* الحاجة في بعض جوانبها كانت مفيدة لي لأنّها خلقت لديّ قدرة على الإبداع والخلق.
*أحاول ان أجمع بين المادة وفلسفة الفكرة وأبعادها النفسية كما إنّني أجمع بين الجسد والمكان.
* المكان هو الهاجس الوحيد الذي يشغلني منذ فترة و عملي الأخير يعالج العلاقة بين المكان والجسد والتأثير المتبادل بينهما.
*المرأة هي الجمال وانا أعشق الجمال ولأنّ بعض لوحاتي ليست جميلة فأنا أرسم المرأة كي تضيف للوحة ذلك الجمال الذي أبحث عنه واللوحة بحد ذاتها أداة للبحث عن الجمال .
من إحدى قرى الجزيرة التي ولد وترعرع فيها إلى قبرص التي قضى فيها عددا من سنوات عمره ومن ثم إلى كندا التي استقرّ فيها منذ سنوات طويلة وحصل على جنسيتها ليستمر هناك في مشواره الفني الذي لم ينته بعد .
كان لموقعنا هذا اللقاء معه لتعريف متابعينا على جزء من حياته الفنيّة .
س 1 : أستاذ قهرمان حبّذا لو تعرفنا في البداية عنك ؟ من هو قهرمان يوسف ؟
بدأت حياتي كما الكثيرين من الأطفال الكورد في ظروف الفقر والحاجة.
إمكانية الحصول على لعبة حقيقة نقضي وقتنا معها كانت حلما لذا كنت أصنع ألعابي كما الآخرين من المواد المستهلكة .
تلك الحاجة كانت في بعض جوانبها مفيدة لأنّها خلقت لدي قدرة على الابداع والخلق وساعدتني في تنظيم خيالي وطريقة تفكيري .
بالرغم من ظروف الحاجة كنت سعيدا أستلهم من الطبيعة براءتها التي كانت تغذي خيالي بألوانها الجميلة ورائحة حقولها وتربتها.
في المرحلة الثانوية في بداية الثمانينات عملت في المسرح الطلابي كتبت وأخرجت ثلاثة مسرحيات في السنوات الثلاثة التي قضيتها في مدينة الحسكة حيث تم عرض تلك المسرحيات على مسرح المركز الثقافي بالحسكة وتمّ كتابة مقالات في الصحف السورية عن تلك الأعمال.
وبعدها فكّرت في انشاء المسرح الكوردي حيث قمت بكتابة مسرحية باللغة الكوردية واخرجتها وقدمناها في نوروز 1984 وكانت أوّل مسرحية كوردية تتوفر فيها جميع العناصر الفنية كنص بمشاهد كان عنوانها (بيرا مروف خور) .
في عام 1985 قدّمت مسرحية أخرى باللغة الكوردية وكان عنوانها (كولا بخوين) وفي عام 1986 كانت آخر مسرحية قدّمتها وبعدها تعرضت للكثير من المضايقات والتحقيق من قبل المخابرات السورية مما اضطرّني للذهاب إلى دمشق والتسجيل في الجامعة ودراسة التاريخ .
وبسبب المضايقات تلك اضطررت للهرب من سورية وتوجّهت الى قبرص حيث قضيت سنوات هناك إلا أنّها كانت سنوات مثمرة بالرغم من التهديدات التي تعرضت لها من قبل السفارة السورية ومحاولة قتلي بافتعال حادثة سيّارة.
قّدمت العديد من المعارض المشتركة والشخصيّة في قبرص .
كانت مرحلة مثمرة استطعت ان أرفع مستوى ممارستي للفن بشكل ملحوظ وكان اهتمامي منصب على اللوحة الزيتية حيث كنت أعبّر من خلال لوحاتي عن الأحياء التي تركتها وأيضا عن السهول وحقول القمح في كوردستان وسمائها وضوء الشمس ودفئها.
انتقلت الى كندا عام 2006 واستقريّت في غرب كندا حيث الطبيعة الخلاّبة والهدوء الذي يشبه أنفاس الأطفال.
قدّمت أربعة معارض شخصية واثنان مشتركة . وخلال تلك السنوات كنت ادرس الفن المعاصر في الجامعة و حصلت على ليسانس في الفنون المرئية من تلك الجامعة.
