تمر هذه الأيام الذكرى السنوية السابعة للحدث السوري والذي يتفاوت تسميته حسب موقع المعارض السوري وطريقة تناوله لموضوع التغيير في سوريا, ثورة شعب ضد نظام/حركة احتجاجية/تمرد شعبي/ مظاهرات, أيضاً أختلف المعارضون فيما مضى على تاريخ الانطلاقة 15/16/17/18 آذار 2011, التسمية والتاريخ قضيتان رمزيتان لكنهما يعكسان في زاوية معينة الخلاف السوري على قضايا ثانوية وتفصيلية, لكن أغلب الفصائل المعارضة تتفق في هذه اللحظة على توصيف أن الحدث السوري انتهى إلى لعبة الكبار على الأرض السورية, بدأت بثنائية معارضة-نظام  وأصبحت حرب أهلية وانتهت بحرب دولية على أرض سوريا.

غياب الحركة السياسية المعارضة والفاعلة التي عانت من تشوهات عديدة بسبب ظروف القمع والعمل السري وعدم قدرتها على التقاط اللحظة المناسبة لمواكبة مناخ الربيع العربي وانتزاع مكتسبات لصالح الحريات العامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بأقل خسائر ممكنة, دفعت الشباب السوري لبناء هياكل تنظيمية جديدة باسم التنسيقيات لقيادة النشاط الميداني, وتماشياً مع شعار ثورات الربيع العربي/الشعب يريد إسقاط النظام/ تم تبني هذا الشعار بل وزاد البعض على ذلك بمطالبة محاكمة النظام ورموزه , مقابل ذلك رفع النظام شعار الأسد أو نحرق البلد.

رفعت بعض الأصوات الوازنة صوتها: سوريا ليست تونس أو مصر أو ليبيا, وجاهرت بقبولها إصلاحات النظام فلم تحظى برضى النظام وخسرت جراء ذلك تعاطف الشارع أيضاً, لا النظام قام بالإصلاحات ولا الحركة الاحتجاجية ظفرت بالسلطة.

لم تجمع هذه التنسيقيات برنامج عمل واضح غير مطالبتها الصريحة بإسقاط النظام, رغم محاولة بعض الأطر كلجان التنسيق المحلية الإطار الأكثر فعالية وحضوراً والتي كانت تضم أفضل النخب الشابة والتي فشلت في إدارة تلك التنسيقيات, قال معارض سوري محاججاً غياب برنامج جامع للتنسيقيات: لا يمكن إعلان ثورة شعبية بدفتر شروط ومواصفات جاهزة, يحاججه أخر: النقمة قد تطلق شرارة لكنها لن تنجّح ثورة.

يفسر أخر ان الحياة العامة التي عسكرها واحتكرها حزب البعث لأكثر من أربعة عقود باعتباره الحزب القائد للدولة والمجتمع حسب المادة الثامنة من الدستور السابق والتي بدأها من الأطفال بتأطيرهم في منظمة الطلائع وتأطير اليافعين في شبيبة الثورة والعضوية العاملة للبالغين وانتقاء مسؤولي الدولة من هيكلية حزب البعث دفعت قطاعات واسعة إلى الانضمام إلى الحزب دون قناعة بالفكر القومي المتعصب الذي يعتبر الحزب حامله لذلك انخرط الناس في الحزب واعتبر ورقة العضوية في حزب البعث من مكملات الترقية الوظيفية, حيث تغلل الفكر الديني في الجوامع والمدارس الدينية التي شهدت فترة الأسد الأب ازدهاراً كبيراً لها وقد بلغ الوصف بالسياسي السوري جمال باروت المستشار السابق للرئيس السوري الراحل أن قواعد حزب البعث مشاريع أصوليين وإسلاميين متشددين في بحث نشره بعد دراسة عينات لأعضاء من حزب البعث. 

كما أن دعم النظام لمختلف التنظيمات الأصولية والدينية في المنطقة كحركة حماس الفلسطينية ودعمها في الانتشار في المخيمات في سوريا وتداخل هذه المخيمات كمخيمي اليرموك وفلسطين مع العمق السوري غذت المشاعر الدينية المتطرفة بين السوريين كما أن دعمها لحزب الله غذت المشاعر الطائفية بشكل كبير في أوساط الطائفة العلوية.

