في إطار الاتفاق العام والمبدئي بين اللاعبين الرئيسين (أمريكا وروسيا) على إعادة ترسيم الخارطة السياسية في المنطقة، ولاسيما في سوريا، يشتد التنافس بينهما ليثبّت كل منهما بصماته في شكلها وتفاصيلها النهائية، كل حسب مصالحه وأجنداته آخذين بعين الاعتبار الاستقطابات والتجاذبات الدولية والإقليمية.
فالقرار الأممي 2254 وضع خارطة الطريق لحل الأزمة في سوريا، وترك مجالاً للاجتهاد والتسابق في تفسير بنوده وتنفيذها على الأرض، كل بما يمتلك من وسائل وأساليب خاصة به ضمن الخطوط العريضة المتفقة عليها، وأهمها مكافحة الإرهاب المتمثل بداعش وأخواتها والنصرة ومثيلاتها من المنظمات التكفيرية المتطرفة، والإبقاء على النظام بمؤسساته كجزء أساسي من الحل السياسي، وإعادة هيكلة المعارضة المعتدلة والليبرالية والعلمانية لتكون شريكاً حقيقياً في مفاوضات الحل النهائي بقيادة سورية بعد إنهاء الأعمال القتالية وعقد مؤتمر وطني يشمل كافة الأطراف السورية، وتشكيل حكومة وطنية مؤقتة تجري انتخابات نهائية وفق دستور جديد يقره المجلس التأسيسي يشارك في صياغته وإقراره ممثلو كافة المكونات العرقية والدينية والمذهبية والفكرية..
فالإطار التنفيذي الصادر عن الهيئة العليا للمفاوضات المشكلة في الرياض برئاسة رياض حجاب، وتفتيت الائتلاف السوري وإضعافه تمهيداً لحله (بعد إيقاف دعمه من قبل السعودية وقطر، ومساومة تركيا مع الروس على حساب الائتلاف سياسياً وعسكرياً، وانسحاب كيانات معتبرة كالجربا وكيلو وسيف..)، وعقد منصات القاهرة وموسكو وحميميم سابقاً ولاحقاً، وكذلك إخراج المجاميع المسلحة مع عوائلهم من المناطق الساخنة وترحيلهم بواسطة الباصات الخضراء إلى مناطق إدلب وسواها، وأخيراً سقوط حلب وتبعاتها، تندرج في إطار الترتيبات والتصفيات والإعدادات لمرحلة الحل السياسي المطروح في القرار الأممي والملزم لكافة الأطراف المعنية بالأزمة السورية.
رغم المعارضة الشديدة والممانعة القوية (استخباراتياً ودبلوماسياً وعسكرياً..) من الدول الإقليمية وبخاصة تلك المقتسمة لكوردستان للحضور الكوردي المفترض والمطلوب وذلك من خلال تشويه حركته السياسية عبر تمزيقها وإضعافها ثم لإلغائها أو احتوائها، يبقى الوجود الكوردي الديموغرافي والجغرافي (السياسي والعسكري والإداري..) عاملاً ضاغطاً وحاسماً على الساحة ومراكز القرار لإشراك الكورد في العملية السياسية القائمة، لذلك يظهر تسابق لدى الأطراف المتصارعة (العظمى) لكسب الورقة الكوردية واستثمارها، وهنا تأتي أهمية وحدة الصف والخطاب الكورديين حتى يصبح الحضور الكوردي فاعلاً ومؤثراً في رسم مستقبل المنطقة، يضمن حقه في تقرير مصيره، ولئلا يصبح مطية وضحية للصفقات والمساومات الدولية والإقليمية، بل ليكون عامل توازن واستقرار وسلام.
ففي الوقت الذي يبذل الأمريكان وحلفاؤهم جهوداً لإعادة التفاهم والتعاون بين الأطراف الكوردية في سوريا عبر مرجعياتها في هولير وقنديل، تأتي دعوة الروس من قائدها العسكري إلكسندر في قاعدة حميميم باللاذقية للأحزاب الكوردية لأجل المصالحة وتشكيل وفد كوردي مشترك للمشاركة في مفاوضات الحل النهائي، وهذا اعتراف بالدور الكوردي وأهميته، يجب تفهمه واستغلاله جيداً من قبل الحركة الكوردية.
بغض النظر عن شكل وأسلوب كل من روسيا وأمريكا في مساعيهما، فهما قوتان عظميتان بيدهما الحل والربط (قرار الحرب والسلم)، لاسيما روسيا التي لها اليد الطولى ميدانياً وعلى الأرض، ومن مصلحة الكورد التعاطي مع كلتيهما والتفاعل مع مشاريعهما على أساس تقاطع المصالح والحقوق انطلاقاً والتزاماً بثوابت الكورد (على أن قضيتهم قضية أرض وشعب) وفي مقدمتها الإقرار الدستوري بهوية الشعب الكوردي وبحقوقه القومية والوطنية والإنسانية ضمن نظام ديموقرطي تعددي فدرالي.
وهذا يتطلب التواصل والتحاور المباشر دون وسطاء مع العظميتين خارج إملاءات وأجندات القوى الكوردستانية والإقليمية، بأجندات كوردية صرفة بعيدة عن التخندقات الطائفية والعرقية..، وانطلاقاً من الخصوصية والاستقلالية والحيادية، وتجاوزاً للاعتبارات الحزبية والأنانيات الشخصية والخلافات الأيديولوجية، وهذا يعني بالضرورة انسحاب الأطراف الكوردية من كافة أطر المعارضة الآيلة للحل والزوال، والجلوس معاً حول طاولة الحوار بدون شروط أو إقصاء، لتوحيد الرؤى والمواقف وتسمية الوفود المتخصصة والكفوءة للجان والمكاتب التي ستتشكل وتتفعل في مراحل الحل النهائي المفترض، على قاعدة توزيع الأدوار والمهام، ومن مبدأ التعاون والتنسيق وتبادل الآراء والأفكار، والاستعانة بخبرات وطاقات الأشقاء والأصدقاء والحلفاء.
دعوات حميميم وما سبقها وما لحقها من سجال وجدال، أخرج الحدث من سياقه وحجمه الطبيعيين، حاولت بعض الأطراف استثماره حزبياً وسياسياً إنطلاقاً من ثقافتها العقيمة وذهنيتها البائسة ومنهجيتها الفاشلة ونفسيتها المريضة، بدلاً من استغلاله فرصة لتنقية الأجواء وتهيئة المناخات لترتيب البيت الكوردي وتقويته ضمن المرحلة التاريخية المفصلية، والبالغة الحساسية والدقة التي يمر بها شعبنا في مواجهة التحديات والأخطار، لإثبات وجوده وتأمين حقوقه وتقرير مصيره.
الجميع مدعو لممارسة السياسة والدبلوماسية من أجل الكوردايتي، والتخلي عن المكاسب الذاتية الآنية والزهيدة، والكف عن الإستهتار بأرواح الناس ودمائهم وأموالهم، والإستخفاف بعقول الناس ومشاعرهم عبر خداع ونفاق ودجل يسوقونها عبر وسائل أعلام محرضة غير مهنية وغير نزيهة بمبررات وبيانات وشعارات لاطائل منها ولا أساس لها ، وقد أصبحت سلعة أكل الدهر عليها وشرب.