تقـــــريـر ســياسـي
بعد أيام تودع البشرية عام /2020/ لتستقبل عاماً جديداً، في محطة دورية، تتجّدد فيها الآمال، تتوضّع فيها برامج عمل وترتسم فيها سياسات، سيما وأن هذه المحطة تصادف كل أربع سنوات – كما هو الحال هذا العام – مع فريق جديد يشغل البيت الأمريكي الأبيض، حيث لازالت أمريكا هي الدولة الأقوى والأكثر تأثيراً على مجمل السياسات العالمية، الكثير من الدول، الحكومات وحتى المنظمات غير الرسمية تنتظر انطلاق عهد جو بايدن بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في تشرين الثاني المنصرم، متطلعة نحو فترة أفضل من فترة دونالد ترامب، لا مكان فيه – على الأقل- لدبلوماسية التغريدات والاتصالات الهاتفية والقرارات الفردية، تستعيد فيه المؤسسة الأمريكية دورها وهيبتها.
الوضع السوري:
أيضاً مع بداية العام الجديد يقترب السوريون من الذكرى العاشرة لحراكهم الذي تحول فيما بعد إلى عنف، عسكرة وإرهاب بسبب التعامل الأمني القمعي للنظام من جهة وتعطش الإخوان المسلمين للسلطة ولو على أنهار من الدماء من جهة ثانية. الطرفان حولا الحراك السلمي إلى مقتلة ما زالت مستمرة في طول البلاد وعرضها، حولت عمارها إلى أنقاض وشعباً بالكامل إلى مفجوع… ملايين الأطفال لم يدخلوا مدارس وعشرات آلاف اليافعين أصبحوا وقوداً لصراعات أمراء الحرب والنزاعات البينية ومافيات الأزمة ومرتزقة يعتاشون من فوهات بنادقهم لا يهمهم أين ولماذا وضد من؟
يستمر واقع وجود ثلاث مناطق وثلاث سلطات مختلفة على الأرض السورية (النظام، الإحتلال التركي، الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)… بينما النظام لا زال حالماً بالعودة إلى ما قبل 2011 ولاستمرار في الحكم وفق عقليته الأمنية، يسعى مجلس سوريا الديمقراطية إلى تقديم نموذج جديد، متقدم، للتعايش بين المكونات ضمن مناطقها، أما سلطات الاحتلال التركي فتعمل على مسح الهوية السورية وتفريغ ذاكرة الناس من مخزون قرن كامل من التعايش، تنتهج في المناطق الخاضعة لنفوذها سياسة تحريض المكونات ضد بعضها، وتقوم – في خرق للقوانين- بعمليات تتريك وتغيير سكاني فيها مع تخصيص المناطق الكردية تحديداً بحزمة تدابير وإجراءات أكثر عنصرية.
كره سبي و سره كانية تكملان عاماً ويزيد و عفرين تقترب من عامها الثالث تحت الاحتلال التركي، يستمر واقع النزوح والمخيمات لعشرات الآلاف الذين تم تهجيرهم من سكان هذه المناطق المدنيين ويستمر القهر والترهيب لمن بقي على الأرض، حيث حولت تركيا هذه المناطق إلى سجن كبير، مغلق أمام الإعلام العالمي، المنظمات، الوكالات والوفود، وتدفع إلى الواجهة مجموعات مسلحة سورية حاقدة على التحرر والتعددية والانفتاح للعبث بحياة الناس وكراماتهم ومقدراتهم وترتكب بحقهم جرائم يومية ترتقي بعضها إلى مصاف جرائم حرب وأخرى إلى جرائم ضد الإنسانية.
جدير بالإشارة إلى أن كل هذا الحيف الواقع على السوريين قد تضاعف خلال العام الأخير من عقدهم الدامي بسبب وباء كورونا وعقوبات قيصر، ليصبح قهراً مركباً وتتقدم قضية البقاء على قيد الحياة على غيرها من القضايا.
