يا أبناءَ وبناتِ شعبنا الكردي في سوريا
أيها الأخوة السوريون
يطلُّ علينا نوروزُ هذا العام، ليقرأ الحزنَ والأسى مجدداً في عيون السوريين وأطفالِهم الذين يعيشون حالةً مأساوية يُندى لها الجبينُ. فلا تزالُ رحى الحربِ الكارثية الدموية تدورُ دون توقفٍ، وألْسنةُ نيرانِها تلتهمُ الأخضرَ واليابس لتجهزَ على ما تبقّى من الشعب والوطن، فتحوّلتْ سوريا إلى دولة شبهِ فاشلةٍ بالمعنى السياسي للكلمة، إذْ تمزّقتْ أوصالُها إلى أجزاءٍ متعددة، تحكمُ بعضَها أمراءُ حربٍ وفصائلُ مسلحة مرتبطة بجهاتٍ خارجية ليس للشعبِ السوري وانتفاضة شبابه السلمية فيها من ناقةٍ ولا جملٍ، وأصبحتْ مرتعاً خِصباً للقوى التكفيرية التفجيرية الإرهابية المتعطشة للدم والمعادية لكل ما هو حضاري وإنسانيٍّ، تدعمُها جهاتٌ تحمل الحقد للشعب السوري، وتُخفي أطماعاً في أراضيه وثرواته وموقع بلاده الاستراتيجي.
كلُّ ذلك يحدثُ للسوريين نتيجة العنف الممارَس للنظام القمعي الذي لا يؤمنُ بالحل السياسيَّ ويبحثُ عن قشةٍ يتمسك بها للمماطلة وإطالة عمر الاستبداد، ومعارضةٍ يغلبُ عليها الطابع العروبوي الإسلاموي، ارتضتْ لنفسها أن ترتميَ في أحضانٍ دول إقليميةٍ لها أجنداتُها ومطامعُها، وفي ظلَّ صراعٍ حامٍ بين القوى العظمى التي تتحكّمُ بمفاصل السياسة الدولية المتخاصمة على المصالح والنفوذ والحصصِ من ثروات الشعوب المنكوبة بأنظمةٍ شمولية غاصبةٍ لإرادة مواطنيها، مستعدةٍ للتفريط بكل شيءٍ لقاء البقاء على رأس السلطة. إذْ يمكنُ القولُ بأنَّ الحربَ الدائرة رحاها اليومَ على الأرض السورية هي أقربُ ما تكون إلى تصفية حساباتِ الدول العظمى وبعض الدول الإقليمية على أرضها، يدفعُ السوريون كلَّ يومٍ دماءَ أبنائهم ثمناً لها دون أن يقوم المجتمعُ الدوليُّ وهيئاته المختصةُ بنجدته في محنته القاسية هذه.
بعد التدخلِ الروسي المباشر والصارم في هذه الحرب ومساندتها للنظام مع كلٍّ من إيران والفصائل التابعة لها، والانكفاء الأمريكي المؤقت التي انشغلتْ بالانتخابات الرئاسية ومن ثم تشكيل إدارتها الجديدة، استطاعتْ روسيا خلقَ أوضاعٍ جديدة على الأرض عسكرياً، ملخصُها توجيهُ ضرباتٍ موجعة للفصائل العسكرية التي تحمل اسم(الجيش الحر) ومارستْ ضغطاً كافياً على تركيا التي كانت تعاني علاقاتها -ولا تزال- مع أمريكا نوعاً من التأزم، مما جعلَها ترضخُ لشروطها في التخلي عن هذه المعارضة وتوافق على تسليم مدينة حلب للنظام مقابل حصولها على الضوء الأخضر للتقدم في منطقة الباب، حيث تحلمُ تركيا بقطع الطريق على المشروع الكردي الرامي إلى توصيل كانتون كوباني بعفرين. كما أنها تجهدُ في إقصاء وتهميش دور قوات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية من أية عملية عسكرية أو تسوية سياسية، ولا تتردُ بدفعٍ أية فاتورة مهما غلتْ لإفشال هذا المشروع الذي ترى فيه تهديداً لأمنها القومي. ولهذا، فإنها تقوم بالتلويح المستمر لأمريكا بإغلاق قاعدة أنجرلك أمام طائراتها الحربية إذا ما استمرت بخيار التعامل مع قوات حماية الشعب!. إلا أنّ روسيا وأمريكا بإدارتها الجديدة تعرفان قبل غيرهما نوايا وخفايا الحكومة التركية التي لم تخلصْ يوماً لحلفائها، بل استغنتْ عنهم ببساطةٍ عندما استدعتْ مصلحتها ذلك، كما حصل للمعارضة الإسلامية السورية التي بيعتْ على طاولة المفاوضات في حلب وغيرها، واكتُشف