ما الذي يجعل شخصا مثل السيّد ميشيل كيلو الذي له باع كبير في المجال السياسي وفي مجال الدفاع عن الحريّات والذي كتب عشرات المقالات في السياسة والثقافة وحقوق الانسان أن يعتمد الآن على تصريحات وردود أفعال قد تصدر من هنا وهناك وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي التي هي أشبه بفضاء مفتوح يكتب فيه العالم والجاهل المثقف والمتثاقف دون أن تكون هناك حدود أو آليّة تحاسب أو على الأقل تقيّم ما يكتب بشكل يومي على تلك الصفحة الزرقاء ؟
مالذي يجعل كاتبا مثقّفا كالسيّد ميشيل كيلو يعتمد الآن ( في شهر أيلول 2017 )على عبارة ( قالها الرئيس مسعود البرزاني في لقاء أجراه معه الإعلامي غسّان شربل في شباط عام 2015 ونشر وقتذاك في جريدة الحياة ) ويجعل من هذه العبارة محورا لمقالته التي يهاجم فيها قيادة إقليم كوردستان من جهة وأحزاب الحركة الكورديّة في سوريا من جهة أخرى ؟
ليس هذا فحسب بل أنّه قام بتفسير تلك العبارة كما يرى هو بالإضافة إلى إخراجها عن سياقها الزمني وتبديل فعلها الزمني من ماض إلى مستقبل .
عنون الأستاذ كيلو مقالته ب ( معركة عبثيّة ) وبدأها بعبارة : (ما إن أعلن كردستان العراق , مسعود البرزاني إنّ حدود كردستان سترسم بالدم حتى تغيّر كل شيء في تفكير وممارسات أطراف كرديّة , كانت تبدو على خلاف شديد بعضها مع بعض , وتقاربت مطالبها وممارساتها حتى مع ما يسعى إليه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي , من دون أن تتوقف عن اتّهامه بالعمل لتحقيق أهدافه بالدم .)
وهنا لا بدّ من العودة إلى تاريخ العبارة التي قالها الرئيس مسعود البرزاني وكتابتها بشكل حرفي وليس كما كتبها السيد كيلو لتناسب ما يجول في خاطره.
كما يجب تبيان الظروف الاستثنائيّة التي كان يتعرض له الإقليم الكردستاني آنذاك.
أولا : اللقاء مع البرزاني كما نوّهتُ سابقا كان في شهر شباط 2015 وقد أجراه الأستاذ غسّان شربل في غرفة عمليات على الحدود الطويلة مع داعش الذي كان قد سيطر على الموصل آنذاك بعد أن فرّ منها الجيش العراقي في زمن حكومة المالكي وأصبح داعش وقتذاك على حدود كوردستان .
وفي سؤال حول سايكس _ بيكو أجاب الرئيس البرزاني أنّ الحدود الجديدة هي حدود رُسمت بالدم في المنطقة بدلا من سايكس _ بيكو في إشارة طبعا للتضحيات التي قدّمها الكورد في الماضي إبّان حكم الرئيس العراقي السابق صدّام حسين بالإضافة إلى التضحيات التي قدّمتها قوات البيشمركة في حربها ضد داعش والتي استمرت حوالي عام ونصف و أشرف عليها البرزاني شخصيّا والتي قدّرت بحوالي الفي شهيد بالإضافة إلى آلاف الجرحى وحيث أنّ الفعل ( رُسم ) فعل ماض مبني للمجهول فإنّ المقصود هو تلك التضحيات في زمن صدّام وقبله بالإضافة إلى الحرب الأخيرة مع داعش والتي استطاع الكورد من خلالها تحرير الكثير من المناطق الكورديّة التي سيطر عليها داعش ولم تكن هناك أيّة إشارة إلى سعي البرزاني لإراقة الدم في المستقبل لرسم حدود كوردستان ولكن لماذا قام السيّد كيلو بتحريف الكلمة من ( رُسمت ) إلى ( سترسم ) ؟!!!!
ثانيا : السيد كيلو يشير أنّ الخلافات بين عدد من الأحزاب الكورديّة ليست حقيقيّة (ربما يشير إلى أحزاب كورديّة سوريّة أو كوردستانيّة ) عندما قال : (كانت تبدو على خلاف شديد بعضها مع بعض ) وهذه ليست تهمة طبعا وأتمنى أن يكون استنتاجه حقيقيّا ولكنها إشارة منه أنّ تلك الأطراف كانت غير صادقة عندما كانت توحي للمعارضة السوريّة أنّ سقف مطالبها هو حقوق المواطنة (كما يدّعي كيلو) كما أنّ فيه اتهام مبطّن لأحزاب المجلس الوطني الكوردي شريك الائتلاف بأنّ ممارساته لا تختلف عن ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي ( حسب كيلو طبعا ) .
