بداية الأحداث جرت مساع حثيثة وجادة لعقد مؤتمر وطني عام وشامل لكورد سوريا، لكنها لم تنجح في ضم جميع التيارات السياسية والفعاليات الاجتماعية والمنظمات الشبابية، واصطفت كل مجموعة ضمن ائتلافات وتحالفات كوردستانية واقليمية مختلفة، واحتدم الصدام بينها ووصل إلى درجة المقاطعة والتخوين والتعنيف..، وتفردت كل منها في سياساتها وخياراتها بالرغم من المحاولات العديدة لتوحيد صفوفها وخطابها، ومع تطور الأحداث وتفاقمها واشتداد الصراع ووضوح طبيعتها وحقيقتها بعد انعقاد العديد من المؤتمرات وإجراء العديد من جولات المفاوضات والتي تمخضت عنها اتفاقات وتفاهمات (صفقات) دولية إقليمية راحت ضحيتها طموحات الكورد وتطلعاتهم، التي ادعت تمثيلها وقيادتها القوى الكوردية المنخرطة في تلك الأحلاف والمراهنة على مشاريعها ووعودها، فكانت كارثة كوباني ثم نكبة عفرين، الجرحين العميقين النازفين اللذين لم يندملا بعد.
وفي الآونة الأخيرة بدأت تلك الأطراف بالبحث عن وسائل وآليات التبرير لتبرئة الذات وإشراك الآخرين في تحمل المسؤولية عن الخيبات والإخفاقات التي جنوها وجلبوها بسبب سياساتهم الفاشلة المتبعة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى ينشط الطابور الخامس من المتخاذلين والانتهازيين..للاصطياد في المياه العكرة واستغلال هفوات تلك الأطراف من الحركة الكوردية للمساومة على الحقوق والتسابق لتقديم أنفسهم كمنقذين وممثلين للكورد بمشاريعهم الانهزامية الانبطاحية بالتماهي والتوافق مع مشاريع الدول الإقليمية والمقتسمة لكوردستان وأجنداتها، وأمام كلتا الجهتين يقف الشارع الكوردي مثقلاً بالمقترحات والدعوات التي تجعله حائراً متوجساً وحذراً في حسم خياراته وتفاعلاته من ضمن حزمة من الدعوات المطروحة والمختلفة من حيث الشكل والمصدر والهدف..
أولاً- دعوات شريفة صادقة (دائمية) من منطلق وطني مبدئي لترتيب البيت الكوردي وتوحيده وتقويته وتهيئة العامل الذاتي وتفعيل أدائه عبر تشكيل مرجعية عامة وشاملة لكافة القوى الأصيلة والفاعلة على الساحة لأجل نيل الحقوق المشروعة للشعب الكوردي في سوريا كما تقرها العهود والمواثيق الدولية وفقاً للظروف الموضوعية المناسبة.
ثانياً- دعوات حزبية دعائية ترقيعية (وقتية) غير مستندة على أية معايير وشروط وبرامج (عملية واضحة)، فقط غاياتها التشويش والتشويه والتمييع والتقزيم .. للنسخة الحقيقية المطلوبة، وتعميق الشروخ والخلافات في الوسط الكوردي في ظل الاصطفافات والتخندقات ضمن المحاور المحلية والكوردستانية والإقليمية والدولية.
ثالثاً- دعوات شعاراتية ديماغوجية (مرحلية) هدفها تبييض الصفحات الملوثة والتغطية على الإخفاقات والمآسي التي جنوها وإعادة تأهيل الفاشلين وتسويقهم لضمان استمرارهم في احتكار الحركة السياسية وقيادتها وفق أهوائهم الشخصية ومصالحهم الحزبية وأساليبهم الخائبة وبرامجهم العقيمة.
رابعاً- دعوات أمنية استخباراتية تسعى لإيجاد بديل هزيل ومزيف يتشكل من كيانات مصطنعة تطيع أوامر أجهزتها الحاكمة، وتنفذ أجنداتها وتلتزم بالأسقف التي تحددها من الحقوق والمطالب تحت عناوين الوطنية والواقعية والاستقلالية والخصوصية..، وبالتالي إجهاض القضية وإلغاء ثوابتها والتنازل عن الاستحقاقات المرحلية الراهنة والتفريط بالمنجزات القومية المحققة بفضل التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا من مال ودماء.
خامساً- دعوات ميدانية عاجلة من الدول العظمى المتصارعة في سوريا لتوفير العامل الكوردي الموحد المؤثر واستخدامه ضمن الأوراق الرابحة على الأرض لتحسين مواقعها وشروطها في الصراع الدائر لفرض إرادتها في الحلول المطروحة للأزمة وتطبيق خططها المرسومة ومشاريعها (التكتيكية أو الاستراتيجية) المتبعة لتحديد شكل سوريا المستقبل ضماناً لمصالحها الحيوية.