عندما دعَونا إلى إشراك المستقلين في السياسة, وترجمنا هذه الدعوة إلى فعل في تجربة التحالف الديمقراطي الكردي السابق, كان الهدف هو تحرير السياسة الكردية من الاحتكار الحزبي ومزاجية بعض القيادات, وإفساح الفرصة للخبرات والأكاديميين والوطنيين من خارج الأحزاب, لتحمل مسؤولياتهم في رسم التوجهات وصياغة الحقوق, كما كان إيماناً منا بضرورة تفعيل الجانب المدني في المجتمع وضرورة توسيع دائرة المسؤولية والتأسيس لحالة تكاملية بين ما هو حزبي وما هو مستقل، تمهيداً لخلق حالة جمعية وتفكير جمعي بدلاً من الحالات الفردية التقليدية السائدة. وعندما أولينا الأهمية القصوى للحوار وضرورة تفعيل العلاقات البينية رغم الاختلافات, كان ذلك ضرورة لإنهاء حالات القطيعة والحروب الباردة بين الأحزاب, وردم الهوة بين الحالة الحزبية مجتمعة من جهة والشارع الجماهيري من جهة أخرى, وعندما دعونا إلى العمل المشترك بين الأطر والأحزاب فكانت هذه قراءة سياسية منا تواكب توجهات السياسة الدولية نحو التكتلات والتحالفات والاتحادات, أمام عجز الحالة الفردية مهما يكن نفوذها الجماهيري ومهما تكن إمكاناتها الذاتية .

عندما ندعو الآن إلى رص الصفوف وتوحيد الخطاب فلأننا ندرك أهمية المرحلة الكردية الخاصة والوطنية السورية العامة، مراهنين على استمرار الاهتمام الدولي بالرقعة الجغرافية التي نعيش عليها كعامل ثابت، سيما أنها  وإضافة إلى كونها مصدراً للمواد الخام ومنطقة حيوية للاستثمارات أمست مؤخراً منبتاً للإرهاب وحاضنة ترعاه وتصدره لكل بلاد العالم, وهذا ما يزيد الاهتمام العالمي, ويبدو أن العامل المتغير هو احتمالية إعادة النظر من قبل الدول العظمى في سياساتها تجاه المنطقة والتي من الواضح أنها ستشمل تفكيك شبكة المصالح والأصدقاء وإعادة هيكلتها من جديد, وهذا ما سيساعد في ظهور قوى جديدة إلى الوجود تتغير معها خارطة النفوذ، سيما بعد أن اعترفت هذه الدول نفسها بفشل سياسة الاعتماد على الأنظمة المركزية التي أنتجت مستبدين وديكتاتوريات على مدار العقود الماضية والتي انقلبت ضدها في لحظات تاريخية ما وشكلت خطراً على الأمن والسلام في المنطقة .

الدول الكبرى ستعيد صياغة علاقاتها مع منطقة الشرق الأوسط وربما تستبدل أصدقاء الأمس بآخرين وتوفر فرصة التعبير عن الذات لمن جارت عليهم اتفاقيات القرن الماضي، كشعبنا الكردي الذي هو الآن أقرب إلى روح العصر وثقافته وأبعد عن التخلف ونفوذ الفكر السلفي، ويملك قوة عسكرية على الأرض.

سنستمر في دعوتنا إلى تنظيم الحالة الكردية و لملمة الشتات التنظيمي وتأطيره ضمن تحالفات ومجالس، وسنلحّ  أكثر على تشكيل مظلة جامعة للطيف المجتمعي كعنوان سياسي للحالة الكردية (هيئة , مرجعية …)، لأننا ندرك أهمية عامل الثقل في ميزان التفاوض والتحاور مع الآخرين وندرك أهمية الخطاب وتوازنه  في المرحلة الكردية القادمة التي ستواجه منعطفات عديدة يتطلب فيها اتخاذ قرارات مصيرية ليس من الحكمة أن يتخذها حزب سياسي لوحده أو جهة بمفردها نيابة عن شعب كامل.

تحالفنا الوطني الكردي الذي تم الإعلان عنه أواسط شباط المنصرم والذي سعينا مع الرفاق في الأحزاب الأخرى والمئات من الكوادر المستقلة والأكاديميين  لبلورة توجهاته ورسالته، ليس غايةٌ بحد ذاته، بل هو وسيلتنا نحو ترتيب البيت الكردي ورافعتنا لسقف وطني وقومي ناظم للحد من فوضى التنظيمات والشعارات، كإجراء احترازي لا بد منه في حالتنا الكردية الراهنة لتفادي الانزلاق إلى درك التخوين والصراعات والاستنجاد بأطراف خارجية والاقتتال الأخوي قبل وقوعه – لا سمح الله – وتجربة أشقائنا في كردستان العراق لا زالت حية في الأذهان.

التحالف الوطني الكردي قد شق طريقه إلى ساحة الجماهير وتحوّل إلى عنوان سياسي بارز لا يمكن تجاهله في أي عمل كردي مشترك أو اتخاذ أي قرار كردي مصيري, اكتسب من خلال شعاراته وتوجهاته الموزونة عضوية الأسرة الكردية والعائلة السورية وينتظر فرصته في التعامل المناسب من قبل بقية الأعضاء ودوره في المرحلة القادمة,  فهل سيصطدم بجدار التفرد والأحقية لدى أركان الإدارة القائمة و بالتالي يتحول إلى معارضة سلمية لسلطة الإدارة ؟، أم سسينجز التحالف الوطني الكردي ما عجز عنه المجلس الوطني الكردي في تأسيس مجلس مرجعي ويتحول إلى شريك ولو نسبي لحركة المجتمع الديمقراطي في الإدارة الفيدرالية المرتقبة ؟.

* جريدة الوحـدة – العدد / 273 /- الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

yekiti