاح الدين…..
السبب الذي دعا اليه الفرنسيين في الوقوف بوجه الطموح الكوردي في سوريا هو إمكانية الاستفادة من الكرد لحفظ التوازن مع الأقليات الأخرى، والذي ساعد على ذلك افتقاد الشخصيات الكردية الى رؤية سياسية واضحة، حيث كان الشعور القومي ضعيفا ويكاد الوعي القومي يكون شبه معدوماً لدى أكراد سوريا ، وكان الشعور والفكر الديني هو الغالب جراء تأثيرات رجال الدين والشيوخ والملالي، والذي أستطاع أن يرسخ في أذهان عامة الناس بأنه لافرق بين عربي وتركي وكردي لطالما دين الإسلام يجمعهم..
إن الموقف الإيجابي للسلطات الفرنسية وعلى الرغم من تواضعه إزاء الحقوق القومية للكورد في سوريا بإفساح المجال أمام إصدار المطبوعات الكردية وعدم الحد من استعمال اللغة الكردية والموافقة على تأسيس جمعيات ونوادي ثقافية واجتماعية و التي يشكل فيها الكرد أغلبية كبيرة هو التصادم الدائم لمعارضة تركيا لها…
عاشت سوريا فترة من الفقدان للسلطة الحقيقية في البلاد على حد تعبير الباحثين، حيث شهدت البلاد انقلابات عدة متتالية بدأت بانقلاب حسني الزعيم في صباح 30 مارس 1949 حيث وضع رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس وزرائه خالد العظم رهن الأعتقال….
ولد حسني الزعيم من أسرة كوردية مستعربة وتخرج من الكلية الحربية في إستنبول. حيث جاء انقلاب حسني الزعيم نتيجة التذمر الذي أصاب الشعب في مسألة حصر السلطة بيد فئة قليلة من الكتلة الوطنية والاهمال الذي أصاب الجيش في عهد القوتلي، حيث نالت تعاطف الساسة السوريين ماعدا الحزب الشيوعي الذي كان موقفه معادياً من الانقلاب.
أثارت شخصية حسني الزعيم الجدل وتضاربت حوله الآراء وأتهم في تلك الفترة بأن لديه الرغبة في إنشاء جمهورية كردية عسكرية في سوريا بدليل أنه من أصول كوردية وبأنه كلف الدكتور محسن البرازي بتشكيل الوزارة في سوريا عام 1949 حيث سعيا الى تقريب الضباط الكرد الذين كانوا يخدمون في الجيش السوري من السلطة. وكل هذا وذاك كانت مجرد اتهامات، فحسني الزعيم لم يكن ينوي إقامة ما أتهم به فضلا عن أنه لم يكن له علاقة لا من قريب ولامن بعيد بالحركة القومية الكردية وتطلعاتها، ويمكن القول بأنه كان كرديا بالاسم فقط، حيث كتب الشاعر جكرخوين في هذه الحادثة:((وبعد أربعة شهور، قتل حسني الزعيم ومحسن البرازي على يد الجيش وأصبح ذنبهم في أعناق الشعب الكوردي))،ومالبث أن حصل انقلاب آخر في نفس العام بقيادة سامي الحناوي الذي عمل على تحجيم دور الضباط الكرد والتقليل من أهمية وجودهم من خلال تشتيتهم عبر تنقلات واسعه. وأنتهى أمر سامي الحناوي بانقلاب على يد العقيد أديب الشيشكلي الذي أشركه مع كل من حسني الزعيم وسامي الحناوي بانقلاباتهم مما أكسبه الخبرة ليقوم بنفسه بالانقلاب .
