إثر الاجتماعات التي انعقدت في العاصمة الكازاخستانية آستانة بحضور وفدي النظام وفصائل معارضة مسلحة بُعيد صدور إعلان موسكو المتوافق عليه من قبل كل من روسيا الاتحادية وتركيا وإيران، بخصوص الملف السوري، وسبل تثبيت وقف العمليات القتالية وإيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها ما أمكن،… توافدت إلى مدينة جنيف السويسرية عشية 23 شباط الجاري وفود ومستشارين ولجان مختصة ووكالات أنباء وخبراء أمميين وأمنيين من مختلف الجهات والمشارب، وذلك بموجب دعوة من المبعوث الدولي ستيفان دبمستورا، بهدف إجراء جولة مباحثات بشأن إيجاد حل سياسي للأزمة السورية المستفحلة منذ قرابة ست سنوات، صدرت خلالها جملة بيانات وقرارات ذات صلة، أهمها وآخرها القرار رقم 2254 الذي أجمعت عليه دول مجلس الأمن بما فيهم الخمسة الدائمين صاحبة حق النقض، حيث رسم القرار طريقاً للحل الذي لطالما بات يُشكل ضرورة لسوريا وجوارها والكثير من بلدان العالم.

إلا أن استمرار تعثر الموفدين إلى جنيف 4 في التوافق على اعتماد جدول عمل، رغم الجهود الكبيرة للسيد ديمستورا، ومضى أيام من المشاورات الجانبية، توحي بعبثية المسعى – المؤتمر هذا، بحيث يبدو أن النوايا غير جدية، والصراع باقٍ ومستمر إلى أمدٍ آخر، ريثما يتبلور المشهد أكثر فأكثر في ضوء موازين القوى على الأرض، وتتوضح المقاربات السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، من أبرزها تطبيقات المسار العملي لسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء الملف السوري خاصةً والشرق الأوسط بوجه عام.

ولما كانت الأولوية الكبرى لدى الدول الخمس صاحبة حق النقض لدى مجلس الأمن تتجسد بمعالجة آفة الارهاب المتورمة في سوريا، وذلك عبر إلحاق الهزيمة بتنظيمي الدولة (داعش) والنصرة – القاعدة صاحبة حواضن ومسميات عديدة، كان لابد من أن تتفهم قيادات المعارضة في الداخل والخارج هذه الحقيقة – المعطى، لا أن يواصل البعض منها رهانه على نفوذ ودعم هذه الجهة الخارجية أو تلك، واللعب على الوتر الطائفي، وإعتماد الشعبوية في الخطاب والموقف لتسويق مقولة بأنه (الممثل الشرعي للشعب السوري) وصاحب الحق والامتياز في التمثيل لدى اجتماعات جنيف وغيرها من المحافل، تزامناً مع استمراره الممجوج في مسعى إقصاء الحضور الكردي الميداني، وإفتضاح أمر هكذا مسعى مرتبط أصلاً بجوهر سياسات تركيا في الأمس واليوم، التي تبقى تجهد لاهثة وراء التضييق على والاساءة إلى وحـدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وضربها ومحاصرتها بشتى السبل والوسائل، من بينها تجيير شبكة علاقاتها الاقليمية – الدولية في خدمة تحقيق هذا المأرب… وما إعلان مشاركتها – تركيا – مؤخراً في تقويض بعض مواقع (داعش) في الشمال السوري، إلا بمثابة غطاء لهدفها الأساس المتجسد في شل وإجهاض الحضور الكردي الميداني والدور المشهود له في مناهضة نفوذ وثقافة أوساط السلفية الجهادية بمختلف قواها التكفيرية التفجيرية، التي تنتهج خطاً عدائياً سافراً لقضية الكُـرد عموماً، وتستخف بكل ما هو متعلق بقواعد القانون الدولي والحضارة البشرية وقيم العيش المشترك، وذلك عبر إستحضارها لـ (نصوص دينية) وقصص وروايات مضت عليها قرابة /1400/ سنة.

حري بنا جميعاً، وخصوصاً بأطياف المعارضة السورية بمختلف هيئاتها وأطرها – وقبل غيرها – بأن تولي الأهمية الكافية لهكذا خطر داهم يبقى في الحاضر والمستقبل، يهدد نجاح أية خطوة بإتجاه تحقيق السلم والأمان في سوريا المثقلة بالجراح.

* جريدة الوحـدة – العدد /283/ – شباط 2017 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

 

 

yekiti