الدور الروسي ومآل مسار أستانا:
يستمر ثلاثي “أستانا” في وضع العراقيل أمام القرارات الأممية ذات الصلة بالشأن السوري، والتشويش على أية مبادرة للحل السياسي، يسابق كل طرف من جانبه الزمن بوسائله الخاصة لتعزيز وجوده على الأرض السورية وقضم مناطق حيوية لمشروعه، كما لتقزيم الإرادة السورية، بحيث يمكن القول أن أطراف أستانا وتحت مسمى (الدول الضامنة) تعاملت مع سوريا كشركة تجارية، و في تنافسها على الأسهم توصلت فيما بينها إلى عقد صفقات، مقايضة مناطق نفوذ بأخرى، بيع وشراء مدن، مجموعات مسلحة، أطر سياسية، ذمم … حتى أصبح كل طرف يتحدث على المنابر وفي المحافل باسم السوريين، حيث أمسى – بكل أسف- بعض السوريين محسوبين على إيران وبعض آخر على تركيا وقسم ثالث على روسيا، في حين تقلص عدد الموالين لسوريا الوطن، اتضح ذلك جلياً في تشكيل اللجنة الدستورية ويتم التأكيد عليه في الفترة الأخيرة من خلال التسريبات التي تترشح عن تداول ثلاثي أستانا لفكرة حكومة تشاركية بين الموالين لكل طرف وليست حكومة انتقالية تضم ممثلي جميع المكونات السورية لحين إجراء انتخابات نزيهة كما جاء في متن القرار 2254….
صفقات أستانا و سوتشي عقّدت المشهد السوري أكثر، تركيا كشفت عن أطماعها وتحولت إلى دولة احتلال تحتل مناطق في الشمال السوري وتصفي حساباتها العنصرية مع السكان الكرد تحديداً، ترتكب بحقهم أفظع الجرائم في مسعى إنهائهم (عفرين، سري كانية و كره سبي)، إيران تستميت على مناطق حيوية لمشروعها من أجل تثبيت مواقع لها، روسيا تستولي على مساحات ومواقع ومرافق مهمة بدلاً من ديونها المتراكمة على النظام مع مفارقة جديرة بالذكر هي أن الدول الثلاث مشمولة -كل على حدا- بعقوبات أمريكية و أوربية بعد إعلان الأخيرتين قبل أيام وبالتزامن عقوبات على تركيا.
الدور الأمريكي والرئيس ترامب:
الولايات المتحدة في عهد الرئيس “ترامب” وفي الملف السوري تحديداً كان مجرد لاعب إلى جانب لاعبين آخرين (تركيا، إيران وروسيا) وليست قوة عظمى تضبط إيقاع الأحداث كما عهدها العالم على مدار قرن مضى، لولا تدخل المؤسسات كاد قرار مرتجل من الرئيس ترامب ينهي التواجد العسكري الأمريكي في سوريا وتركها لثلاثي “أستانا” بعيد سقوط “الباغوز” وانتهاء “داعش” جغرافياً دون أي اعتبار لأحد عشر ألف شهيد وضعفهم مصابين مقعدين لقوات “سوريا الديمقراطية” في الحرب الدولية على الإرهاب، والأنكى أن قرار الانسحاب جاء في نفس التوقيت الذي كانت تحشد فيه تركيا قواتها لاحتلال كره سبي و سره كانيه.
يتابع السوريون باهتمام خطابات الرئيس الأمريكي الجديد وتشكيلة فريقه، في انتظار دور أمريكي ضاغط على الأطراف الدولية والإقليمية المتورطة في المقتلة السورية والتي تعيق منذ خمس سنوات تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي هو – في الأساس- مشروع أمريكي للحل في سوريا.
ما يجري في إقليم كردستان:
يستمر التنسيق بين أنقرة و طهران لضرب أي منجز كردي وفي أي جزء من كردستان، ففي عين الوقت الذي تستمر فيه القوات التركية في خوض حرب ضروس على قرى وبلدات الشريط الحدودي مع العراق، بل وتتوغل في بعض المناطق إلى عمق الإقليم وتقيم فيها قواعد عسكرية بحجة الحرب على العمال الكردستاني، تحرك إيران في عين الوقت عملاءها المحليين وبعض أذرع الحشد الشعبي على الأرض للتحرش بالإقليم، كما تكلف بعض مجموعاتها السياسية في البرلمان والحكومة بالعمل على تأخير مستحقات الإقليم المالية ومن ثم التدخل في الحركة الاحتجاجية الأخيرة ودفع الأمور باتجاه الشغب والتخريب في مساعي حثيثة من الطرفين التركي والإيراني معاً لتأجيج النزاع القائم بين العمال الكردستاني و الديمقراطي الكردستاني وضرب الكرد بالكرد، وهذا ما نحذر منه ونعتبره انتحاراً للكرد وقضيتهم وخدمة مجانية للأعداء وتحديداً تركيا (أردوغان – بهجلي) التي لم يهدا لها بال منذ إعلان الإقليم الفيدرالي في العراق ولم ينم مسؤولوها الليل بعد إعلان الإدارة الذاتية في شمال سوريا؛ ندعو الطرفين الشقيقين للتحاور مهما كان حجم الخلاف، كما نعتبر أن الاصطفاف مع طرف ضد الآخر يأتي – بشكل أو بآخر – في إطار التخندق والتحشيد الذي سينعكس سلباً على كامل الوضع الكردي في الأجزاء الأربعة. ولا سيما على مشروع توحيد الصف الكردي والحوارات الجارية في روز- آفا برعاية أمريكية، لعل حوادث حرق المكاتب الحزبية في الآونة الأخيرة تأتي أيضاً في إطار هذا التحشيد كائناً من يكون الفاعل وهي مدانة، بدورها نحمل الإدارة مسؤولية كشف الجناة ومحاسبتهم.