جميع الزعماء الذين قادوا الأنقلابات لم يبدوا للكرد في سوريا والقضية الكردية أي أهتمام،بل على العكس لاقى الكرد في ظل تلك الانقلابات بعد أنتهاء الانتداب الفرنسي المزيد من المواجهات والتهمييش من السلطات التي ولت في فترات الأنقلابات، من ما أدى الى ظهور العديد من الجمعيات الكردية التي سبقت وأن أشرت اليها سابقا وأصبحت أكثر فعالية من قبل………
إن الفراغ السياسي الذي كان يعاني منه الكرد في سوريا ولاسيما بعد تفكك تنظيم خويبون أدى الى تنشيط مختلف الأحزاب كالحزب الشيوعي والقومي الاجتماعي وجماعة الأخوان المسلمين والبعث العربي الأشتراكي حيث استطاع الحزب الشيوعي في نشر تنظيماته بين صفوف الجماهير الكوردية التي كانت تتعاطف مع دعوته الطبقية وموقفه الأممي من قضايا الشعوب…
يصور الكاتب (علي ميراني) من خلال كتابه، العواطف والاحاسيس القومية التي شهدتها سوريا والمناطق الكردية في سوريا مما دفع (رشيد حمو) وصديقه (محمدعلي خوجه) الى البحث عن أعضاء جمعية خويبون للانضمام إليها وقد كانا على غير علم ودراية بأن الجمعية قد تفككت من ما أدى بهما في النهاية الى الأتصال بعثمان صبري وجكرخوين من أجل إنشاء جمعية سرية تعمل على نشر الثقافة والروح القومية الكردية في المنطقة، وقد أنضم إليهم فيما بعد (شوكت حنان ، قادر إبراهيم) ألا أن جمعيتهم ما لبثت أن كشفت في عام 1951 فأعتقلوا جميعهم وسيقوا الى سجن المزة في دمشق وبعد أن حلت جمعيتهم توجهوا الى الحزب الشيوعي وانضموا إليه….
ظهر حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان مؤسسه ميشيل عفلق لينافس الحزب الشيوعي بالتزامن مع وتيرة عدم وجود حزب سياسي كوردي يمتلك برنامجاً واضحاً يعمل من أجل استحصال الحقوق القومية لكرد سوريا، فالحزب الشيوعي السوري الذي كان في صفوفه الكثير من الكرد بقيادة خالد بكداش الذي كان كرديا إلا أنه لم يهتم بحقوق الكرد القومية وعلى العكس من ذلك كان مدافعا جيداً للقومية العربية، واذا ما أثيرت القضية الكوردية القومية وحقوق الكرد من قبل البعض حتى يتهمهم فورا بالتعصب القومي مما أصاب الكرد المنتمين الى الحزب الشيوعي بحالة من الشعور بالخديعة و الاحباط والخيبة من الانتماء لذلك الحزب وتأييدهم له…..
من خلال مجمل الأحداث والأوضاع في سوريا لم يجد الكرد سبيلا سوى تأسيس كيان سياسي سري كحاجة موضوعية وتلبيه لرغبات واهداف الوطنيين الكرد ولقيادة النشاطات السياسية لأبناء القومية الثانية في سوريا.
وكأي كيان جديد سميت الحركة باسم (البارتي) وتطورت بشكل سري وهناك مرحلتين مرت الحركة بهما: أولهما رغبة كل من عثمان صبري وعبد الحميد حج درويش وحمزة نويران بتأسيس حزب قومي أثناء وجودهم بدمشق ، والثانية تتمثل في عملية تأسيس البارتي بشكل فعلي من خلال انضمام أربعة أشخاص جدد الى نواة تأسيس الحركة وهم: رشيد حمو وشوكت حنان ومحمد علي خوجة وخليل محمد وقد كان هؤلاء بالأساس من كوادر الحزب الشيوعي في منطقة كرداغ الذين كانوا على علاقة وطيدة مع عثمان صبري وبعد الكثير من النقاش على شكل حزبهم الجديد وهو الذي يمثل أول تنظيم سياسي كردي في سوريا قرروا تغيير اسم الحزب من (حزب الديمقراطيين الكورد السوريين) الى (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا(البارتي)) في 14 يونيو 1957 وانتخب الدكتور نورالدين ظاظا رئيسا له وعثمان صبري سكرتيراً بنظامه الداخلي الذي يهدف الى تحقيق الحقوق القومية لأكراد سوريا واللغة الكردية وإنشاء جمعيات ثقافية وصحف ومجلات بشكل رسمي في البلاد.
ذكر الكاتب الكثير من التفاصيل الهامة في نشاط البارتي مما أدى الى توسع الحزب بشكل كبير جدا في المناطق الكردية الجزيرة وكرداغ وحلب ودمشق ، حيث ذكر الضابط الأمني البعثي وصاحب الحزام العربي في المناطق الكردية محمد طلب هلال ((إن البارتي مستمر بنشر الوعي القومي الكردي بجميع وسائله، إن البارتي مهتم بالثقافة والوعي القومي الكوردي)).
ملخص من كتاب ((الحركة القومية الكردية في كردستان سوريا 1946_1970)) للكاتب : علي صالح الميراني.