ليس الموضوع في قوتهم و ضعفنا , أو في ذكائهم و بساطتنا , كل ما في الأمر أن الأعداء يحلِّلون عقلية الكرد و ثقافتهم وطريقة تفكيرهم و يستثمرون فيها …يجيدون بدقة كيف يشغلونا بالقضايا البينية الجانبية و يَلهونَنا عن الأساسيات في كل فرصة نقترب فيها من حقوقنا. حالات متشابهة مكررة في التاريخ الكردي .
بعد فشل أغلبية الأنظمة الحاكمة في شرق المتوسط و جنوبها , و مخلفات حريق الربيع العربي في أكثر من مكان , و تبعات ذلك على الاستقرار في العالم , تتكثّف جهودٌ و مساعي دولية مؤخراً لإعادة ترتيب المنطقة و إعادة بناء أنظمة محلية جديدة و بالتالي منظومة شرق أوسطية جديدة تؤّمن استقراراً نسبياً و تضمن المصالح الحيوية للدول العظمى لعقود قادمة , ما يفسح المجال لظهور قوى و مناطق نفوذ جديدة, في حالة تشبه كثيراً ما حصل قبل مئة عام ,عندما انبثق عدد كبير من الجمهوريات و الإمارات عن النظام التبعي للسلطان .. , هذه المرة سيكون التحول – على ما يبدو – من أنظمة الدولة المركزية التي تحولت إلى استبدادية إلى دول لا مركزية و حكومات مناطقية أو إدارات محلية .
قضايا عديدة من بينها ملفات الشرق الأوسط تنتظر تفعيلها مع بداية عهد الرئيس الأمريكي الجديد, من المتوقع أن تُدشن معها مرحلة سورية أهم و أدق من كل ما مرت بها خلال السنوات الست الماضية , في هذه المرحلة المفصلية , ثمة محاولات حثيثة تبذلها سراً و علناً أكثر من جهة إقليمية لإلهاء الكرد بخلافات و مشاكل بينية بغية تغييبهم – كما في مرات سابقة – عن صياغة المعادلة الجديدة في الشرق الأوسط ليتم مفاجأتهم – فيما بعد – بمؤامرة إقليمية جديدة للنيل من طموحهم المنتعش و قضيتهم العادلة , يراهنون هذه المرة على إثارة العصبيات الحزبية و على تصادم القوى الكردستانية الكبرى بدلاً من العصبيات العشائرية و التابعية الطائفية التي راهنوا عليها في السابق .
بالتزامن مع هذه التغيرات المفصلية المرتقبة , و في الوقت الذي تسعى فيه الأطراف السورية الأخرى إلى ترك التفاصيل جانباً ,و البعض يتخطى حتى صراعاتهم الدموية خلال السنوات الماضية من أجل تشكيل أطر جمعية و تحالفات عريضة حول عناوين رئيسية و وفود يتم تسميتها لحضور منصات التفاوض المقامة في أكثر من عاصمة, ننشغل نحن الكرد سياسيين و مثقفين و مهتمين و نشطاء فيسبوك بعناوين فرعية لا تتجاوز – رغم أهميتها- سقف و سور البيت الكردي , و ذلك ليس من منطلق النقد و تصحيح الذات و التصويب بل من منطلق تسويد الوجوه و محاولة أحدنا لإفشال الآخر و شطب دوره و إلغاءه .
أهم العناوين التي شغلت الشارع الكردي خلال هذه الفترة كانت: حضور البعض الكردي إلى حميميم…, حيث أشبعناهم تهماً حتى التخمة , البعض الكردي غيروا في وثائقهم تسمية المناطق الكردية… صببنا عليهم جام غضبنا و اتهمناهم بالتنازل عن كل روج-آفا و عن الهوية القومية دفعة واحدة… , إرسال البعض الكردي إشارات ايجابية للنظام… بالغنا كثيراً في القدح بحقهم وحمّلناهم ذنوباً أكثر بكثير من ذنوب النظام نفسه, تسريبات دستور المجلس الوطني الكردي …اعتبرناه اكتشافاً ! و تغييب عفرين فيه اعتبرناه مؤامرة مناطقية و تقاطعاً مع مخطط اقليمي …, حتى أخذنا على الرئيس بارزاني نفسه لأنه لم يصفع ضيفه التركي المغرور ..حيث أردناها سابقة دبلوماسية !…. استخدمنا في هجائنا البيني حتى الآن تعابير أقسى من الرصاص , شككنا في النوايا و تحاملنا على بعضنا أكثر من تحاملنا على الأنظمة و الحكومات التي تغتصب كردستان و تمارس بحق الكرد الإنكار والقتل و التهجير .. حفرنا بمبالغاتنا خطوطاً و حدوداً على الجسد الكردي, يتمترس كل فريق ضمن مساحة محددة خلف مرجعه القومي و رمزه و علمه و شعاره ضد الآخر, في الوقت الذي تلقينا رسائل عديدة صريحة من أصدقائنا عبر العالم , تحثّ على ضرورة تجاوز الخلافات الداخلية و الحالة الفردية و صياغة خطاب عقلاني وتشكيل وفد مشترك لتمثيل الكرد السوريين في المفاوضات السورية المزمعة .
كل المواضيع التي أشغلت النخبة الكردية لأسابيع خلت و لا زالت تتفاعل . لا تخرج – برأينا- عن حدود كونها رؤى و أفكار و سلوكيات موضوعية لا تتجاوز ممكنات السياسة في محاولات كل طرف لزيادة رصيده, من الممكن جداً استيعابها على طاولة حوار, لكن القطيعة و التحركات المنفردة و التسابق فرادى نحو تصدر المشهد دون الآخرين و تبرير كل الوسائل من أجل تلك الغاية بما فيها ذم و طعن و تخوين الآخر , هو سلوك قَبلي متخلف أكثر من كونها رؤية سياسية .
انشغالنا المبالغ فيه بالمواضيع البينية من الممكن أن يفوِّت علينا فرصة التركيز على ما هو أهم و أخطر, بدءا من النظام و اشتراطاته على السوريين بعد كل جرائمه , إلى المعارضة التي لا تختلف كثيراً عن النظام في تناولها للقضية الكردية, مخاطر السلفية الجهادية , إيران و اللعبة الطائفية و دورها المثير للشكوك , إلى خطورة التدخل العسكري التركي في الشمال السوري و دورها في إبعاد الكرد عن مسار التفاوض و ليس انتهاءً بالشهية الروسية لإبرام صفقات كائناً من تكون الضحية…
ما يصعب علينا هو – على ما يبدو- تمييز الأس من الأساس , جدولة الأولويات و ترتيبها , معرفة اللحظة التي تتطلب فيها وضع سلة الخلافات الحزبية جانباً – كما هي الآن – و الاستفادة من الفرص و المعطيات و الإمكانيات المتاحة لتحقيق المصلحة القومية التي تعتبر في الحالة الكردية هي المصلحة العليا, ما يحصل كردياً هو التيه على الحدود بين الحزب و السياسة . فهل نحاول معاً أن نستوعب اختلاف الرؤى ضمن فضاء السياسة و نتفهم أهمية اللحظة التاريخية , و نتخلى مؤقتاً عن أهدافنا الصغيرة لمصلحة هدف الجميع الأكبر؟ نضع حداً لمقولة : التاريخ الكردي يعيد نفسه؟
نقلا عن شبكة روداو الإعلاميّة