إن الإرهاب بكل أشكاله مرفوض وعملٌ مدانٌ، بغض النظر عن القائم عليه، فردآ أكان أم منظمة، أو حكومة. وبرأيي إن أخطر أنواع الإرهاب، هو ذاك الذي تمارسه الدول، وخير مثال على ذلك، الإرهاب الذي يمارسه النظام السوري، الفارسي، والتركي بحق شعوبهم.
وتركيا بقيادة اردوغان تدفع ثمن أفعالها الشريرة الأن، من خلال فتح حدودها أمام تدفق الإرهابيين إلى سوريا، وتقديم كافة أنواع الدعم لهم وإنشاء تنظيمات متطرفة تابعة لها، بهدف محاربة النظام والكرد معآ. ظلت تركيا تدعم هذه المجموعات الإجرامية، بالمال والعتاد والمعلومات، طوال فترة الخمس السنوات الماضية، ورغم ذلك فشلت في إسقاط النظام، والوقوف في وجه الصعود الكردي، مما إضطرها إلى تغير سياستها والتحالف مع الروس والفرس بالتفاهم مع النظام السوري، وإنقلبت على تلك التنظيمات الإرهابية، مما دفع بهذه الجماعات بالإنقلاب على تركيا حليفتها السابقة، وتوجيه ضربات إرهابية موجعة لها، كنوع من العقاب بسبب إنتهاجها لسياسة معاكسة لسياتها السابقة المؤيدة لها.
شخصيآ أحمل مسؤولية هذه الأعمال الإرهابية، التي إستهدفت تركيا مؤخرآ، للرئيس التركي اردوغان، الذي منح هذه التنظيمات الإجرامية الغطاء السياسي، ومنحها أسباب القوة والنمو، والتزامه الصمت إذاء إرتكابها أبشع الجرائم بحق الكرد، وكل من يخالف توجهاتها المتطرفة.
واليوم السيد أردوغان يشرب من ذات الكأس الذي سقاه للكرد من قبل، ونسيى بأن هذه التنظيمات الإرهابية، لا أمان لها ولا وعد. ولا يمكن الوثوق بها بأي حال من الأحوال. ومن هنا يحتمل هذا المستبد والمتعطش للسلطة، مسؤولية دماء ضحايا الكرد والأتراك الذين سقطوا بيد الإرهاب الداعشي، وبقية التنظيمات المتطرفة كجبهة النصرة (تنظيم القاعدة) في سوريا.
أنني أحمل مسؤولية موجة الإرهاب الحالية، التي أخذت تستهدف تركيا وبشدة للسيد أردوغان لسببين:
السبب الأول:
انتهاجه سياسة معادية للكرد، في غرب وشمال كردستان، ووقوفه الى جانب التنظيمات الإرهابية، كتنظيم داعش وجبهة النصرة، ودعمهم بكافة الوسائل العسكرية والمعلومات الاستخباراتية، بهدف محاربة الكرد، ومنعهم من الوصول لحقوقهم القومية. وهي سياسة أكدت الأيام خطأها وانسداد أفقها، لأن الكرد أصحاب هذه الأرض، وشعب أصيل من شعوب المنطقة. وأي سياسة لا تأخذ حقوقهم القومية المشروعة بعين الاعتبار، بالتأكيد ستصطدم بالحائط الكردي وستباء بالفشل. لأن الكرد أصحاب قضية عادلة، ولهم كامل الحق أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم كبقية الأمم ولا يمكن حل أزمات المنطقة، من دون حل القضية الكردية، حلآ ينصف هذا الشعب المظلوم.
ونتيجة لهذه السياسات الأردوغانية المعادية للكرد، دفع بالوضع الداخلي التركي إلى حافة الهاوية، وعاد التوتر من جديد الى الأجواء، وأخذ صوت الرصاص يلعلع في سماء المدن الكردية، بسبب حماقة
أردوغان وغروره، الذي ظن بأنه قادر على سحق الشعب الكردي بالقوة العسكرية، وإخضاعه لسلطته الإلهية. ولكن خاب ظنه، مثلما خاب ظن الذين سبقوه في الحكم.
وبسبب فشله في القضاء على الحراك الكردي في شمال كردستان، ومنع الكرد في غرب كردستان من إنشاء إقليمهم الفدرالي، لجأ إلى التنظيمات الإرهابية لمواجهة الكرد في سوريا، بدلآ عنه.
