حينما كان مسؤول الدعاية النازية غوبلز يسمع كلمة مثقف , يتحسس مسدسه , اذ لهذه الدرجة من العداء والكراهية تتعامل الانظمة والاحزاب الشمولية مع الثقافة والمثقفين , فهذه الانظمة التي تريد تمرير مشاريعها السلطوية , لا تريد ثقافة الا بعد تطويعها , وتدجينها وجعلها بوقا دعائيا لمشروع الهيمنة , وأما المثقف , فيجب إخصاءه فكريا , وجعله مداحا صداحا كي يخلق الاساطير حول القائد الرمز والضرورة , رجلا تحوله اجهزة الامن الى مهرج سيرك , يلقي قصائد المدح في الاب الراعي والمنقذ لبشرية رعاياه , وتحويلهم بوعده المنتظر الى فراديس العيش الكريم , اذ يحول النظام الشمولي الكاتب المخصي الى داعية يلمع صورة القائد الضرورة ويجعله فوق جميع المقدسات , قائد باجنحة يطير ومعه رعاياه الى ذلك الفردوس الذي رسمه المثقف المداح , وعد ينطح وعدا , وفي كل مرة يجب ان يذكر المثقف المخصي الجميع ان المسيرة الى ذلك اليوم المستقبلي قادمة , ولكن هناك من يعيق اقترابنا من هذا اليوم , حيث يشير المداح بإصبعه القذرة الى المثقفين , والى المعارضات بكافة اشكالها, إذ يوهم المداح رعايا القائد الى عداوة المثقفين واعضاء احزاب المعارضة المرتبطون بالعدو الخارجي , وعمالتهم وتجسسهم على بلدهم لصالح هذا الخارج , وقد تتوالى التهم على المثقفين بشكل خاص , لانهم الاخطر من وجهة نظر السلطة الحاكمة الشمولية , والاسهل تفردا بهم ، كونهم افراد سهلي الانقياد , ولاخوف من تدجينهم او تصفيتهم كأفراد غير منتمين الى تنظيم يدافع عنهم , ويخلق لهذه السلطة الحاكمة الشمولية مشاكل وازمات تعرض حكمهم للخطر. الحزب الشمولي يكره الثقافة الغير مدجنة , ويكره النظريات والافكار الحرة التي يحملها هؤلاء المثقفون , ويوهم رعاياه , ان الثقافة التي يحملها المثقف الحر هدامة , وضد الاعراف والتقاليد والمقدسات التي يتحسس منها الراعي , ورعاياه , لذا يجعل في كثير من الاحيان الجمهور المستثار والمنفعل قاضيا يحكم على المثقف المارق بتهمة مخالفة ومحاربة الشرائع . في ظل هيمنة النظام الشمولي لا لزوم لتعلم التاريخ , الا اذا مرر من ثقب ابرة الحاكم الاب ونظامه , والعمل على ترسيخ وعي مفاده ان فكر الحزب الحاكم الذي ينهل من نبع تعاليم وافكار القائد الراعي والضرورة هو الرجاء والامل في ظل هيمنة حزب من هذا الطراز , وقائد بهذه الخواص يجب ان يعبئ الرعايا ليخوضوا الحروب دائما , تحت ذريعة تربص العدو الخارجي وحسده من دولة الرفاه التي ينشدها القائد لرعاياه , كما انه يجب ان يثير المثقف المخصي في نفوس رعايا القائد الرغبات المتعلقة بالبقاء ، وان هناك مؤامرات تهدد الوجود وحياة الكيان الذي يقوده القائد الالمعي .
تاريخيا وقفت السلطات الشمولية ضد مثقفيها وقدمتهم لمحاكمات من كل الانواع , فستالين مثلا اتى بكل مثقفي حزبه ممن عارضوا هيمنته على الحكم , وقدمهم للمحاكمات , حتى انه انتزع منهم اعترافات تفيد بأنهم عملاء وجواسيس للالمان ( كامنييف وزينوفييف )
. لم يبقي صدام حسين مثقفا او معارضا مثقفا الى وارسله الى المنافي , او الى الموت , فهل سيمارس من يحكمنا الان نفس هذا الدور , ونفس هذه الخطة الجهنمية في اخضاع الثقافة والمثقف وتطويعهما لصالح مشروع الهيمنة؟؟ الشواهد التاريخية وحاضر ثورتنا ومجتمعنا السوري الذي عاش منذ اكثر من خمسين عاما تحت هيمنة حزب ديكتاتوري وقائد ضرورة , واحزاب اخرى شمولية , دينية وطائفية وماركسية مهيمنة في اجزاء كثيرة من سوريا تؤكد على ذلك , وتسمح لنا بالقول ان الثقافة والمثقفون هما البعبعان اللذان يحاربهما الديكتاتور والحزب الشمولي على طول الخط ..