مع دخول الحرب السورية بآثارها الكارثية عامها السابع و التي كانت نتيجةً طبيعية جداً لجملةٍ هائلةٍ من الأخطاء والتراكمات و صور القمع والاستبداد و الغياب شبه الكامل للحريات و لدولة القانون و المؤسسات وانتشار الفساد و المحسوبيات و تهميشٍ للدستور عبر عقودٍ طويلة مضت و امتدّت منذ نشوء ما يسمّى بالجمهورية السورية الأولى عام ١٩٣٠ و إن كان كلّ ما ذُكر قد بدأ بصورةٍ تصاعدية نسبيّاً منذ ذلك الحين و ازدادت وتيرتها باستلام البعث للسلطة عام ١٩٦٣ حيث دخلت سوريا نفقاً مظلماً بلغت الظلمة ذروتها ببدء الصراع المسلّح و العنف الذي لايزال مستمرّاً ليحطّم بذلك أي أملٍ متبقٍّ لعودة الأمور إلى مجراها السابق في بقاء سوريا واحدةً موحّدة بحدودها الحالية كدولة دون إتخاذ حلولٍ في غاية الجديّة و إدراك الجميع لحجم المسؤولية و وعيهم لذلك و القبول بتلك الحلول مهما كانت قاسيةً في نظرهم و لعلّ أهمها يتمثّل في موضوع بحثنا هذا ،ألا وهي إلزام الدولة السورية بمكوناتها بمبادئ فوق دستورية كحلّ من الحلول التي لا غنى عنها إطلاقاً لبقاء سورية الحالية ،لذلك ولتبيان أهميتها ، فقد وصفتُها بركنٍ من أركان الدولة في عنوان البحث إلى جانب أركان الدول المعروفة و هي الأرض و السيادة و الشعب
و قبل أن نخوض في تلك المبادئ بشيءٍ من التفصيل .لا بدّ لنا أن نعطي فكرةً سريعةً عن ماهية كلٍّ من الدولة أولاً و الدستور ثانياً و من ثمّ عن ما هي فوق الدستور من مبادئ ثالثاً.
-الدولة: هي رقعةٌ جغرافيةٌ محدّدةٌ ،يمارس عليها مجموعةٌ من الأفراد نشاطهم بصفةٍ دائمةٍ و مستمرّة وفق أسسٍ و معاييرٍ تُخضعهم لنظامٍ سياسيٍّ متفقٍ عليه و منظّمٍ و قادرٍ على فرض طاعة أولئك الأفراد له ، يتولّى شؤونهم و يشرف عليهم و ينظّم العلاقة فيما بينهم و بين السلطات .و يمارس سيادته على تلك الرقعة .
-الدستور: هو مجموعة القوانين العليا الحاكمة للدولة، والعقد الذي ينظّم علاقة الحاكم و السلطات بالرعيّة و يحدّد قواعد شاملة كليّة ؛ مثل إسم الدولة الرسمي و ديانتها، و نوع الحكم فيها و طريقة تشكيل الحكومة و البرلمان، و تحديد سلطات الدّولة و حقوق المواطنين و واجباتهم و ما إلى ذلك.
– المبادئ فوق الدستورية : لحداثة المفهوم اصطلاحاً و بالتالي غياب تعريفٍ دقيقٍ لتلك المبادئ نستطيع القول بأن أفضل تعبير لها هي مجموعة القواعد والأحكام المتفق عليها من كافة الفئات أو ممثليها ضمن الدولة الواحدة .و تكون أعلى رفعةً و سموّاً ودواماً و إطلاقاً و حصانةً ضد التعديل والإلغاء والتعطيل من أحكام الدستور ذاته .وتأتي إما في وثيقةٍ أو وثائق منفصلةٍ أو ضمن الدستور ذاته ،لا فرق.ويكون مصدرها قواعد وأحكام سامية عالمية وكل ما تقتضيه الضرورة القصوى النص عليه وتأكيده لصون و حفظ قدسية الإنسان و كرامته.
بعد هذا التمهيد لموضوع البحث .سوف نقوم بتقسيم بحثنا إلى مباحث ثلاث هي .
المبحث الأول:في نشأة المبادئ فوق الدستورية و تطوّرها.
المبحث الثاني: في مشروعية المبادئ فوق الدستورية و حجج مؤيّديها و معارضيها.
المبحث الثالث: في أهمية المبادئ فوق الدستورية للدولة السورية و أبرز تلك المبادئ.
المبحث الأول: في نشأة المبادئ فوق الدستورية و تطوّرها.
يمكننا القول بأن المبادئ فوق الدستورية و بمسمّاها ومصطلحها الجديد هذا .ليست حديثة العهد مفهوماً ،بل ظهرت صور الحاجة اليها وتطبيقها في أحوالٍ قريبة الشبه نوعاً ما لواقع و وقائع الحاجة إليها حالياً .و يُرجع البعض ظهور مثل تلك المبادئ إلى مئات السنين .و تحديداً إلى العام (١١٠٠) للميلاد و ربما قبله.حيث صدر ذلك العام ما يسمّى ب (ميثاق الحريات)في بريطانيا من الملك هنري الأول .وقد تضمّن قيوداً و حدوداً لاستبداد الملك والملوك وتجاوزاتهم ،ينظّم علاقة الملك برجال الكنيسة و طبقة النبلاء .
