وافقت تركيا على عقد مؤتمر الرياض وعلى تغيير تركيبة الهيئة العليا للمفاوضات واستبدالها بجسم جديد يضم منصتي القاهرة وموسكو بالاضافة لممثلين عن شخصيات وطنية مستقلة وتيارات سياسية وفعاليات اجتماعية وثقافية، بشرط استبعاد الادارة الذاتية الديموقراطية والاتحاد الديموقراطي (PYD) من الحضور. كما طالبت تركيا في ذات الوقت من الائتلاف السوري (الذي يضم المجلس الوطني الكوردي ENKS) لحضور مؤتمر حميميم لقاء عدم دعوة ممثلين عن الاتحاد الديموقراطي والادارة الذاتية القائمة أيضاً، جاء ذلك بعد سماح روسيا بتدخل تركيا عسكرياً في إدلب لمحاصرة عفرين وبالتالي تقويض المساعي لربط الكانتونات الثلاث وايصالها للبحر المتوسط.

تتوجس تركيا من مشروع الدستور الذي قدمته روسيا على أساس لامركزية الدولة (الفدرالية) والاعتراف بالادارة الذاتية القائمة في شمال سوريا- روژآڤا، ورفض موسكو تصنيف الـ PYD كمنظمة إرهابية، ودعوة بوتين لعقد “مؤتمر شعوب سوريا” يضم ممثلي كافة المجموعات الأثنية والدينية من المعارضة والموالاة والـ PYD من المدعويين الأساسيين.

ولأجل انجاح مؤتمر شعوب سوريا وارضاء لرغبة تركيا ومطالب المعارضة القوموية الاسلاموية (ضمن صفقات دولية) قررت روسيا عقد المؤتمر في مدينة سوتشي الروسية باسم المؤتمر الوطني السوري (الشعب السوري) بعد رعايتها للقاء برلين التشاوري أواسط الشهر الجاري بدعوة للتحالف الوطني الديمقراطي السوري.

فشلت سياسات تركيا في سوريا بالرغم من مراهناتها ومناوراتها وصفقاتها، وخياراتها باتت محدودة مع تطورات الأحداث ووصول لقاءات آستانا وجنيف إلى حلقاتها الأخيرة وبلوغ غاياتها وأداء مهماتها ألا وهي انهاء المعارضات العسكرية والسياسية عبر تفكيكها وإعادة تأطيرها، والتهيئة العملية لتنفيذ القرار الأممي 2254 على الأرض عبر مساراتها،  وانهاء حالة الحرب كلياً بعد القضاء على المنظمات الإرهابية (لا سيماد داعش والنصرة وأخواتهما) التي كانت تركيا تقف وراء تعاظمها فتدعمها وتسلحها وتسهل مرورها كي تستخدمها في فرض أجنداتها في سوريا، وهي تغيير النظام الحاكم وفق مقاساتها ومصالحها، ومنع الكورد من تحقيق أية مكاسب قومية على حدودها.

وايران الحليفة الرئيسية لروسيا والمتفقة  معها على سياساتها في سوريا، لكنها تتوجس مثل تركيا كموقفها المساير للطلب الإسرائيلي-الأمريكي بإنهاء نفوذ ايران وتحجيم دورها في سوريا بعد الأزمة، وتتطابق موقفها مع تركيا تجاه شكل الحكم ودور الكورد في سوريا المستقبل كما تطرحهما وتسعى لتطبيقهما، ووجود الإدارة الذاتية كمشروع قائم ينفذه الكورد على الشريط الحدودي الواصل إلى البحر بدعم وتنسيق مع الحلفاء وروسيا. 

والكورد في سوريا بمختلف أطرهم معنيون أكثر من غيرهم بقراءة دقيقة وعميقة للتغيرات والترتيبات و الاصطفافات التي ستحصل بعد انهاء داعش الإرهابية، وعليهم دراسة وتفهم التجاذبات والاستقطابات الجارية بين جميع الأطراف المعنية على كافة الأصعدة لئلا تصبح ضحية اتفاقاتها وصفقاتها وتتكرر المآسي والكوارث، وأهم عوامل القوة لديهم هي ترتيب البيت الكوردي وصيانته وتقويته بوحدة الصف والخطاب وتوطيد أواصر الإخوّة والشراكة الحقيقية مع باقي مكونات الوطن، وتوثيق العلاقات مع دول الحلفاء التي تشترك وتنسق معها في محاربة داعش وفق أسس واضحة ومعلنة،  فأحداث كوردستان العراق الأخيرة تجربة مريرة ماثلة للعيان وقائمة في الأذهان وناقوس يدق في عالم النسيان.

خلافات أمريكا وروسيا على تقاسم النفوذ، وشكل الدولة الجديدة وطبيعة الحكم فيها، ومصير الأسد ومؤسسات نظامه في المرحلة الانتقالية والنهائية، وأولويات المهام المراد تنفيذها قبل الوصول إلى الحلول النهائية، ومحاولات كل منهما في ابراز أوراقه لفرض مشروعه، تجعل علاقاتهما في حالة شد وجذب تنذر بإطالة أمد الأزمة وحصول صفقات مفاجئة ومؤلمة تودي بأحلام وآمال العديد من القوى(كتركيا مثلاً) التي راهنت على تنافسهما  ولعبت على تناقضاتهما فعقدت اتفاقات أمنية وعسكرية مع الطرفين لتمرير تكتيكات محددة ومؤقتة تزول بزوال سوء التفاهم بينهما، وهو الذي سيحصل ، لأن الاختلاف في المظاهر والوسائل والأساليب لا تنفي ولا تلغي الاتفاق على الغايات والمصالح الاستراتيجية.

وفي سياق تنافس الدولتين فان روسيا تطرح “مؤتمر شعوب سوريا” لتكون بديلاً عن مخرجات مؤتمرات جنيف المتفقة عليها، كما أنها تستغل حضورها العسكري على الأرض لفرض بعض الشروط على أمريكا، التي بدورها تسعى لإعادة احياء مؤتمر رياض أو عقد كونفراس خاص بسوريا على أراضيها، والإصرار على استمرار دي مستورا في مهامه كموفد أممي تحت غطاء دولي واعتبار لقاءات جنيف المرجعية الأساسية لحل الأزمة السورية بتحديد موعد قريب لجولة مفاوضات جديدة ، وإلغاء أي مشروع بديل عنها.

رغم تعقيدات الأمور وتشابك المصالح وتضارب الأجندات بين جميع  أطراف الصراع في وعلى سوريا (بالرغم من قوتها وأهميتها كايران وتركيا والمحور العربي) فإنها محكومة بالتفاهمات النهائية بين القطبين الكبيرين روسيا وأمريكا، والأخيرة هي الأقوى والأوفر حظاً في تنفيذ مشروعها الخاص بالشرق الأوسط، باعادة رسم خارطته السياسية بما تضمن مصالحها الحيوية وأمن حلفائها وفي مقدمتهم اسرائيل، و الشاطر و الفائز هو من يحافظ على وجوده وثوابته ويحقق أهدافه بالتقاطع مع تلك المصالح.

yekiti