حول موقفنا من وحدة الصف الكردي:
ترتيب البيت الكردي وتشكيل مرجعية فوق حزبية كان ولا زال إحدى أهم أولوياتنا للمرحلة الحالية، لقناعتنا التامة بأن المرحلة التي تمرُّ بها سوريا عموماً والقضية الكردية فيها دقيقة جداً، حبلى بمخاطر تهدد المناطق الكردية على وجه الخصوص وتاريخهم وحتى وجودهم وأن الكرد السوريين بحاجة إلى إطار تمثيلي أشمل وأقوى لمخاطبة الداخل الوطني نظاماً ومعارضة، وكذلك دول العالم ومنظماته، وقد قمنا في أوقات سابقة وأكثر من مرة بتوجيه دعوات للأحزاب والأطر الكردية السورية بهذا الخصوص، لكنها لم تلق آذانا صاغية لأسباب يعرفها كثيرون، وعندما أطلق الجنرال مظلوم عبدي مبادرته، كنَّا من أوائل من التقى به، معربين عن تأييدنا الكامل لمبادرته وله شخصياً في مسعاه الحميد هذا، إلا أن الطرف الأمريكي وبالتنسيق مع أطراف إقليمية حولوا مبادرة الجنرال إلى مصالحة واتفاق بين توجهين كرديين مختلفين تماماً (الـ ب ي د و الأنكسة)، تسببا – كل من جهته – بشرخ بين الكرد السوريين وحولا الأنظار والاهتمام من المحلي المُلِح إلى ما وراء حدود سورية، ولهم معا أكثر من تجربة فاشلة في العقل الجمعي والعمل الكردي المشترك.
لكوننا على قناعة بأن أي اتفاق بين أي طرفين كرديين بل بين أي كرديين أينما كانوا هو سير في الاتجاه الصحيح ويخدم القضية، فقد أعلنَّا عن موقفنا الداعم للقاءات الطرفين، رغم استبعادنا مع أحزاب أخرى وأطر وشخصيات لها وزنها من الحوار، وحرصاً منَّا على صيرورة لغة الحوار، امتنعنا عن أي رد أو تعليق – حتى – على الفيتو المجحف المتخذ بحقنا كحزب له تاريخ مشهود.
من خلال متابعة بسيطة لتصريحات وخطاب طرفي المعادلة السورية والمتصدرين للمشهد يتضح أن العقلية العنصرية والفوقية التي سادت قبل 2011 تجاه الكرد وبقية المكونات غير العربية لم تتغير بل زادت حدة وسوء بفعل التحريض القوي من مراكز إقليمية، حتى بات لسان حال غالبية السوريين يقول: لو أن ائتلاف اسطنبول استلم السلطة لمارس ما هو أسوأ وفعل بالسوريين وبالكرد تحديداً ما هو أقبح.
رغم كل ما تراكم خلال العقد المنصرم من أسباب الفرقة والخلاف ورغم تعقيدات المشهد السوري يبقى الحوار هو الطريق الأمثل لصناعة الحلول، سواء على الصعيد الكردي – الكردي أو على الصعيد السوري العام، وهنا تجدر الإشادة بجهود مجلس سوريا الديمقراطية في إقامة ورشات حوارية في أوربا كما في الداخل بين تيارات وشخصيات ديمقراطية، لعل مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات الذي انعقد في نهاية تشرين الثاني المنصرم يأتي – أيضاً – في هذا الإطار كنموذج لحوار المكونات المتعايشة.
من جهتنا كحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا، سنستمر في الدعوة إلى اللقاء والحوار، سنستثمر جهودنا من أجل قضية الكرد السوريين ونتخذ من تحرير مناطقنا المحتلة (عفرين، سره كانية و كره سبي) بمثابة أولى أولوياتنا، سنستمر في مساعينا لبلورة شخصية كردية سورية تتخذ قرارها المستقل في القامشلي، تتشاور مع الأشقاء في الأجزاء الأخرى، تبادلهم الاحترام، دون أن تكون جزءً من منظومات خارج المكان.
أواخر كانون الأول 2020
اللجنة السياسية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
yekiti