تلا ذلك تطوّرٌ و تعبيرٌ أكثر وضوحاً لشكل تلك المبادئ .بصدور ما يسمى بوثيقة ( الماغنا كارتا) أو (العهد العظيم) أيضاً في بريطانيا ،العام (١٢١٥) ، و هذه المرة في عهد الملك جون ستير وتضمّن مرةً أخرى و بشكلٍ أوسع تنظيم العلاقة بين الملك و الشعب وبصورةٍ تحدُّ من سلطات الملك لصالح حقوق الشعب .و الجدير
ذكره أن الميثاقين المذكورين لم يصدرا إلا بعد ضغوطاتٍ كبيرة على الحاكم ،فما كان منه إلا أن أصدرها بشكل منحةٍ ،كما كان سائداً في الأساليب اللا ديمقراطية لنشأة الدساتير .و ما لا بدّ من ذكره هنا بأنّ تلك المواثيق كانت أقرب إلى المبادئ فوق الدستورية منها إلى الدستور .أنها كانت تصدر أساساً لحقبةٍ زمنيةٍ طويلةٍ و غير محددةٍ و تلزم بصيغتها الملك وكل الملوك بعده، وتتضمن حقوقاً أساسية .
لذلك كانت وثائق (الماغنا كارتا) تلك أساساً مؤثّراً في الكثير من الدساتير و وثائق و إعلانات حقوق الإنسان فيما بعد.
و يرى البعض الآخر أنّ ظهور تلك المبادئ ترافق مع أول ظهور و نشأة للدساتير ذاتها ، تلك الأخيرة التي هي بحدّ ذاتها موضع خلافٍ اختلاف ٍ في الآراء حول تاريخ نشأتها .فمنهم مثلاً من يعتبر الوثيقة التي أصدرها الرسول الكريم بشأن تنظيم الحياة في المدينة المنوّرة بعد الهجرة أوّل دستور. و آخرون يرون كما أسلفنا في وثائق العهد العظيم أولى الدساتير .
و هذا يدعونا إلى تبيان أن التناول الأول لمصطلح الدستور بالمفهوم السياسي كان من قِبل فلاسفة اليونان و أبرزهم أرسطو. إلا أنّ استخدام الدستور كمفهوم و مصطلحٍ حديث ارتبط بالنهضة الديمقراطية و تطور نظريات العقد الاجتماعي في اوربا .
ويبدو أنّ المبادئ فوق الدستوريه أخذت طابع الخصوصية و الأهمية و الوضوح الأكثر وفق المفهوم الغالب و الحديث لها ،بدءاً من ميثاق إعلان الاستقلال الأمريكي في الرابع من يوليو تموز )1776( والذي نصّ على جملةٍ من تلك المبادئ و التي و إن كانت تعتبر من حيث المبدأ حقوقاً بديهيةً و طبيعيّة كالحقّ في الحياة و الحرية و السعي وراء السعادة .إلا أنها أرست لأسسٍ و قواعد راسخة في بناء الديمقراطية و مفهومها الحقيقي.
كما ورد أيضا في ذلك الميثاق مبدأ هام .ألا و هو حق الثورة .ليكون بذلك أيضاً أساساً لمبدءٍ فوق دستوري للعديد من الدساتير الحالية و لا سيما للدساتير التي كانت وليدة الظلم و الاستبداد كالدستور الألماني الساري حالياً..
تبع ذلك الإعلان الأمريكي ،ميثاق حقوق الإنسان و المواطن الفرنسي عام (١٧٨٩) إبان الثورة الفرنسيّة .حيث ورد في الميثاق تأكيدٌ كبيرٌ لمفهوم المبادئ فوق الدستورية عبر التعهّد والتأكيد من خلال بنود الميثاق بالحفاظ على حقوق الإنسان مهما تغيّرت النظم و هذا ما ورد في صريح المادة الثانية منه (( إن هدف كل تجمّع سياسي هو الحفاظ على حقوق الإنسان الطبيعية ،غير القابلة للتقادم ، وهذه الحقوق هي حرية الملكية ، الأمن، مقاومة الطغيان
تلا ذلك صدور وثيقة الحقوق الأمريكية عام (١٧٩١) بتعديلاته العشرة لتتضمّن هي الأخرى العديد من المبادئ كالمساواة بين الناس و حق الحياة و الحرية . و بذات الاتجاه و التأكيد كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( ١٩٤٨).
إلى جانب ما ذكرناه من تطوّرٍ تاريخيٍّ للمبادئ فوق الدستورية و أنّها كانت بدرجةٍ أساس مضموناً لمواثيق و إعلانات حقوق عالمية .لا بدّ لنا من أن نسلّط الضوء أيضاً على فحوى آخر و صور أخرى للمبادئ فوق الدستورية .ألا وهي تلك التي يمكننا تسميتها بالمبادئ الخاصة أو الوطنية .سواءً أكانت مضمون وثيقةٍ مستقلة عن الدستور أو كانت مضمون دستور الدولة ذاته .
