شخصية من الذاكرة  ….. عبد الحنان شيخو( حنك ) 
 
شوكت شيخو* 
أصلهُ من قرية قرمتلق منذ ستينات القرن الماضي كان طاعناً في السّن عَرِفتُهُ مذ كنتُ طالباً مع أبنه الأصغر فوزي في مدرسة جنديرس الإبتدائية – تجمعني به صداقة طفولة لا أقل ولا أكثر , فما من قرابة وانما تطابق في الكنية .
طاقيته من شعر الماعز المغزول بيدهِ، وجاكيتهُ وشرواله الأسود يعكسان تراث جبل الأكراد – كرداغ – سهل حمقي وجومة ووديانه – فِكرهُ وحذاقتُه سبقت كهرباء بلدة جنديرس التي قصّ شريط تدشين محطتها في ١٤ شباط ١٩٦١ الفريق الأول جمال فيصل قائد الجيش الأول – في عهد الوحدة مع مصر – حيث تم توثيق ذلك على لوحة مرمر كانت موجود على جانب باب غرفة المحطة إلى ما قبل الإحتلال التركي لها, في إحتفال مهيب بساحة البازار القديم هناك ,حيث كراج السيارات اليوم – تَضّمن الحفل تقديم فرقة قرمتلق أول عرضٍ لها أدهشت الحضور برقصاتها المتنوعة وأنضباط وتناسق أعضاء الفرقة ولباسها , مع عروض للخيول الأصيلة من كرداغ بلغ عددها مايقارب أربعة عشر خيلاً , كانت حركات أرجلها الأمامية والخلفية ورقصاتها في نسق أحادي تارة ومزدوج تارة أخرى تتطابق وإيقاع الطبل وعزف الزرناي المتنوع بألحانه وإيقاعاته المتعددة من بطيئة إلى متوسطة فسريعة بحذافيره – مازال المشهد محفوراً في ذاكرتي وأحتفظ بأدق تفاصيله – لحناً وأداءّ (التي ربما إن تم وصفها اليوم لروعتها ودقة أدائها قد لا يصدقها أحد) .
أُختتِمَ الحفل بدعوة راعي الحفل للسيد محمد حسين أغا من قرية كفرصفرة تقديم كلمة بأسم اهالي المنطقة فما كان منه إلا أن أختصر كلمته بتلاوة سورة الفتح – وإذا جاء نصر الله والفتح – – آية قرأنية .
كما وصف اكثر من مطرب في أكثر من ملحمة جنديرس بعاصمة جومة ليسكنها – – حنك – – مبكراً مستحوذاً على أهتمام من فيها لما كان يحملهُ من حكمة وثقافة وحنكة .
للأمانة والتاريخ ! – كان حكيم عصرهِ ومذياعهُ حينما كان المذياع قطعة نادرة وتُحفة – فيسبوكهُ وتلفازهُ الذي لم يكن من أحدٍ قد سمع به حينه – مَسرحهُ المتنقل بين التراجيديا والدراما الملتزمة والكوميديا الموجهة – كنزٌ لم يكن لينضب – كان منبراً إعلامياً – – صوت الحق والفقراء – – ناقداً لدور أغوات المنطقة وتقصيرهم لتتهمهُ السلطات بطول لسانه وبالشيوعية بُطلاناً وزورا وبتهديدهِ برفع يدهِ عن الأرض التي أنتفعَ بها وفق قانون الإصلاح الزراعي حينها , إن لم يُقصِر لسانه ,ليرد عليهم بكلمة أقسى من الطلقة ! ؟ من الزنار وتحت قائلاً …..لن أسكت عن الحق – – كذا وكذا منكم ومن الأرض – – لينتزعوا منه تلك الأرض ويحرمونه منها فعلاً – محافظاً على مبادئه و منبره – لِسانُه – بوتيرة أعلى .
أما مخرزهٍ والخيط الأبيض والطاقية ونسج ال ( تنتنة ) التي أمتهنها بعد أن لم يعد بالإمكان ما يستطيع فعله، ونظارته السوداء التي كان يدليها على أنفه بعد أن نال الدهر من النظر واليد والظهر ما ناله فبات أحدب الظهر .
يروي من جميل الكلام والرواية او الحكمة التي لم يكن يقبل أن يسردها إلا بمكانها وفي حينها قائلاً : Ev mesela dazde salin bi min re ye lê ! sire lê ne hati ye Ez hewaldim –
هذه الرواية أحملها في ذهني منذ أثني عشر عاماً لكن !لم تأت مناسبة لسردها !
أسمعوها فقد حانَ وقتُها مختزلاً كرداغ بجبالها ومنحدراتها وسهولها ووديانها وطباعها وتراثها في شخصه ودون مبالغة – مع أنه كان فقير الحال – لكنه وكما تطرق لأذني حينها وتأكدتُ من أحفاده اليوم بأنه كان يجيد القراءة والتحدث باللغة التركية التي ربما أستفاد منها في صقل موهبته لوقوع قريته قرمطلق على الحدود السورية التركية ! لم يكن الرَجلُ يقل أهمية وتأثيراً على المرء من شخصية ياسر العظمة وأبو عنتر وحنّا مينا التي سمعنا بهم لتوّه . وما كان ليصل سوق جنديرس الوحيد ليجلس على كرسيٍ صغير أمام إحدى المحلات – دكاكين – إلا ليجتمع حوله العشرات متربعين وواقفين لما سينطق به (حنك ) دون أن تُعطِلهُ أوحتى تُربِكه نَسجُ الطاقية عن سَردِ حكاية تَحملُ ؟ – – بسمة – – حكمة – – ضحكة – – –
شخصية كردية تراثية أستحوذت على إعجابي وأنا أبن العاشرة لأنتهزُ الفرص قاصداً السوق لأقف خجولاً خلف من يكبرونني سناً لأسمع من العم – حنك – ما لم يكن يعرفهُ حينَها غيرهُ وبعد أن تأثرتُ بشخصهِ وثقافتهِ وصقلتُها من المجتمع الكردي والعربي ومن الأحزاب ورجال السياسية والنخبة وبات في جعبتي لكل حدثٍ أكثر من حديث وأصبح بمقدوري لدرجةٍ ما قراءة ما بين السطور وما خلف الكلمات من معانٍ ومغزى – واضعاً نصب أعيني ! ؟ العم حنك – – ومن ثم كالية حنك الختيار حنك وما كان يملكه من ذخرٍ ثقاقي وشعبي وأداءٍ متمكن وثقة بالنفس في سرد الأحداث بأسلوب جميل وممتع لا تُملُ من أحاديثه الهادفة المقتضبة ولا تشبع – – علّني – علّني — أصبح مثله – – إن لم استطع – لا ضير من أمتلاك نصف ما كان يمتلكه أو على الأقل بعضه .
– التواضع عِفّة – إعطاء الأخرين ما يستحقونه ليس كَرمُ أخلاقٍ ولا نُبلُ طِباعٍ وحسب بل – فَرضٌ واجب لا سِنّة – – – رجولة وحكمة – –
يَرحمهُ الله ويتغمدهُ فسيح جنانه – كم نحن بحاجة لأمثاله رغم التقدم العلمي والشهادات العليا وعشرات الأحزاب الكردية مع مقاتلين أشداء – لكننا أحوج ما نكون إلى حكماءَ ولوبياتٍ و نُخبة !؟ .
نحن بحاجة لأخوة شَمّة .
yekiti