أمرُ علاقتها وتعاطيها مع تنظيم داعش الإرهابي بوثائقَ وأدلةٍ دامغةٍ لا تقبل التفسير، فعبّرت الدولتانُ بوضوحٍ لا لِبسَ فيه عن دعمهما لقواتِ سوريا الديمقراطية كونُها القوة الأساسية التي تحارب التنظيم الإرهابي بحقٍّ وحقيقة، فتجاهلتا تهديدَها ووعيدَها، مما حَدا بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى ارتكاب المزيدِ من المغالطات السياسية نتيجةَ تعامُلها بردود فعلٍ مع الأحداث، حيث لجأتْ إلى قمع الحريات العامة واعتقال الصحفيين وكوادر التنظيمات السياسية المعارضة في الداخل التركي من برلمانيين منتخبين من الشعب، ورؤساء البلديات ورئاسة حزب الشعوب الديمقراطية المعروف بنزوعه نحو تحقيق الحريات والسلام، ورغبته في حلّ القضية الكردية عبر لغة الحوار، كما ساءتْ علاقاتُها مع دول الاتحاد الأوربي التي ترى أيضاً أنَّ جنوح النظام التركي نحو الدكتاتورية باتت حقيقةً ناصعةً، خصوصاً بعد محاولات رئيسها تغييرَ الدستور للعمل بالنظام الرئاسي بدلاً من البرلماني المعمول به حالياً بغية حصر السلطات والصلاحيات بيديه في الاستفتاء الذي سيجري على مشروعه في 16 نيسان القادم، كما أن علاقاتها مع إيران تشهد توتراً بسبب الحرب السورية لتناقضِ مصالح الطرفين فيها، علاوةً على أن علاقاتها مع روسيا ليست مستقرةً، وهي معرضة للانهيار في أية لحظة. ونرى بأنّ إقدامَ تركيا على التدخّل العسكري المباشر في الشمال السوري واحتلالها لبعض المدن يعتبر انتهاكاً للسيادة الوطنية السورية وخرقاً للقوانين الدولية، مطالبين المجتمع الدولي الضغط عليها لسحب قواتها والكفّ عن التدخل في الشأن السوري الداخلي.
وعلى طريق البحث عن حلٍّ سياسي لهذه الأزمة، عُقدَ مؤخراً مؤتمر جنيف4، الذي تمَّ فيه إقصاء العديد من القوى الوطنية من الحضور مع عدم تمثيل الكرد السوريين فيه إرضاءً لتركيا. ونظراً لتشابك القضية وعدم توفر النية الصادقة للحلِّ، لم يفلح المبعوث الأممي السيد دي مستورا في الحصول على موافقة الطرفين على جدول عمل مشترك للجلسات إلا مؤخراً بسبب تعنت وفد النظام ورفضه إدراج موضوع الحكومة الانتقالية فيه، والمطالبِ بتشكيل حكومة وحدةٍ وطنية من النظام والمعارضة. صحيحٌ أن وفدَ النظام قد وافقَ نظرياً على جدول العمل على مضض بضغط روسي، وكذلك على موعد الجلسة المقبلة أواخرَ شهر آذار الجاري، إلا أنه ليس من السهولة بمكانٍ التكهن بمصداقية هذه الموافقة وجديتها، ونرى بأن أي اتفاقٍ بشأن الأزمة السورية لن يرى النور دون مشاركةٍ أمريكية حقيقية وتوافقٍ بينها وبين الاتحاد الروسي، وإن الحلَّ السياسيَ الذي ننشده ويسعى إليه كلُّ السوريين المخلصين لوضع نهايةٍ لهذه الحرب المدمّرة وبكل أسفٍ، لا يزال بعيد المنال في المدى المنظور، وأنّ لغة الحرب وأجواء القتل والدمار هي العليا والسائدة.
أما في الشأن الكردستاني، فيمكن القولُ بعموميةٍ واختصار، أنَّ العلاقاتِ بين الأحزاب والأطر الكردستانية بصورة عامةٍ ليست مُرضيةً بسبب خضوعها لأجندات محاور الدول الإقليمية التي تجيد اصطيادَ واستثمار الظروف لخدمة مصالحها. إذْ تتعاونُ الأنظمة التي تقتسم بلاد الكرد في السرِّ والعلنِ رغم اختلافاتها وعداواتها وتناقض مصالحها، لتلتقيَ في قضية محاربة القضية الكردية والاستمرار في خلق الفتن بين قياداتها، لوضع المزيد من العراقيل والعقبات أمام تقدمها وتطورها.