حيث تنهل معظم دول العالم من إعلانات الحقوق و المواثيق العالمية في بناء دساتيرها الوطنية .و بأشكالٍ مختلفةٍ ،فمنها ما تنصّ على بعض تلك المبادئ في دساتيرها كمواد دستورية إلى جانب مواد الدستور الأخرى و منها ما تذهب إلى أبعد من ذلك و تؤكّد على صبغتها فوق الدستوريه والخاصّة .و أيّاً كان الأمر ،فلا بدّ لنا في هذا الصدد من توضيح أمرٍ في غاية الأهمية ،ألا وهو أن ذاك النوع من المبادئ فوق الدستورية ذات الطابع العالمي أي نصوص الإعلانات و المواثيق العالمية ،سواءً وردت في دستور الدولة و بأي صفة أو لم ترد أصلاً .فإنها تبقى مواداً فوق دستورية ملزمة للدول و الشعوب و مصونة عالمياً .و ما أخذُ الدول بها و النصّ عليها أو على بعضها في دسانيرها إلا لتؤكد عليها في حاجتها و ظروفها إلى مثل تلك المواد أو المبادئ. أضف إلى ذلك ربّما أيضاً لتزيين دساتيرها بطابعٍ ديمقراطي ملفت و الظهور بمظهر الحرص على حقوق الإنسان و كرامته.
و بالعودة إلى ما ذكرناه من المبادى فوق الدستورية الخاصة أو التي ليست مجالاً لإعلانات الحقوق والمواثيق العالمية و إنمّا تكون لها علاقة مباشرة بمعاناة الدول الخاصة و ظروفها و أحوالها و بنفس الوقت لا تكون مخالفةً أو متعارضةً مع إعلانات الحقوق و لا ترتّب التزاماً من الدولة التي تعتمدها تجاه الخارج .
من تلك المبادئ الوطنية الخاصة التي يتم الاتفاق عليها بإعتبارها مبادئ فوق دستورية ،الطابع الجمهوري للدولة الخامسة لعام (١٩٥٨) و الساري تطبيقه حتى الآن..(( لا يجوز إجراء أي تعديل أو مواصلته في حال المساس بالوحدة الترابيّة .ولا يجوز تعديل الطابع الجمهوري للحكومة مثالاً .والذي اعتمده الفرنسيّون في
دستورهم مبدءاً فوق دستوري .حيث جاء في المادة (٨٩) من دستور الجمهورية )).
و من تلك المواد أيضاً المادة الخامسة من الدستور الأمريكي و الذي أُريد بها منح هالةٍ من القدسيّة للطابع الفيدرالي للولايات المتحدة الامريكية تعلو مبادئ الدستور العادية .حيث ورد في صريح المادة الخامسة من دستورها الحالي و المكتوب عام (١٧٨٩) …(( يقترح الكونغرس إذا رأى ثلثا أعضاء االمجلس ضرورةً لذلك تعديلات لهذا الدستور ………..شرط ألا تحرم أية ولاية دون موافقتها من حقّ الإقتراع في مجلس الشيوخ)).
و قد حرصت ألمانيا أيضا في بناء دستورها على مبادئ بمستوى فوق دستورية كتأكيدها أيضاً على فيدرالية ألمانيا عبر الفقرة الثالثة من المادة (٧٩) من الدستور الحالي و التي تنصّ.(( لا تقُبل أي تعديلات على هذا القانون الأساسي تؤثّر على تقسيم الاتحاد الى ولايات أو على المشاركة المبدئية في عملية التشريع ،أو على المبادئ الواردة في المادة (١) و المادة (٢٠).
ما يجدر بنا ملاحظته و الإشارة إليه هنا بعد هذا القدرٍ من التبيان لتطوّر هذه المبادئ و أمثلتها العالمية والخاصة إن هذه المبادئ كانت وليدة تجاربٍ و ظروفٍ خاصة عاشتها الدول و جاءت في معظمها عقب أزماتٍ و حروبٍ و ويلات لتؤكد الحاجة إليها و لأمدٍ طويلٍ، غير محدّد .ولا سيما تلك المبادئ ذات الطابع الوطني الخاص و لتكون بمنأى عن خضوعها و تعرّضها لأي تعديلٍ أو إلغاء كما هو حال مبادئ الدستور العادية حيث يمكن تعديل و إلغاء هذه الأخيرة بنوعٍ من اليسر متى توافقت إرادة و رغبة أغلبيةٍ شعبيةٍ أو برلمانيةٍ مع ذلك. وبصورةٍ شرعية خالصة و حقٍّ أصيل.
المبحث الثاني : في شرعية و مشروعيّة المبادئ فوق الدستوريّة و حجج مؤيّديها و معارضيها.
