نرفض الإساءة الممنهجة للإدارة القائمة، مع الاحتفاظ بحق الانتقاد لمجمل القرارات والسلوكيات الخاطئة والتجاوزات على العقد الاجتماعي
يوماً بعد يوم، تتفاقم الأزمة السورية التي تخنقُ البلاد منذ أكثر من عشرة أعوامٍ وتزدادُ معها معاناة الشعب السوري الذي فاقتْ قساوة ظروفه الحياتية والمعيشية كلَّ تصوّرٍ، حيث الفقرُ ودمار الاقتصاد الوطني وانهيار البنى التحتية التي أثقلت كاهلَ السوريين وأصبح أكثر من نصفهم يعيشون تحت خط الفقر، وبات همّهم الوحيد هو تأمين لقمة العيش وبعضٍ من الأمان!
هذا، وفي ظلّ استمرار تعنت النظام واستمراره في نهجه الأمني المراوغ الرافض لأي حوار جدي ينهي الأزمة، ومعارضةٍ (الائتلاف) جعلتْ من نفسها مطيةَ رخيصة بيد تركيا التي باتت تشغلُها كما تشاء في أي ساحةٍ دولية أو إقليمية، وبسبب تدخّل القوى الإقليمية والدولية التي بدورها جعلتْ من الأزمة السورية رهينةً لتحقيق مصالحها الخاصة وسط تجاذبات السياسة الدولية وغيابِ دور المنظمة الدولية التي تعاني من الضعف الشديد بسبب تصارع القوى الرئيسة فيها على المصالح ومناطق النفوذ، لا تزال المأساة السورية مستمرةً، والبلاد شبه مقسمة وسيادتها مستباحة وأجزاءٌ منها رازحة تحت الاحتلال دون وجود آفاقٍ لحلٍّ دولي ينهي الأزمة في المدى المنظور. هذا الوضع المزري يضع الأطر والأحزاب والشخصيات الوطنية السورية أمام مسؤولية البحث عن صيغ وتوافقات أكثر مدنية وديمقراطية وقبولًا للآخر وأقل تدخلاً خارجياً.
ففي يومي السابع والثامن من الشهر الجاري عقدت الدول التي تطلق على نفسها الدول الضامنة (روسيا، تركيا وإيران) اجتماعاً في عاصمة كازاخستان بحضور وفدي النظام وما تسمى بالمعارضة حول الأزمة السورية، دون أن تكون للقضية السورية نصيب في هذه الاجتماعات بقدر ما كان البحث عن المصالح وتوجيه رسائل لخصومها السياسيين واللاعبين الدوليين، ربما كان من أبرز نتائجها معاداة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية وتأليب الرأي العام ضد الكرد عبر اتهامهم الممجوج بالانفصال وإرسال رسائل التهديد والوعيد لخلق حالة من التوتر في المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية شمال وشرق البلاد، إننا إذ نؤكد هنا على الدور السلبي لتركيا على مجمل الحراك السوري، ناهيكم عن الاحتلال والقمع وأطماعها التوسعية وتسليطها للمرتزقة من حاملي السلاح بمختلف تسمياتهم للتنكيل بالمناطق المحتلة (عفرين ،سري كانيه، كري سبي) وتنفيذ سياساتها في التهجير والتغيير الديموغرافي وأيضاً استخدام مرتزقتها من سياسي الائتلاف لتبرير الاحتلال القائم ومحاولاتهم الفاشلة في تجميل الوضع المزري الذي يعيشه السكّان الاصليون.
كان المطلوبُ من هذا الاجتماع البحث في إنهاء معاناة السوريين بفتحِ المعابر لدخول المساعدات الإنسانية وإطلاق مياه الشرب التي احتجزتها دولة الاحتلال التركي لمحطة الضخ في علّوك وإطلاق حصة البلاد الدولية من مياه الفرات واحترام السيادة السورية …إلخ
وفي سياق متصل شهدت بعض المناطق في كل من سوريا والعراق مؤخراً نشاطاً مسلحاً لقوى الإرهاب طالت منشآت التحالف الدولي كقاعدة عين الأسد والمنطقة الخضراء في العاصمة بغداد ومطار أربيل الدولي وحقلي كونيكو والعمر الواقعين في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بمحافظة دير الزور شرقي البلاد، مما يستدعي الاقتناع بأن قوى الارهاب متأهبة وسوف تقتنص أي فرصة لإعادة السيطرة على المنطقة إذا ما كانت الأجواء مؤاتية. وعلى جميع القوى الوطنية في سوريا والعراق والتحالف الدولي والاتحاد الروسي اليقظة، ومحاسبة الدول التي ترعى قوى الظلام لتحقيق غاياتٍ سياسية، لأن خطرَ الإرهاب هو خطر يهدد الجميعَ دون استثناء.
من جهةٍ أخرى، على القوى الدولية أنْ تضغط على تركيا لسحب قواتها من سوريا إلى الحدود الدولية وإنهاء احتلالها للأراضي السورية.
من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الأحداث المؤسفة التي حصلت مؤخراً بين الأخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني في محصلتها لا تخدم مصالح شعبنا التي تحتاج إلى حلّ المسائل الخلافية عبر الحوار وتحريم الاقتتال الذي ذاق شعبنا مرارته أكثر من مرة، وأن إثارة مثل هذه الفتن من أية جهة كانت وتحت أية ذريعة، فإنها تخدم أجندات الدول والجهات المعادية لقضية شعبنا العادلة وتستهدف منهجية ومبدأ الحوار البيني كحلّ وحيد لجميع القضايا، ولهذا، فإن المصلحة القومية تقتضي الافراج عن المعتقلين على خلفية هذا التصعيد وأن تتم عملية استئناف الحوار الكردي – الكردي على أسسٍ صحيحة، دون إقصاء أطرافٍ سياسية مشهود لها بالعمل والإخلاص لقضية شعبها، وشرائح من منظمات المجتمع المدني والفعاليات الثقافية والشخصيات الوطنية المستقلة تفضي إلى بناء مرجعية سياسية تستندُ في قراراتها وتنطلق من مصالح شعبنا الكردي في سوريا ومن الأرضية والواقع السوري والتي لا تتنافى مع مصالح أشقائنا الكرد في الأجزاء الأخرى.
من جهة أخرى، نود التأكيد على رفضنا الإساءة الممنهجة للإدارة القائمة بغرض توظيفها سياسياً لخدمة أجندات معادية، أيضاً الرفض القاطع لأي انتهاك لحقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبيه، مع الاحتفاظ بحق الانتقاد لمجمل القرارات والسلوكيات الخاطئة والتجاوزات على العقد الاجتماعي، وفي المقدمة منها عمليات الاعتقال غير المبررة وتضييق الخناق على أصحاب الرأي المخالف.
إنّ الحرصَ على هذه الإدارة التي دفع شعبنا آلافَ الشهداء من أبنائه وبناته لتشكيلها وتفعيلها، يقتضي النقدَ والوقوف على الأخطاء المرتكبة وطرح البدائل بغية تطويرها نحو الأفضل وإغنائها، والالتفات إلى قوت الشعب وعدم ترك لقمة عيشه بين أيدي التجار والمتلاعبين بأسعار السلع وما يمس حياة المواطنين، وليكن المواطن الإنسان هو محور اهتمام هذه الإدارة.
12/7/2021
اللجنة السياسية
لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
yekiti