فعلى الرغم من التضحيات الجسام التي قدَّمَها أشقاؤنا في إقليم كردستان العراق وبيشمركته الأبطال على طريق الحرية ومحاربة التنظيم الإرهابي، لا تزالُ العديدُ من القضايا السياسية مثل البرلمان والرئاسة معلقةً وتُلقي بظلالها على مجمل الأوضاع المعيشية، والتي تتطلّبُ جهودَ الجميع لحلها عبر لغة الحوار. أما في كردستان إيران، فلا يزال نظام الملالي في طهران يتعامل بلغة القتلِ مع قضية الشعب الكردي دون غيرها، ليمارسُ الإرهابَ الممنهجَ بحق ِّ مناضليه وإعدامهم دون إيلاء أي اهتمامٍ للرأي العام، أو مراعاةٍ للقوانين الدولية التي تكفلُ وتضمن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير.
وعلى صعيد الحركة الوطنية الكردية في سوريا، فهي تمرّ بأسوأ حالاتها جرّاء انقسامها المريع وسيادة أجواء الشكِّ والريبة في أوساطها، والمحاولاتِ الجدية لتكريس تقسيمها إلى طرفين متخاصمين مرتبطين بمحورين كردستانيين. كما أنَّ مساعيَ إشعال نار الفتنة وتغذيتها وصولاً إلى حربٍ أهلية بين الأشقاء مستمرة ولم تتوقفْ، وقد نجحت القوى المعادية لتطلعات شعبنا مؤخراً من خلق فتنة بين الأخوة في منطقة سنجار أدتْ إلى سقوط عددٍ من الشهداء بيد أخوتهم، فخيَّمتْ أجواءُ الحزن والأسى كلَّ ربوع كردستان وقلوبَ أصدقاء الشعب الكردي في العالم. ويرى التحالف الوطني الكردي في سوريا بأن عقدَ المؤتمر الوطني الكردستاني كفيلٌ بحلِّ مثل هذه القضايا.
حيال ما يجري الآن من تجييشٍ واحتدام معاركَ إعلامية بين المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية ومؤسساتها التي يجب أن تحترمَ قوانينَها، وإقدامِها على اعتقال أعضاء لأحزاب المجلس الوطني الكردي وإحراق مكاتبها ومقراتها الحزبية دون أي مبرر أو مسوّغ قانوني. ومن جانب آخر، المجلسُ الوطني الكردي الذي حصرَ نضاله ومهامَه في محاربة الإدارة الذاتية القائمة وكَيْلِ شتى صنوف التهم والنعوت السلبية إليها وإلى قوات حماية الشعب والأسايش التي تحمي مناطقنا، ويقوم بعقد لقاءاتٍ دولية لفضح ما تسميه بتجاوزات هذه القوات على حقوق المواطنين، والمطالبة بقطع الإمدادات العسكرية عنها ووضعها على خانة الإرهاب بدل أن تكون مظلومية الشعب الكردي وسبل حل قضيته على طاولة البحث والحوار!!. إنّ هذه الحرب التي تضخُّ كماً هائلاً من الحقد والكراهية بين أبناء شعبنا تزيدُ الشرخ عمقاً، وتمهِّد السبيلَ لاقتتالٍ داخلي بين الأشقاء، ذلك الذي تراهنُ عليه الجهاتُ المتربصة بشعبنا وقضيته العادلة.
حيالَ ما تثيرُهُ هذه السياساتِ من مخاطرَ وتسميمٍ للأجواء، فإننا في التحالف الوطني الكردي في سوريا نجددُ رفضنا واستيائنا من هذا الصراع الذي يزدادُ ويتفاقم يوماً بعد آخر، ويسترخصُ دماءَ شهدائنا من البيشمركة والـ YPG الذين نُدينُ لهم بالكثير، ونحمِّلُهما مسؤولية ونتائجَ هذه السياسات التي تلحقُ أفدحَ الأضرار بشعبنا وأمنه واستقراره المجتمعي، بصرف النظر عن تحمُّل هذه الجهة أو تلك القسمَ الأكبر من المسؤولية، منطلقين من مبدأ ترتيب الأولويات، وتركيز كلِّ الجهود الوطنية المخلصة لإطفاء هذا اللهيب قبل انتشاره وخروجه عن السيطرة والتحكم، وتوجيه دفة العمل والنضال صوب التناقض الرئيسي المتمثل بالشوفينية المتنكرة لحقوقنا. وندعو أبناء شعبنا، وأشقاءَنا في كردستان وكل أصدقائه التدخلَ ورفعَ الصوت عالياً لمنع إراقة الدم الكردي بأيادٍ كردية، والعمل على رأب الصدع وتطبيع العلاقات بين الأشقاء بغية تفويت الفرصة على الذين يبتغون إلهاءَ شعبنا بصراعاتٍ هامشية، ومعاركَ تتركُ آثارها المدمِّرة على وجوده ومستقبله.
عاش نوروز رمزاً للمحبة والتآخي بين الشعوب.!
لا للحرب، نعم للحرية والسلام!
قامشلو في16/03/2017