لعلّ توضيح شرعية و مشروعية هذه المبادئ بالمجمل ليس بالأمر الهيّن إطلاقاً . حيث حداثة المصطلح من ناحية وبالتالي شح المصادر و الدراسات و المراجع التي تتناول هذا الموضوع و تفصّله ،و كذلك سيطرة و طغيان الآيديولوجيات الحزبية و الفكر السياسي على معظم من بحث في هذا الموضوع سواءً بأسلوب السلب أو الإيجاب تجاهها ،كل تلك الأسباب جعلت وتجعل البحث في مسألة المشروعية أمراً بالغ الصعوبة.وقد تعود مبررّات صعوبة الخوض الدقيق في هذا الجانب أيضاً إلى خلط الدول في تجاربها السياسية بين ما هو دستوري من المواد و بين ما هو فوق دستوري ،فبعض الدول و الفقهاء و المعنيّون لا يعترفون بشيءٍ اسمه فوق دستوري كما سنفصّل تباعاً و بعضهم على العكس من ذلك يرون ضرورة إيلاء بعض المسائل طابعاً مميّزاً يصل مرتبة ما فوق مواد الدستور ،و هؤلاء ذاتهم قد يختلفون كثيراً في اعتبار مسألةٍ ما دستورية أو فوق دستورية في واقع دولةٍ ما .أيّ ما من معيارٍ دقيقٍ للفصل بين المواد الدستورية و المواد فوق الدستورية ،وما يكون فوق دستوري في بلدٍ ما قد يكون دستورياً في بلدٍ آخر حتى و لو كانت تعتمد المبادئ فوق الدستورية ،والعكس صحيح،
بالعودة إلى مسألة الشرعية والمشروعية بالنسبة للمبادئ فوق الدستورية .لا بدّ وقبل كل شيء من إعطاء فكرةٍ سريعةٍ عن معنى كل من الشرعية و المشروعية .وإن كان البعض لا يرى فرقاً بينهما .إلا أن غالب الفقه يرى وجوب التفريق بينهما. و أن ما يكون شرعياً ليس بالضرورة أن يكون مشروعاً و العكس صحيح ،فالشرعي هو مايستمدّ وجوده من الدستور أو القانون بينما المشروع هو ما يستمدّ وجوده و حقّه من الشعب ،فالسلطة الثورية تكون مثلاً غير شرعية ولكنها مشروعة لأنها مقبولة من الشعب ،و السلطة المستبدّة تكون شرعيةً لأنها تستمد حقها من الدستور أو القانون.
كما لا بدّ لنا من أن نوضّح بعض الشيء آليّة إقرار و إعتماد المبادئ فوق الدستورية .حيث تكون بعض المبادئ فوق الدستورية مصدرها الحاكم أو أسلوب المنحة كما أسلفنا ذكره حين الحديث عن الصور القديمة لتلك المبادئ و بعضها الآخر قد توضع من قٍبل فرقاء يمثّلون فئاتٍ و مكوّنات الدولة أو من قِبل جمعيةٍ أو هيئةٍ تأسيسيةٍ أو لجنةٍ حكومية و قد يجري عرضها على الشعب للاستفتاء عليها و إقرارها أو يتم إقرارها دون استفتاءٍ شعبي و هذا هو الغالب .
بعد ذلك التوضيح سنستعرض أبرز حجج المعارضين للمبادئ فوق الدستورية أولاً و من ثم ننتقل لأبرز حجج المؤيدين .
أولاً : في آراء المعارضين و حججهم .
قبل عرض تلك الحجج لا بدّ أن نشير الى أنّها وكما ذكرنا كانت أغلبها مبنيّة و متأثرة بطابعٍ سياسيٍّ و فكرٍ آيديولوجيٍّ مسبق . و تعالت أبرز أصوات أصحاب هذا الرأي المعارض بصورة واضحة بين الجماعات الإسلامية في كل من سوريا و مصر كجماعة الاخوان المسلمين و بين القوميين العرب في سوريا خاصةً ، حيث كانت تلك الاصوات في مصرعقب الإطاحة بحكم مرسي و استلام السيسي للسلطة و اصدار المجلس
العسكري في مصر إعلاناً دستورياً يتضمّن ما قالوا عنه مواداً فوق دستورية في آذار (٢٠١١) .و في سوريا خلال الأحداث الحاليّة و ظهور المنادين بمثل هكذا مبادئ .و الآن نبيّن أبرز تلك الحجج. 1- لا شيء يعلو فوق الدستور لأنه تعبيرٌ عن إرادة الشعب و لا شيء يعلو فوق إرادة الشعب فهو مصدر الشرعية لكل القوانين و وضع مثل تلك المبادئ لا سيما من قبل لجنةٍ منتخبةٍ أو معيّنةٍ و إقرارها دون طرحها للاستفتاء.انتهاكٌ كبيرٌ لإرادة الشعب و لا يصحّح عورة هذا الشيء حتى و إن طُرحت المبادئ للاستفتاء عليها لأن خصائص السموّ و الاطلاق و الدوام لتلك المبادئ تعطي لجيلٍ معينٍ فرض إرادته على الأجيال اللاحقة .و هذا غير جائز.
2- إن سنَّ مثل تلك المبادئ من قِبل لجنةٍ منتخبةٍ أو معيّنةٍ مجهولة الميول و التوجّهات من شأنه إرساء مبادئ قد لا تعبّر عن إرادة الشعب و إنما قد تكون لمصلحة فكرٍ معيّن او فئةٍ معيّنة .ما قد يشكّل خطراً على إرادة الشعب و تسلّل فئة لا تعبّر عن رغبة الشعب و ارادته ،و قد تكون هي ذاتها التي انقلب عليها الشعب و أسقطها.
3- إن من ييدون مثل هذه المبادئ و يقرّون بشرعيتها رغم أنها ذات طابعٍ دائمٍ و مطلق ولا تسقط بسقوط الدستور .يعطون لهذه المبادئ صفة الصلاح العام لكلّ زمانٍ و مكان و هذه صفة لا تليق إلا بالذات الإلهيّة .كما أنّ من شأن هذه المبادئ فرض إرادة جيلٍ كما أسلفنا على جيلٍ آخر لم يمارس حقّ الاستفتاء على تلك المبادئ.
