الكورد أمة من أقدم وأعظم أمم غرب آسيا إذ يؤرخ للتواجد الكردي (427-355) قبل الميلاد وتبلغ المساحة الجغرافية لهذه الأمة ما بين 409650كم2 – 500.000 كم2 وهي مساحة تزيد على مساحة العراق وتبلغ نصف مساحة إيران، لكن هذه الجغرافيا المترامية تتوزع بين عدد من الدول الإقليمية المحيطة والمجاورة لكوردستان الكبرى (194,400 كم2 في تركيا ، 124,950 كم2 في إيران، 72,000 كم2 في العراق، سوريا 23,000 كم2 تقديريا).
هذه الجغرافية المقسمة بين الدول الإقليمية المشار إليها آنفا ينتمي إليها ما بين 30-35 مليون مواطن كوردي.
لن نبحث في أعماق التاريخ الكوردي وقيام إمارات وممالك وإمبراطوريات كوردية فهذه صفحات تاريخية شديدة القدم إنما سنناقش في هذه الورقة باختصار شديد وضع كوردستان الكبرى ما بعد اتفاقية سايكس بيكو 1918 ومؤتمر الصلح في باريس 1919 واتفاقية سيفر 1920 ومؤتمر لندن 1921، ومؤتمر لوزان 1923.
حاول الكورد التقرب من بريطانيا إذ أجري الدبلوماسي الكوردي شريف باشا اتصالات مع الانجليز عام 1914 وعرض عليهم خدماته لكن الانجليز لم يستجيبوا له إلا بعد احتلالهم للعراق عام 1918 إذ التقى السفير بيرسي كوكس بشريف باشا لكن كوكس اكتفى بالاستماع فقط.
في عام 1916 تمخضت اجتماعات وزراء خارجية روسيا وبريطانيا وفرنسا عن ما عرف باتفاقية سايكس بيكو والتي تضمنت تقسيم تركة الدولة العثمانية التي أصبحت هزيمتها وحليفتها ألمانيا تلوح في الأفق وبما أن القسم الأكبر من كوردستان الكبرى كان خاضعا لسيطرة الدولة العثمانية فقد شمله التقسيم دون مراعاة للخاصية القومية للأمة الكوردية، لكن بالرغم من أن هذه الاتفاقية قد أحبطت آمال الكورد في تحقيق حلم قيام وطن قومي موحد إلا أن جهودهم (الكورد) تواصلت لتحقيق هذا الحلم الجميل، فقد بذلوا جهودا مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، إذ خولت العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلها وطرح مطالب الكرد المشروعة على المؤتمر. وقد قدم شريف باشا خريطتين لكوردستان الأولى في 21/3/1919 والثانية في 1/3/1920 وطلب من رئاسة المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط حدود الإقليم الذي تتواجد فيه كوردستان وفقا لمبدأ القوميات لتصبح كوردستان تشمل المناطق التي تقطنها أغلبية قومية كردية لكن بالرغم من إدانة رئيس مؤتمر الصلح جورج كليمنصو لتصرفات الدولة التركية تجاه الأقليات العرقية إلا أن الوضع لم يتغير بالنسبة للكورد غير أن تطورا فريدا حدث لصالح القضية الكردية في معاهدة سيفر 1920 إذ نصت هذه الاتفاقية على تحقيق حل المشكلة الكوردية على مراحل وإذا اجتاز الكورد هذه المراحل وطالبوا بالاستقلال ورأت دول الحلفاء أهلية الكرد لذلك فإن الاستقلال يصبح أمرا واقعيا وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك وهذا أول اعتراف دولي بحق الشعب الكردي في تقرير المصير لكن معاهدة سيفر التي وصفها مصطفى كمال أتاتورك بأنها بمثابة حكم إعدام على تركيا لم تتم ترجمة كلماتها إلى أفعال بل أن تركيا نجحت في مؤتمر لندن 1921 بمنع المؤتمر من اتخاذ قرارات تنزع سيطرتها عن الأقليات القومية وأهمها الكرد ليس هذا فحسب بل أن الحكومة التركية ألغت التزاماتها باتفاقية سيفر ونجحت في معاهدة لوزان 1923 بأن تعطي وعودا بمنح سكان تركيا الحماية التامة والحريات دون تمييز ولم تتم الإشارة إلى الكرد الذين اعتبروا هذه الاتفاقية ضربة قاسية لطموحاتهم القومية.