يقول السيد ميشيل في فقرة أخرى : ( وفي حين كان طموح أحزاب سياسيّة كرديّة يتركّز على المواطنة المتساوية في دولة ديمقراطيّة , فإنّها شرعت تتحول عن طموحها إلى نهج يقوم على استحالة تعايشها مع نظام تديره أغلبيّة عربيّة , والسبب وجود أرض كردستانيّة في سوريا للكرد الحقّ في إقامة دولة خاصة بهم عليها وفي تحريرها من مستعمريها السوريين من خلال عمليّة تقرير مصير , لا يحقّ لهؤلاء المشاركة فيه , لكونهم مستعمرين وتقرير المصير هدفه الانفصال عنهم .
يقول هذا التحول عن النهج الديمقراطي إلى نهج باستحالة التعايش مع العرب الإرهابيين والمتطرفين مذهبيّا بطبيعتهم , والدعوة إلى استخدام الدم في رسم حدود كردستان ……..)
هنا , أود سؤال السيد كيلو
من هو ذلك الحزب الذي صرّح أو أشار أو اتّهم العرب عموما بأنّهم إرهابيين ومتطرفين مذهبيّا بطبيعتهم وأنّه يجب استخدام الدّم في رسم حدود كردستان .
هل يقصد أحزاب المجلس الوطني الكردي الذي لا يزال جزءا من الائتلاف العروبي الذي يسيطر عليه الإخوان المسلمون ؟
هل يقصد احزاب التحالف الوطني الكردي الذي ناقش منذ فترة قصيرة رؤية لمستقبل سوريا والتي طرحتها هيئة التنسيق الوطني الذي يرأسها القوموي العروبي العتيد حسن عبد العظيم ؟
هل يقصد حزب الاتّحاد الديمقراطي الذي يعمل من أجل أمّة ديمقراطيّة تتبنى الفكر الديمقراطي بديلا عن الفكر القومي ويطرح مبدأ الفيدرالية لسوريا وأعلن عن فيدراليّة شمال سوريا وليس فيدرالية كوردستان سوريا أو غرب كوردستان وقدّم آلاف الشهداء من أجل تحرير مدن تسكنها غالبيّة عربيّة من دنس داعش وأخواتها .؟
من هي تلك الأحزاب ؟
إلاّ إذا كان السيّد كيلو يقصد في مقالته بكلمة ( العرب ) عناصر داعش من المكون العربي أو مسلحو جبهة النصرة التي دافع عنها يوما ورفض نعتها بالإرهابيّة .
ثالثا : يصف السيّد كيلو الرئيس مسعود البرزاني بالدموي .
حسنا , إذا كان البرزاني دمويّا لأنّه دافع عن حقوق شعبه وقاتل جيش الدكتاتور صدّام حسين الذي استخدم كلّ الأسلحة المحرّمة دوليا ضدّ الكورد أو لأنّه هزم داعش وحرّر الكثير من مناطق كوردستان ومناطق أخرى في العراق فعلى السيّد كيلو إذا أن يصف جميع ثوار وأحرار سوريا الذين قاتلوا جيش الأسد بأنّهم دمويين أيضا .
عليه أن يصبغ كل الثورات العربية بالدمويّة لأنها هدرت الدماء في سبيل تحرير شعوبها.
إذا استطاع أن يفعل ذلك فليكن البرزاني أيضا دمويّا .
رابعا : يقول كيلو أيضا : ( في عودة إلى كرد سورية .. لستم عددا كبيرا ومتجانسا من السكّان , ولا تقطنون في منطقة واحدة خاصة بكم , ولم تقاتلوا إطلاقا من أجل حكمها ذاتيّا . كما أنّكم لستم أغلبيّة سكّان المنطقة التي تحتلّونها اليوم , والتي لم تكن يوما منطقتكم , بينما تقاتلون من يؤمنون بحقّكم في أن يكون لكم كيان خاص في مناطق أنتم أغلبيّة فيها, لكنّه لن يقوم فيها من دون توافق مع الديمقراطيّة السوريّة , أو بقوّة السلاح والأمر الواقع ……)
هذه الفقرة من كلام كيلو هي الأكثر عشوائيّة وعبثيّة وتخبّطا وهنا لا بدّ لي من سؤال السيّد كيلو ثانية .
إذا كنت ياسيّدي تعتبر الكورد سوريين وترى أنّ قضيّتهم تحل بشكل دبمقراطي عبر منحهم حقوق المواطنة فمن الخطأ إذا أن تسمي وجودهم في أيّة منطقة من سوريا احتلالا وإلّا فإنّ هذه الصفة ستطبّق على كامل الفصائل العسكريّة التي سيطرت في وقت سابق وما زال قسم منها يسيطر حتى الآن .