4- إن كان ثمّة مبادئ موجودة تعلو و تفوق الدستور و لا بدّ .فالأولى أن تكون أحكام الشرائع السماويّة ،فهي وحدها وفق رأي البعض تعلو فوق الدستور .ولا مانع فيها وحدها أن تكون فوق دستورية.
من شأن هذه المبادئ خلق أزماتٍ و أجواءٍ من عدم الاستقرار و دافعاً قوّياً للثورات و الاضطرابات داخل البلاد التي تعتمدها كونها محصّنةً ضدّ التعديل والإلغاء و بالتالي فقد تعيق يوماً أرادة الشعب فتثور عليها .
تلك كانت أبرز سهام النقد الموجّهة للمبادئ فوق الدستورية .و التي قد تبدو للوهلة الأولى مقنعةً و منطقيةً و جديرةً بالاعتبار .إلا أن التمعّن في حجج المؤيدين لمثل تلك المبادئ و أنا منهم تجعلها دون ذات اعتبار كبير .و تلك أبرزها.
ثانيا – في اراء المؤيدين و حججهم .
1- إن بناء أيّ دستورٍ للبلاد (وبالطبع المقصود هنا الأساليب الديمقراطية في بناء الدساتير) يكون تعبيراً عن رأي الأغلبية و كذلك تعديله و إلغائه ،حيث ليس بالضرورة أن يعبّر عن أراء و حقوق كافة فئات المجتمع و تحديداً الأقليّات العرقية والدينية أو المذهبية و ما شابههم ،و في هذه الحالة ألا نكون من حيث الواقع أمام لا ديمقراطيةٍ حقيقية أو أمام ديمقراطيّةٍ ناقصة أو عرجاء مشوبة بنكران بعض الحقوق لبعض الفئات مع أنّ ظاهر الحال يقول بأن الديمقراطية قد مورست .و ما المانع حينها أمام عجز الدستور و كونه عرضةً في النتيجة تعديلاً و إلغاءً لحكم و تحكّم إما الأغلبية أو لإستبداد سلطةٍ سياسية ما في أيّ وقت .و بالمقابل ما المانع من وجود مبادئ فوق دستورية على تلك الدرجة من السموّ و الدوام لتكون مكمّلةً لسدّ ذلك القصور أو النقص الديمقراطي .طالما أنّ الأغلبية و ممثّليها يشاركون أصلاً و مع الجميع في وضع مثل تلك المبادئ و التوافق عليها . و تستطيع بدايةً رفضها إن كانت تمثّل خطراً على حقوقها أو كانت لديها مخاوف جدٍيّة إزاءها.
2- فيما يتعلّق بما ذهب اليه الرأي المعارض لتاك المبادئ بأنّ من شأنها المساس بإرادة الأجيال اللاحقة أو سلبها ،كونها كانت بناءً على اتفاقٍ لا دخل لإرادتهم فيه و لم يكونوا طرفاً فيه .يمكن الردّ على ذلك بأنّ إعلانات الحقوق و التي هي مبادئ فوق دستورية و أساساً لمعظم الدساتير و مبادئها لمئات السنين ،لهو أكبر برهانٍ و ردّ على أصحاب هذا الرأي .و يثبت بأنّ مثل هذه المبادئ وضعت لأصل و غايات ضمان كرامة الانسان و سبل العيش المشترك بين فئاتٍ اجتماعيةٍ متنوّعة فرضت عليها جغرافيا محدّدة أو واقع سياسي العيش معاً..فمبادئ المساواة و الحرية و الحياة و الفيدرالية و منع الاستبداد لا يمكن أن تكون يوماً مناسبة رفضٍ أو سلبٍ لإرادة فردٍ ما.
3- إن المخاوف من احتمالية أن تكون تلك المبادئ ذات توجّهٍ فئوي أو تسلل أقليةٍ مستبدة تحكم الأغلبية تسقط و تصبح دون قيمة إذا ما علمنا أنّ تلك المبادئ لا يجوز لها أن تخالف إعلانات الحقوق و المواثيق الدولية من جهة و من جهةٍ أخرى فإن عدم وجود مثل تلك المبادئ هو الذي يمكن أن يثير مثل تلك المخاوف ،حيث من الممكن حينها في ظل غياب مثل تلك المبادئ الرادعة أن تكون الأجواء مهيّئةً لعودة و تسلّل الاستبداد الى السلطة . بدليل أن الدستور الألماني كان حريصاً على نصٍّ فوق دستوري في هذا الشأن .عبر المادة (٧٩) من دستورها الحالي فمنعت المساس بالفقرة الرابعة من المادة (٢٠) التي تنص (( يحقّ لكافة المواطنين مقاومة كل من يحاول القضاء على هذا النظام اذا لم يمكن منعه من ذلك بالوسائل الأخرى )) و ذلك تحسّباً لأي عودة محتملة للاستبداد بعد معاناتها الكبيرة من الحكم النازي.