يستطرد آخرون في سرد الحدث العراقي وسقوط نظام صدام ودعم نظام الأسد الابن وجهازه الأمني للتنظيمات الجهادية ضد الوجود الأمريكي واحتضان موجة نزوح كبيرة للعراقيين السنة في دمشق, وتجهيزه خلايا جهادية, كل ذلك يخدم ويسهل نمو حواضن شعبية محلية للتنظيمات الإسلامية المتطرفة هذا بالإضافة إلى  العفو الرئاسي مطلع 2012 عن الجرائم الجنائية والتي شملت رموز إسلامية متطرفة أعطتها الأجهزة الأمنية دعماً مادياً ولوجستياً  كبيرا حسب ما تسرده الأوساط المعارضة.

إضافة إلى ذلك أن خطاب الاعتدال الذي دعت إليه بعض أوساط المعارضة المعتدلة والتي كانت تطالب بالحل السياسي وترضى ببعض الإصلاحات, والتي ضربت بالبيض في مؤتمرات المعارضة وماتزال معتقلة في سجون النظام ، عبد العزيز الخير نموذجاً.

مع تصاعد موجة العنف التي بدأتها المؤسسة الأمنية والجيش في النصف الثاني من عام 2012 وازدياد أعداد المختفين والمغيبين والمعتقلين الذين تجاوزوا ربع مليون سوري, وانتشار مقاطع فيديو  وحشية عن التعذيب في معتقلات النظام بدأ  النشاط المسلح بالظهور في صفوف المعارضة والتي رحبت بانشقاق الأفراد عن الجيش, بعض الدول التي تدخلت في الوضع السوري ودعمت شخصيات وفصائل مادياً ولوجستياً  أسست لظهور التيارات الإسلامية المتطرفة التي ركبت موجة الاحتجاجات بعد تصدر المشهد العسكري قيادات ريفية كعامل البيتون(جمال معروف)قائد ما يسمى جبهة ثوار سوريا.

نتيجة تصدر التيارات الإسلامية المتشددة المشهد العسكري فقدت الثورة السورية التعاطف الدولي وتحولت الثورة إلى حرب أهلية، البشر يقتلون على الهوية وفتاوي القرضاوي ورجل الدين الموتور (العرعور) مصدراَ وموجهاً لتحرك فصائل المعارضة المسلحة, كما أن تصريحات حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني وتدخل ميليشياته لاحقاً إلى جانب الحرس الثوري زاد الطين بلة, وأصبح الصراع دينياً وولدت داعش من رحم هذا الصراع.

بسيطرة داعش على مساحات واسعة من سوريا والعراق تصبح محاربة الإرهاب أولوية ويغيب الحدث السوري بوصفه الحدث الرئيسي، يسعى الجميع إلى الاستثمار في الساحة السورية ويتحول البلد إلى ساحة للصراع الدولي.

لم تكن ثورات الربيع العربي مجرد عدوى أصابت المنطقة كما لم تكن مجرد محطة عابرة ستتجاوزها الشعوب بل حفرت شقوقاً عميقة في المجتمع وأيقظت من التاريخ صراعات, عداوات وأحقاد حول مقتل علي وأولاده وحول الخلافة وحتى النبوة, لم يسلم منها الأتقياء, دمرت مدنٌ وسبيت نساء ويتمت أطفالاً وهجرت مجتمعات كاملة, أكثر من سبع مليون مهاجر ونازح، أكثر من نصف مليون قتيل ومغيب ومختفي, هي النتائج التي حصدناها بعد سبع سنوات, لم تسلم من هذه الحرب لا المعارضون ولا الموالون.

الأمر بحاجة إلى وقفة لا تستند إلى عقلية الظالم والمظلوم ولا تستند إلى من بدأ أولا ولا تحتاج إلى إعادة النظر في مقولات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، الأمر بحاجة إلى قرار شجاع لوقف هذا الدم ووقف خطاب الكراهية ولجم التطرف والأوهام.

    

 

yekiti