وبما أنّك قلت أيضا عن المناطق التي تسكنها غالبيّة عربيّة والتي حررتها قوات سوريا الديمقراطيّة أنّها لم تكن يوما منطقة للكورد فإنّك تعترف ضمنيّا أن بقية المناطق ذات الغالبية الكورديّة هي مناطق كورديّة وبالتالي فهذا اعتراف منك بوجود كوردستان تاريخيّا ومن حقّ الكورد أن يكون لهم كيان خاص بهم ( كما ذكرت أنت ) ولكن بتوافق مع الديمقراطيّة السوريّة التي لم أعرف ماذا تقصد بها .
حتما فأنت لا تقصد بها ديمقراطيّة النظام السوري الحالي ولا ديمقراطيّة الائتلاف الذي لم يعترف حتى الآن بحقّ الكورد في سوريا بإقليم فيدرالي .
خامسا : يقول ميشيل كيلو ( القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوري ) : ( كان لينين الداعية الأكبر لحق تقرير المصير كحق انفصال عن كيان دولوي قائم , لكنّه ربط هذا الحقّ بالثورة , بعد قيامها , حين قال : علينا أن ندعم , كثوّار حق أي شعب في تقرير مصيره حتى الانفصال , وعليه أن يتخلى عن حقّه في الانفصال , ليسهم في ثورة تمنحه جميع جقوقه . وبالمناسبة _ يقول كيلو _ يضيف لينين : من حقي أن أنفصل عن زوجتي , لكنّني لا أمارس حقّي هذا , لأنّه يضرّ بي )
إذا يتحدث الأستاذ ميشيل كيلو في فقرته الأخيرة مستشهدا بأقوال فلاديمير لينين عندما طلب تأجيل حق تقرير المصير حتى انتصار ثورة أكتوبر وذكّرني استشهاده بأقوال لينين اسلوب بعض رفاق الحزب الشيوعي السوري قبل ثلاثة عقود حين كانوا يستخدمون مقولات لينين وماركس للرد على أي سؤال لم يكن لديهم قدرة على اقناع السائل فيقولون قال لينين وقال ماركس وجاء في كتاب كذا لماركس و ……..
هنا أريد أن أقوم بمقارنة بسيطة بين حدثين يفصل بينهما تاريخ زمني يقدّر بمئة عام بالإضافة إلى اختلاف الظروف وأسباب ودوافع كلا الحدثين .
ثورة أكتوبر 1917 والتي قادها لينين – من خلال الثوار البلاشفة والذين استطاعوا قبل حسم الثورة من السيطرة من خلال الانتخابات على معظم اتحادات العمال في مدن الاتحاد السوفييتي ( السابق) – والذي اعتمد على أسس الفكر الماركسي في دولة عظمى كالاتحاد السوفييتي التي كانت مساحتها تساوي أكثر من 100 ضعف مساحة سوريا وتضم شعوبا عديدة ساهمت قي انتصار ثورة طبقيّة تم التحضير والإعداد لها لفترة طويلة ونجحت الثورة دون قتال .
الثورة السوريّة 2011 والتي كانت تفتقد القيادة في دولة لم تتبلور فيها أحزاب معارضة قادرة على قيادة الحراك.
دولة صغيرة بالمساحة فيها غالبيّة عربية ولا يوجد سوى الكورد الذين يمكن أن يطالبوا يوما بحق تقرير المصير وانتهى الحراك الشعبي وتحولت الثورة إلى نزاع مسلّح كانت نتائجه كارثيّة على الشعب السوري وتحولت سوريا إلى ساحة صراع لدول كبرى وأصبح القرار السياسي بيد تلك القوى .
ومن هنا اليس من الإجحاف الاستشهاد بمقولة لينين بتأجيل حق تقرير المصير حتى بعد انتصار الثورة ؟
ثمّ بالعودة إلى استفتاء إقليم كوردستان ألم ينتظر الكورد سنوات بعد سقوط الطاغيّة صدّام لتقوم الحكومات العراقيّة المتعاقبة بدءا من حكومة علّاوي ومرورا بحكومة المالكي وانتهاء بحكومة العبادي من أجل حل المشاكل العالقة بين الإقليم والمركز كالمادة 140والغاء الميزانيّة وعدم صرف رواتب البشمركة وحصة الإقليم من النفط والسلاح وغيرها ؟
أقول للسيّد كيلو : الرئيس مسعود البرزاني قرّر أن ينفصل عن العراق بعد أن تيقّن أنّه لن يستطيع الاستمرار بوجود حكومات فاسدة وبعد أن فقد الأمل بقدرة القوى السياسيّة العراقيّة على النهوض بالعراق الذي ابتلي بداء الطائفيّة ولن يبرء منه إذا بقي موحّدا .