4- أما بخصوص الرد على بعض المعارضين لتلك المبادئ والذين كما ذكرنا إنّ أغلبهم يرفضون هذه المبادئ سنداً لحججٍ مبنيّةٍ على أن ّ تلك المبادئ لا تتوافق مع عقائدهم و آيديولوجيتهم و أن لا مانع لديهم من أيّ مبدأ
فوق دستوري يتوافق مع تلك العقيدة أو الايديوجية كقبول الجماعة الإسلامية في مصر بمبادئ الشريعة الإسلامية مبادئ فوق دستورية ..صراحةً بعد هذا التوضيح أرى أن الموضوع لم يعد بحاجةٍ الى ردٍ آخر
في خلاصة هذا المبحث أقول أن الأقلية في أيّ دولة هي التي من المفترض أن تتوجّس من احتمال المساس بحقوقها أو تعرّضها للانتهاك سواءً من قبل سلطةٍ أو استبداد أقليةٍ أخرى أو من قبل الأغلبية ،و حتى الأغلبية من الممكن أن تكون عرضةً لتسلًط الأقلية كما حدث في سوريا طوال السنوات الماضية ،إلا أن ذلك لم يكن في ظل وجود مبادئ فوق دستورية .بل ربما كان من الممكن منع حدوث ذلك لو وُجدت مثل تلك المبادئ ،حيث قد يقول قائل أن الاستبداد لا يمكن ان تردعه كل القوانين والمبادئ حتى و لو كانت فوق دستورية .والاجابة على ذلك تكون بأن دور و أهمية هذه المبادئ يكمن في انّها مانعة لوصول و تسلل الاستبداد من الأساس..
المبحث الثالث:في أهميّة المبادئ فوق الدستورية للدولة السوريّة و أهمها.
إن واقع المجتمع السوري وتركيبته منذ نشوء ما يسمّى بدولة سوريا في آذار 1920 ليس بخافٍ على أحد .من حيث كونه مزيج اجتماعي يضمّ تنوّعاً عرقياً و دينيّاً و طائفياً و مذهبياً قلّ مثيله في أية دولةٍ أخرى .فالعرب و الكرد و التركمان و الشركس كقومياتٍ و أعراق و المسلمون و المسيحيّون و الازيديون كدين ،و السنة و الشيعة و العلويون و الدروز و الاسماعيليون كطوائف و داخلها مذاهب .كل هؤلاء ولربما سهوت عن ذكر بعضهم .
ذلك التنوّع في الدين و المعتقد واللغة و حتى العادات و التقاليد يجعل من وجود جملةٍ من الضوابط و الآليات تحكم علاقتهم و تصون و تحفظ حقوقهم و تؤمّن لهم السلم والعيش المشترك أمراً في منتهى الإلحاح والضرورة ،بحيث لا تستقوي جماعةٌ أو فئةٌ على أخرى في فترةٍ ما. ولا سيما أنّ الأزمة أو الثورة أو الأحداث التي بدأت في 15/3/2011 تحولت فيما بعد الى صراعٍ مسلّحٍ شرسٍ لا يزال. أحدث كل ذلك شرخاً اجتماعياً هائلاً و مرعباً و فجوةً بين المكوّنات و أجواءً من عدم الثقة و الشكّ و الأحقاد ،لن يلتئم لكثيرٍ من السنوات المقبلة .كما نمت عقلية الثأر و الاستئثار بالسلطة و كل شئٍ في البلاد .
في جانبٍ آخر فإن الفكر السائد لدى الشعوب و المجتمعات بأنّ الدستور هو القانون الأعلى و الأسمى من ناحية و حداثة المبادئ فوق الدستورية كمصطلح رغم قدمها مفهوماً كما أوضحنا و بالتالي غموضها للكثيرين و ندرة اللجوء اليها تحت ذاك المسمى .كل تلك الأمور و الأسباب تجعل من طرح تلك المبادئ و إقناع الآخرين بها أمراً صعباً جداً .فغالباً ما تجابه بالرفض القاطع لمجرّد ذكرها و عدم تقبّلها بدايةً .وهذا هو المشهد تماماً حتى الآن في أجواء السعي من اجل الحل و انهاء الأزمة .بالمقابل نرى و أمام كل تلك المعطيات و كل ما سبق من توضيح للمبادئ فوق الدستورية بأنّه إن كان هنا ثمّة ضرورة لتطبيق مثل تلك المبادئ فهي الحالة السورية ،فسوريا هي االبيئة الأكثر خصوبةً و إلحاحاً لمثل تلك المبادئ .بل وخير تعبيرٍ و مثالٍ لتطبييق مثل هذه المبادئ .
و مهما يكن الأمر فالواقع السوري بحاجةٍ الى حلولٍ جدّيةٍ اذا ما أردنا الحفاظ على وحدة سوريا جغرافياً بالدرجة الأولى و صونها من التجزئة و التفكّك .لذا فلعلّ الضالّة الوحيدة للوصول الى ذلك تكمن في موضوع بحثنا هذا ألا وهي المبادئ فوق الدستورية .
فالدستور بطبيعته و خصائصه من خلال النظر فيه يثبت أنه عاجزٌ عن ضمان ذلك .حيث بإمكان أيّ أغلبيةٍ أو سلطة و في أيّ لحظةٍ تعديل ما تشاء من مواد الدستور وايضاً إلغائه.