وعندما فشلت هذه التنظيمات في تحقيق أحلامه المريضة، أخذ الأمر على عاتقه، وتدخل بنفسه في الصراع السوري، لمحاصرة الكرد، ومنعهم من تحقيق وحدتهم الترابية. ومن هنا جاء الاحتلال التركي لمدينة جرابلس السورية وريفها، وإنقلابه على هذه التنظيمات الإجرامية، بعد إتفاق اردوغان مع الرئيس الروسي بوتين على صفقة، كانت محورها تخلي تركيا عن دعمها للجماعات الإرهابية، وتسليم حلب للنظام، مقابل السماح لها باحتلال جرابلس وريفها، ووصولآ إلى مدينة الباب السورية، بهدف منع الكرد من ربط منطقة عفرين بكوباني ومنبج.
وهذا التحول الدرامي المفاجئ في السياسة التركية تجاه تلك التنظيمات، دفعها إلى الإنتقام منها، وشن عمليات إرهابية ضد أهداف تركية، مدنية وعسكرية، راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى جلهم من الأبرياء.
السبب الثاني:
هو إنقلاب أردوغان على النظام الشبه الديمقراطي بعد تمكنه من الحكم جيدآ، وسعيه المحموم للتفرد بالسلطة، ورغبته الشديدة في تحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي بصلاحيات مطلقة على غرار ديكاتوريات العالم الثالث. ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، رفض وبشدة نتائج الانتخابات البرلمانية، التي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطية بثمانية وثمانين مقعدآ، وحرمت أردوغان من الأغلبية الساحقة داخل البرلمان. وثانيآ، محاولاته المستمرة لأسلمة الدولة، وتغيير نظامها العلماني، الذي وضع أسسه أتاتورك، وذلك بالتعاون مع صديقه السابق فتح الله غولن، الذي انقلب عليه اردوغان بدوره، بسبب رفض هذا الأخير تقاسم السلطة والنفوذ مع أي طرف أخر، وخوفه من منافسة غولن وجماعته له ولحزبه. هذا إلى جانب عزل الألاف من القضاة، الضباط، ورجال الشرطة، المحاميين، الصحفيين، والأكاديميين، الغير موالين له ولحزبه.
كل ذلك خلق أجواء متوترة جدآ في تركيا، وتسببت بموجة غضب عارمة في صفوف، القوى اليسارية التركية المناهضة لتوجهات حزب العدالة والتنمية، وأدى كل ذلك إلى بروز مجموعات تنتهج طريق العنف، كتعبير عن رفضها لحكم لسياسة حكومة العدالة والتنمية، وخصوصآ في مجال الحريات العامة، والموقف من الأزمة السورية. وبدلآ من لوم نفسه، أخذ السلطان اردوغان بتحميل المسؤولية على الأخرين، فتارة يحمّل ما يحدث لفتح الله غولن، وتارة لحزب العمال الكردستاني، وتارة أخرى للتنظيمات الإرهابية، التي كان يدعمها بالمال والسلاح على مدى خمسة أعوام من عمر الثورة السورية.
السؤال الأن: كيف سيواجه أردوغان هذه الحملة الإرهابية، التي تواجهها تركيا بسبب سياساته الإجرامية؟
إن الأسابيع والأشهر القادمة ستكشف لنا، أي السبل ستنتهجها حكومة أردوغان لمواجهة موجة الإرهاب، التي بدأت تشهدها تركيا في الأونة الأخيرة، والتي كانت أصلآ سببآ في نشأة تلك المنظمات الإرهابية.
برأيي أمام تركيا ورئيسها أردوغان سبيلان لمواجهة موجة العنف التي يشهدها هذا البلد وهما:
السبيل الأول:
أن يعود عن سياسته العدائية تجاه الشعب الكردي، ويوقف حربه القذرة ضد المواطنيين الكرد، والتي بدأها منذ أكثر من عام. ويفرج عن أوجلان بهدف التفاوض معه، من أجل حل القضية الكردية حلآ سلميآ في تركيا. وثانيآ إيقاف حربه ضد كرد سوريا، وسحب قواته العسكرية والأمنية من الباب وجرابلس وإعزاز، وترك الكرد السوريين وشأنهم. ثالثآ، قطع صلاته مع التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها، وإغلاق الحدود أمامها.
ورابعآ، العودة إلى الإصلاحات الديمقراطية، والتراجع عن سياسة الإقصاء ضد الكرد والأطراف الإخرى.
السبيل الثاني:
هو أن يستمر اردوغان بسياساته الإجرامية السابقة، سواءً أكان دعم الإرهابيين، وسجن الصحفيين، أو إغلاق الصحف وقنوات التلفزة، وممارسة الإرهاب بحق المخالفين له كتاب وبرلمانيين، ومحافظين ورجال أعمال. وفي حال إستمراره في السياسة السابقة، سيجر تركيا إلى دوامة عنف لا أول لها ولا آخر. ويبقى الخيار لأردوغان، أي السبيلين سينتهج لمعالجة أزمات تركيا، ومن ضمنها مكافحة التنظيمات المتطرفة.