وبما أنّني اعالج قضايا تتعلق بتجربتي كشخص وأيضا لها أبعاد إنسانية فلقد أثّرت تلك الأعمال على المهتمين بالفن المعاصر وتعتبر تجربة جديدة في الفن المعاصر لأنني أحاول أن اجمع بين المادة وفلسفة الفكرة وابعادها النفسية كما أنّي أجمع بين الجسد والمكان فقد عالجت موضوع السجن الانفرادي في عملي الأخير حيث عالجت من خلاله مفهوم الزنزانة كجسد والجسد كزنزانة وهذه العلاقة الغريبة التي تنشأ بين السجين والزنزانة و التي لا يمكن لأيّة قوّة ان تفصل بينهما , لأنّ أجزاء من جسد السجين تلتصق بالجدران.
والزنزانة تبقى في ذاكرة السجين وبالتالي تتكون تلك العلاقة العضوية الغريبة بين الجسد والمكان وهذا ينطبق على النفي والانتقال من مكان لآخر فالإنسان يؤثر في المكان والمكان يؤثر في الانسان وبالتالي كلنا بشكل أو بآخر منفيّون.
وبما ان بحثي يتعلق بهذه المواضيع التي لها أهمية في الفن المعاصر تم قبول بحثي في احدى الجامعات البريطانية للبدء في هذا البحث ومن ثم توسيعه في برنامجهم للدراسات العليا.
س2 : يبدو من خلال جوابك على السؤال المتعلق بسيرتك الشخصيّة أنّك عشت كما معظم الأطفال الكورد في بيئة مثقلة بالهموم والمصاعب ولكن كيف نمت لديك موهبة الفن وهل كان هناك من يشجعك وبمن من الفنانين العالميين تأثرت فيما بعد ؟
ربما كانت الحاجة واحدة من الأسباب التي دفعتني منذ صغري ان أعوّد نفسي على الخلق كما قلت لك كنا نصنع الكرة من الجوارب القديمة وكنا نطبع بأحذيتنا على التربة الناعمة لنطبع الحذاء .
هذه النشاطات كانت لها دور كبير في تعويد خيالي على الخلق والابداع وهناك أمور عديدة منها عشقي الغريب لما حولي وأنا طفل كنت مبهورا بالطبيعة فكل فصل له عشق خاص يتعلق بالأنشطة التي نقوم بها في ذلك الفصل .
بالنسبة لسؤالك هل كان هناك من يشجّعني؟ لا بالطبع فقد بدأت بممارسة الفن في سن مبكرة من حياتي حينها لم يكن أحد في قريتنا الصغيرة يعرف حقا ما هو الفن ولا حتى أنا فكانت ممارستي للفن مجرد عشق للألوان ومحاولة خلق صور الفراشات والطيور من حولي.
في بداية استخدامي للألوان الزيتية كنت متأثرا بالانطباعيين وفي مقدمتهم فان كوخ ومونيت.
س3 : إلى أي مدى أثّر المكان في لوحاتك ؟ معظم لوحاتك تحاكي البيئة الكردية التي ترعرعت فيها وحتى الشخوص تحمل الملامح الكرديّة.
المكان هو الهاجس الوحيد الذي يشغلني منذ فترة و عملي الأخير يعالج العلاقة بين المكان والجسد والتأثير المتبادل بينهما فالمكان يؤثر في الانسان وفي طريقة تفكيره ورؤيته للأمور وحتى له تأثير عضوي قوي على الانسان وبالمقابل يؤثر الانسان في المكان وتغيير ملامحه وترك اثاره عليه وأجزاء صغيرة من جسده.
على سبيل المثال اذا اخذت (د ن ا ) من جدار بيتنا في القرية ستجدني هناك وبالمقابل أنا أحمل تلك القرية الصغيرة في ذاكرتي على الدوام أنا أتحدث عن هذه العلاقة من جانبها الفلسفي والعضوي وأنا أحاول أن أجسّد هذه العلاقة في أعمالي القادمة التي ستكون على النفي والهجرة وأيضا أماكن الحروب وتأثيرها على الجسد.