لذا فالحاجة تقتضي وجود مبادئ محصّنة من كلّ ذلك و على درجةٍ كبيرةٍ من القدسية والاطلاق والدوام لسدّ كل ذلك .فكانت المبادئ فوق الدستورية بذلك هو الأمر الأكثر إلحاحاً في الواقع السوري .بل يمكن اعتباره ركناً رابعاً من أركان وجود الدولة السورية إلى جانب الأرض و السيادة و الشعب .
كلّ تلك الحسابات أوصلت بعض الفئات كالأكراد في سوريا إلى قناعةٍ مفادها استحالة قيام قائمةٍ لدولةٍ سوريّة بحدودها الحالية إن غابت عنها هذه المبادئ .
لذلك فالحرص شديدٌ على مثل هذه المبادئ و التمسّك بها و عدم التخلّي عنها يُقابله تعنّتٌ و رفضٌ متفاوتٌ في شدته لهذا النوع من المبادئ و أكثر الأصوات الرافضة هي كما ذكرنا عائدةٌ لآيديولوجياتٍ و فكرٍ مسبقٍ مثل الجماعات الإسلامية و بعض القوميين العرب .
و عندما نتحدث عن مثل تلك المبادئ وضرورتها في سوريا فإنما نقصد بالدرجة الأولى تلك المبادئ التي أسميناها بالمحليّة او الوطنية و التي تخصّ ظروف و واقع دولةٍ بذاتها .كون المبادئ العالمية سبق و أشرنا أنّها مصونةٌ و محفوظةٌ قدراً ما ،
في الوقت ذاته ،لا يجب التوسّع في تلك المبادئ بل يجب انتقاءها بدقّةٍ و عنايةٍ بالغتين ،و لمقتضياتٍ هامةٍ و ضروراتٍ يعجز الدستور عن ضمانها و حفظها .و لتفادي الانتقادات التي ذكرناها.
و لعلّ ابرز مقتضيات الوضع السوري و التي تستوجب مبادئ بمستوى فوق دستوري بشأنها هي :
١- شكل الدولة و نظام الحكم فيها.
٢- حقوق مكوّنات الدولة و فئاتها.
٣- الإعتراف دستورياً بالمكونات الأساسية و بأنّها تعيش على أرضها التاريخية..
٤- فصل الدين عن الدولة .
٥- الاستقلال الكامل للقضاء.
و الآن سنكتفي بأخذ واحدةٍ من تلك المواضيع أعلاها لتكون مناسبةًً لمبدأ فوق دستوري و لتبيان أهميتها و آسبابها و آثارها .و إعطاء فكرةٍ من خلالها عن أهمية المواضيع الأخرى و حالات اللجوء الى مثل هذه المبادئ.
في شكل الدولة و نظام الحكم فيها.
أولاً- في شكل الدولة:
المعروف أنّ الدولة تنقسم في شكلها إلى ما بين دولٍ موحّدةٍ أو بسيطة و دولٍ مركّبةٍ أو معقّدة .
والبسيطة تكون ذات سيادةٍ موحّدةٍ و سلطةٍ واحدة و وحدةٍ بشريةٍ متجانسة و وحدة الدستور و التشريعات و الإقليم و الجنسية و لا يشترط لها نظام حكمٍ معين.فقد يكون ملكيّاً أو جمهورياً.
أمّا المركّبة أو المعقّدة او الاتحاديّة فيقصد بها اتحاد دولتين أو أكثر بحيث تخضع لسلطةٍ سياسيةٍ مشتركة و هي ذات أشكالٍ متعددةٍ .حيث هناك الاتحاد الشخصي و الاتحاد التعاهدي و الاتحاد الفعلي و الاتحاد الفيدرالي.
تلك فكرةٌ موجزة عن أشكال الدول ،وهي ليست هنا بموضوع بحثنا و ما يهمنا منها فقط الإنتقاء الأمثل للشكل الذي يناسب طبيعة الوضع السوري و تركيبته .حيث يتبين لنا من خلال دراسة تلك الأشكال و فهمها .أنّ الشكل الأخير من تلك الأشكال و هو الاتحاد الفيدرالي .و الذي يعني بإيجاز وجود نظامٍ سياسيٍّ قائمٍ على بناء علاقات تكاملٍ محل علاقات تبعية بين عدة دول أو أقاليم أو ولايات أو امارات و يربطها اتحاد مركزي على أساس الاعتراف بوجود حكومةٍ مركزية لكلّ الدول أو الأقاليم الاتحادية و حكومة ذانية للولايات و المقاطعات ضمن الولة ككل ،و بتوزيع السلطات بين الحكومات الإقليمية و المركزيّة .لاحظناه الشكل الأقرب و الأنسب ليكون شكلاً للدولة السورية القادمة و النصّ على ذلك بمبدأ فوق دستوري للأسباب و الموجبات التالية .
1- الإنقسام الحالي للبلاد و حالة التفكّك المجتمعي و النفسي التي خلّفتها الحرب القائمة لن يعيد توحيدها إلا نظامٌ فيدراليٌّ يحفظ لكل مكوّنٍ حقوقه و إدارة شؤونه في ظلّ كما ذكرنا غياب الثقة و الشرخ الهائل و الفجوات المجتمعيّة التي وصلت حدّ الإنقسام و الإنفصال . و ليس من حلٍّ للحفاظ على وحدة البلاد إلا عبر فدرلتها.