يتضح من الاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات المشار إليها آنفا أن دول التحالف الغربي (فرنسا، بريطانيا) التي هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وتقاسمت تركتها من الأقاليم والدول قد حرمت الكرد من الحق في تقرير المصير، بل إن الدول الغربية التي أبقت على كردستان إيران على وضعها الذي تكرّس بعد معركة جالديران (1514) بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية فإنها (الدول الغربية) جزأت التركة الكردية من الدولة العثمانية ما بين عدة دول مجاورة (تركيا- العراق- سوريا). وهنا نتساءل إذا كان الحلفاء الغربيون قد تقاسموا تركة الدولة العثمانية فيما بينهم فلماذا قسموا كردستان الكبرى بين دول الجوار وإذا كانت تجزئة كردستان الكبرى سابقة للتوغل الغربي في الشرق الأوسط فلماذا لم يأخذ الحلفاء مطالب الكرد بقيام وطن قومي كوردي على كل الأراضي التي تتواجد فيها أغلبية كوردية بعين الاعتبار؟ إن عدم قيام وطن قومي كردي موحد في العصور السابقة للتوغل الغربي ليس مبررا منطقيا لحرمان الأمة الكردية من حقها في تقرير مصيرها وإذا كان مفهوما الإبقاء على تبعية المناطق ذات الأغلبية الكردية في العراق وسوريا لحكومات هاتين الدولتين واللتين كانتا من تركات الدولة العثمانية فلماذا لم يجبر الحلفاء المنتصرون تركيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى على رفع يدها عن المناطق ذات الأغلبية الكوردية والتي كانت هي محور المطالب القومية للزعامات الكوردية؟
باعتقادنا أن الحلفاء فضلوا تجزئة كوردستان الكبرى جغرافيا وسكانيا إلى ما هو أسوأ مما كان عليه الوضع قبل التوغل الغربي ربما للأسباب التي تطرقت لها اتفاقية سيفر 1920 وهي عدم الأهلية السياسية وتجنبا لإستفزاز القوتين الإقليميتين الكبيرتين تركيا وإيران .
لقد جرت بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) أكثر من محاولة كوردية لتغيير الأمر الواقع وقد يكون من أهمها قيام قاضي محمد ومصطفى البارزاني بإعلان استقلال جمهورية ماهباد في 22 يناير 1946 في كوردستان إيران، لكن عمر هذه الدولة لم يدم أكثر من 11 شهرا ودفع قاضي محمد حياته ثمنا لذلك حيث تم إعدامه.
في العراق خاض الكورد صراعات مسلحة ضد سيطرة حكومة بغداد وبعد عقدين من الصراع المسلح توصل الطرفان العراقي العربي والكوردي إلى اتفاقية 11 آذار 1970 للحكم الذاتي لكوردستان لكن يبدو أن طرفي الاتفاقية لم يلتزما بتنفيذها إذ تجددت المعارك بدعم إيراني للكورد لم يتوقف إلا بعد توقيع العراق وإيران على اتفاقية الجزائر في 6 آذار 1975 مما أدى إلى انهيار التمرد الكوردي لكن الحرب الثالثة ما بين الحكومة العراقية والكورد تجددت بعد نشوب الحرب بين العراق وإيران سبتمبر 1980 والتي استمرت ثمانية أعوام غير أن انشغال حكومة صدام حسين في الحرب مع إيران لم يشغلها عن قمع التمردات الكوردية. ولم يتسن للكورد العراقيين أن يتنفسوا الصعداء إلا بعد هزيمة جيش صدام حسين في حرب تحرير الكويت في 1991 إذ انتفض شمال وجنوب العراق ضد نظام صدام الذي كان رد فعله جهنميا غير أن قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وفرت للكورد حماية عسكرية أتاحت لهم أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وقد تعزز هذا الوضع بعد اجتياح الأمريكيين والبريطانيين للعراق في 9/ابريل/2003 إذ أصبح إقليم كردستان أشبه ما يكون بالدولة المستقلة وقد أدى اجتياح ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلى تمكين أكراد العراق من بسط نفوذهم على المناطق المتنازع عليها مع حكومة بغداد مثل كركوك وسنجار وغيرهما كما أن الصراع مع داعش وفي سوريا عموما أتاح لكورد سوريا أن يظهروا كقوة عسكرية يمكن التعويل عليها في معادلة الصراع المسلح لكن مشكلة كرد سوريا قد تكون أكثر تعقيدا من مشكلة كورد العراق وتتمثل هذه المشكلة في حساسية تركيا الشديدة تجاه قيام أي كيان كردي مستقل وذي حكم ذاتي مجاور لما تطلق عليهم أتراك الجبل وهي تسمية تنكرية لمواطنيها الكورد وتدخل تركيا عسكريا في جرابلس السورية كان أهم أهدافه المعلنة هو منع “القوى الإرهابية” من الاقتراب من حدودها في إشارة واضحة لحزب العمال الكردستاني PKK والقوى الكردية السورية المتعاطفة مع مطالب كرد تركيا.
إن قيام وطن قومي كوردي موحد لن يتحقق ما لم يتم إعادة رسم خرائط جديدة للشرق الأوسط ولما كانت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ومن خلفها بعض الدول الأوربية وإسرائيل هي القوى المؤهلة عسكريا وسياسيا للقيام بدور سايكس بيكو جديد فإن إمكانية تحقيق حلم الوطن القومي الكردي قد تتحقق جزئيا وبالذات في العراق وسوريا في حين سيبقى الثقل الجغرافي والسكاني الكردي في تركيا وإيران ليس له من هذا الحلم إلا المطالبة بحكم ذاتي.