س4 : ما تأثير الدراسة الأكاديمية على الفنان وعلى نتاجاته ؟ هل كان هناك فرق بين نتاجاتك قبل وبعد الدراسة الأكاديمية؟
الدراسة الأكاديمية أثّرت بشكل كبير على معالجتي للأفكار التي أطرحها في أعمالي وليس على التكنيك الذي أستخدمه .
الدراسة الأكاديمية لا تصنع الفنان بل تصقّله .
س5 : من خلال إقامتك الطويلة في كندا هل استطعت من خلال لوحاتك وعلاقاتك من تعريف المجتمع الكندي بالشعب الكوردي وظروفه الاستثنائية ؟ كيف ينظر الكنديون إلى الكورد؟
عندما وصلت الى كندا لم أكن أعرف أحد من الكورد إلاّ شخص واحد والمدينة التي سكنت فيها لم يكن فيها كورد فكان معظم أصدقائي من الكنديين .
في البداية لم يكونوا يعرفون شيئا عن الكورد ولكن الأحداث الأخيرة عرّفت الكثيرين بالكورد وأنا من ناحيتي كنت أحاول ان أعرّفهم على القضية الكوردية ومعاناة الشعب الكوردي من خلال لقاءاتي ومعارضي التي كانت تعبر بشكل واضح عن الكورد لأنّني كنت ارسم الوجوه الكوردية والقرى والسهول وحقول القمح وأثناء دراستي الفن في الجامعة عرّفت معظم أساتذة قسم الفن بالقضية الكوردية بسبب طرحي المستمر لهذه القضية في أعمالي ومن الكنديين من يعتبر نفسه صديقا للشعب الكوردي ويدافع عنه قضيتنا.
س6 : ثمة وجه لامرأة في العديد من لوحاتك إلام يرمز هذا الوجه وماذا تعني المرأة لك كفنان ؟
المرأة هي الجمال وأنا أعشق الجمال ولأنّ بعض لوحاتي ليست جميلة فأنا ارسم المرأة كي تضيف للوحة ذلك الجمال الذي ابحث عنه واللوحة بحد ذاتها أداة للبحث عن الجمال .
الجمال في كل شيء, جمال الحياة, جمال الاستقرار, جمال اللقاء ,جمال الانتصار والتفوق, كلها يمكن ان توضع في خانة الجمال فالجمال بالنسبة لي ليس فقط وجه فتاة أو زهرة حمراء أو وردة . مفهوم الجمال بالنسبة لي يتعدى هذه النظرة السطحيّة.
س7 : ثمة حزن ممزوج باليأس في كثير من لوحاتك هل هو انعكاس للبيئة التي عشتها في الماضي أم تعبير عن واقع ممتد لذلك الماضي ؟
أظن أنّ الحزن اصبح جزءا من حياتنا فنحن الكورد نخرج من مصيبة لنقع في أخرى ولم يتسنى للإنسان العيش بهدوء وسكينة على أرض كوردستان منذ مئات السنين وهذا يؤثر لا شك في سلوكنا وحتى ملامحنا .
ولوحتي هي أنا ولا يمكن أن تعبّر عن أحد آخر مثلما تعبّر عني ولكن ملامح الحزن ليست بالضرورة تعبر عن الحزن فأحيانا نبكي لفرط السعادة التي نحن فيها ولكن في حالتنا نحن الكورد هي بسبب عظمة الحزن الذي نحن فيه.
س8 : ما هو الحلم الذي يراود مخيلة الفنان قهرمان يوسف ؟ وماهي مشاريعك المستقبليّة التي تسعى لتحقيقها؟
أنا شخص لا يعرف اليأس وأحلامي كثيرة ويمكنك ان تلاحظ ذلك من خلال مسيرة حياتي التي مازالت مستمرة في البحث عن المعرفة وأولى أمنياتي أن يستطيع الشعب الكوردي كغيره من الشعوب المتحضرة العيش بسلام كي نتمكن من تربية جيل مبدع قادر على مواكبة العصر
أنا سأنتقل إلى بريطانيا لتوسيع بحثي في الفن في قسم الدراسات العليا لإحدى جامعاتها وأهم مشاريعي كما قلت لك هو مواصلة البحث في موضوع المكان والجسد وبالتأكيد ستكون إحدى اهم القضايا التي سأعالجها في أعمالي القادمة.