2- التنمية المحلية :حيث من شأن الفيدرالية و طبيعتها زيادة إحساس و شعور كلّ فردٍ من الإقليم الفيدرالي بالمسؤولية في إدارة شؤونهم الخاصة بأيديهم و قربهم من ذلك و زيادة الفاعلّية وبالنتيجة تحقيق التنمية الشاملة.
3- غياب البديل الأمثل عن الإنقسام و الإنفصال .و هي مناسبةٌ للردّ على من يرون في المطالبة بالفيدرالية بأنّها مطيّةٌ أو تمهيداً للإنفصال و التقسيم .بينما الحقيقة خلاف ذلك تماماً .فالفيدرالية حلٌّ لبقاء وحدة البلاد لا تقسيمها ،ولا سيما أن البلاد بلغت مرحلةً توجب و تستدعي التفكّك و التجزئة و استحالة العيش المشترك على أساس الواقع السياسي و شكل الدولة و دستورها القائم .حيث يرى الدكتور عمر عوض الله جعيد مدير مركز الفيدرالية للبحوث بأن النظام الفيدرالي هو شكلٌ من أشكال التسويات السياسية و طريقةٌ ديمقراطيةٌ في إدارة الشأن العام و تضمن تمثيلاً نسبياً للأقليات مقارنةً بالأغلبية و هو حلٌّ سحريٌ للنزاعات في المجتمعات المتعددة دينيّاً و قوميّاً بل حتى في البلدان المتجانسة نسبيّاً و هي أيضاً طريقة لمعالجة التفاوت الاقتصادي بين ولايات البلد الواحد.
ثانيا- في نظام الحكم :
لا شكّ أنّ نظام الحكم السائد في الكثير من الدول هما النظامان الملكي و الجمهوري .و قد أثبتت التجارب و النظر إلى طبيعة الحكم في كلٍّ منهما أنّ النظام الجمهوري هو الأقرب إلى الديمقراطية من النظام الملكي .
و النظام الجمهوري ينقسم بدوره الى نظامين هما النظام الرئاسي و النظام البرلماني . و بالبحث في كلٍّ من الملكي والجمهوري من ناحية و البرلماني و الرئاسي من ناحيةٍ أخرى و عكسها و اسقاطها على الواقع السوري .نجد أن النظام الجمهوري البرلماني هو الأجدر بأن يكون و بمبدأ فوق دستوري قائماً في سوريا للأسباب التالية.
1- ازدواجية الجهاز التنفيذي ممثّلاً برئيس الدولة و رئيس الحكومة تخلق نوعاً من المسؤولية التضامنية على
عاتق الوزارة ككل أمام البرلمان و المسؤولية السياسية أيضاً.و تسحب الكثير من الامتيازات من رئيس الدولة و زوال عوامل الخشية بالتالي من أي احتكارٍ أو تفرّدٍ بالسلطة .
2- خلق نوع من التوازن بين السلطات و بمرونةٍ و دون جمود .حيث لكل سلطةٍ بشكلٍ أو بآخر نوعُ من التحكّم في الآخر .فالحكومة لها الحقّ في دعوة البرلمان للانعقاد والحقّ في حلّه و كذلك بالمقابل يكون للبرلمان الحقّ في استجواب الوزراء و حجب الثقة عنهم .
3- من خلال السببين السابقين نستخلص أمراً هاماً جداً يرسّخ ضرورة الحاجة لمبادئ فوق دستورية لأجل هذا النظام و هو أنه هذا النظام يحقّق درجةً عالية من الديمقراطية و يمنع الاستبداد.
4- يدعم هذا النظام بالشكل الذي ذكرناه وحدة السيادة في الدولة و لا سيما في النظام الفيدرالي البرلماني .سواءً من خلال ذلك الأسلوب من التوزيع و التنسيق بين السلطات في السلطة المركزية و على صعيد سلطة الولايات
5- أنه النظام الأمثل في ظل الموجود من الأنظمة و نماذجها و أكثر ما يهمّنا فيه أنه يحول دون احتكار السلطة و الاستبداد في الدولة و هي إحدى أبرز الضرورات للواقع السوري.
نكتفي بهذا القدر و سنسعى في مناسباتٍ قادمة تناول المواضيع الأخرى التي تتطلّب أن تكون جديرة بمواد فوق دستورية.
خاتمة
حاولت قدر الإمكان إعطاء القارئ الكريم فكرةً كافية عن ماهية و مفهوم المبادئ فوق الدستورية و نشأتها و مراحل تطورها و مدى أهميتها في حياة بعض الدول و أزماتها و لا سيما الواقع السوري .
كما سعيت من خلال كل ذلك و بحرصٍ على الحيادية و تبيان موقفي و الآراء المنتقدة لتلك المبادئ .و بصورةٍ تمكّن القارئ من المقارنة و بناء موقفه تجاه تلك المبادئ .
و أرجو في النهاية أن تجد تلك المبادئ طريقاً لها و حصةً في أيّ اتفاقٍ او توافقٍ او حلٍّ سياسيٍّ قادمٍ لسوريا لأنها إحدى الموجبات الكفيلة ببقاء سوريا بحدودها الحالية و أؤكد على اعتبارها ركناً رابعاً من أركان الدولة السورية