فصول الحرب في سورية وعليها تتوالى لتحصد الأرواح وتُعمق الجراح دون أن تُميز بين هذا وذاك، وإذا كان البدء بتسوية سياسية وتطبيق مشروع وطني توافقي هو الفيصل في وضع حدٍ لمحنة سوريا، فإن محاربة الارهاب وتطويق تنظيماته وصولاً إلى دحرها هي مهمة كبرى تقع على عاتق جميع محبي السلم الحرية دون تأجيل، وفي هذا السياق تأتي حملات قوات سوريا الديمقراطية على مواقع داعش في شمال سوريا بتنسيق ودعم مباشر من التحالف الدولي المناهض للإرهاب المتمدّد في سوريا على خلفية الفكر الجهادي التكفيري وحامله الاسلام السياسي المتشدد وشبكات القاعدة التي تقهقرت أمامها فصائل الجيش الحرّ أو ما يسمى بالفصائل الاسلامية المعتدلة، لتصبح قيم وأهداف الثورة في خبر كان.

إن التعامل الايجابي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية مع القوات الكردية ( البيشمركه في العراق، وحدات حماية الشعب في شمال سوريا،…) التي أثبتت حضورها وصدقيتها، يأتي في إطار محاربة آفة تقض مضاجع البشرية جمعاء وتهدد مصالح الجميع، ولا يندرج في سياق مساندة مشروع قومي كردي أو كردستاني أو بناء دولة وكيانات منفصلة للكُـرد لتفتيت دول المنطقة كما يزعم غلاة الشوفينيين من بين الترك والعرب والفرس، وما الضخ الاعلامي المعادي للكُـرد إلا تعبيرٌ عن الفشل الذي مني به الاسلام السياسي بكل أشكاله, ومحاولة لإلقاء اللوم على الغير، في وقتٍ يبدي فيه الكُـرد تعاونهم مع الخيرين ويضحي أبناؤهم بالغالي والنفيس في حماية القيم الانسانية وسبل العيش المشترك والدفاع المشروع عن مناطقهم وقضاياهم العادلة.

ما يؤسف له أن بعض معارضي الأمس ومنتحلي صفة الديمقراطية انزلقوا إلى دهاليز الاسلام السياسي وباركوا لجبهة النصرة وأعوانها في ما سموه تحريراً لمناطق سورية من النظام، ولا يستسيغون طرد داعش من شمال سوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية بحجج واهية، لما فيه من حضورٍ كردي بارز. وفي هذا المضمار يحاول البعض وعلى رأسهم الائتلاف السوري المعارض دق الأسافين بين الكُـرد السوريين، ويُسهل هذا السعي تلك الخطابات العدائية والتخوينية ولغة المهاترات بين أطراف حزبية كردية، وكذلك وقوف بعضها في الخندق المناهض للإدارة الذاتية القائمة التي تتعامل أحياناً بردات فعل سلبية، في وقتٍ شعبنا أحوج ما يكون إلى تطوير وإغناء هذه الادارة وإلى تعزيز وحماية الوضع الداخلي في ظل توافقات سياسية ممكنة، وفي هذا الجانب لايخفى التأثير المباشر للأجواء الكردستانية على وضعنا، الأجواء التي من المفترض أن تكون ايجابية مقارنة بتلك التضحيات التي يُقدمها مقاتلو البيشمركه والكريلا ووحدات حماية الشعب والمرأة، الذين يبقون موضع احترام وتقدير الشعب الكردي عموماً، لما لهم من نبل وتفان، ولا ينتقص من هذا الجانب القيمي أخطاء قد ترتكبها مؤسساتهم وانتقادات وملاحظات توجه إليها أو إلى جهات سياسية تتبناها، ولا يجوز استغلالهم في أجندات حزبية ضيقة.

بالعودة إلى الوضع السوري العام، يبدو أن تفاهماً أمريكياً – روسياً يُسيِّر الأمور باتجاه ضبط الوضع الميداني وفرزه ودفع الأطراف المعنية نحو تسوية سياسية، ولا يخلو الأمر من تعقيدات وصعوبات، وهنا يترتب على النظام السوري بالدرجة الأولى الكف عن قصف المناطق الآهلة بالسكان وتحييد المدنيين عن الاستهداف والملاحقة والاعتقال، وتحمل مسؤولياته أمام المجتمع الدولي في تحسين الوضع الانساني، إضافة إلى ضرورة استئناف المحادثات بين النظام والمعارضة امتثالاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2245، للشروع بمرحلة انتقالية عنوانها وقف إطلاق النار أولاً. كما أن توسيع وفد المعارضة المفاوض ليشمل كافة الأطياف ومن بينها ممثلين عن الحضور الكُـردي، يعزز فرص نجاح المفاوضات، ويُطمئن جميع مكونات الشعب السوري.

* جريدة الوحـدة – العدد /274 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

yekiti