على ما يبدو بأن مقولة التاريخ يكرر نفسه، لا تنطبق على الكرد وقضيتهم القومية العادلة. وهذا واضح من خلال غياب الكرد القسري عن جميع المؤتمرات الدولية، التي ناقشت وتناقش مصير سوريا ومستقبلها، التي يشكل الكرد فيها، ثاني أكبر قومية بعد العرب.  

السؤال الكبير: كيف حدث ويحدث هذا، رغم التضحيات الجسام، التي قدمها ويقدمها الكرد ضد التنظيمات الإرهابية، ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟ وهل ستعيد القوى الدولية والإقليمية نفس الكرّة مع الكرد، وتمرر مصالحها على ظهر قضيتهم مثلما فعلت ذلك قبل مئة عام؟

الإجابة على هذا التساؤل ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول:

من خلال نظرة سريعة للتاريخ الكردي المعاصر، يدرك المرء بأن القضية الكردية كانت على الدوام سلعة للبازار السياسي للقوى الدولية والإقليمية، وتاجرت بها كلما اقتضت مصالحها ذلك.

وعلى ما يبدو إن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى مع الكرد، ولو في ظروف كردية مختلفة بعض الشيئ.

صحيح إن الوضع الكردي الحالي مختلف عن ما كان عليه  قبل مئة عام، لكن الكرد لا يزالون يعانون من نفس المشاكل والأمراض تقريبآ.

وجبهة أعداء الكرد هي نفسها تقريبآ، (تركيا، إيران، سوريا) والذي تغير فقط هو خروج العراق من جبهة الأعداء على الأقل رسميآ.

واللاعبين الدوليين المؤثرين في قضيتهم (أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا)هم أيضا أنفسهم.

فأمريكا وروسيا  تاجرتا بالقضية الكردية في محطات كثيرة، وتسببتا للكرد بمأسي لا حصر لها خلال المئة العام الماضية.

ولقد تحدثت عن العلاقة الأمريكية- الكردية وإشكالاتها، والعلاقات الروسية الكردية في مقالات سابقة، ولا أر حاجة إلى سرد تلك التفاصيل هنا مجددآ.

وسأكتفي بالحديث هنا، فقط حول كيفية تعامل هاتين الدولتين مع الكرد في غرب كردستان (سوريا).

فالولايات المتحدة الأمريكية، رفضت في البدء التعامل نهائيآ مع الطرف الكردي الفاعل على الأرض حزب الإتحاد الديمقراطي (ب ي د)، ووصفته بالإرهاب، وحرّضت عليه بقية القوى السياسية الكردية، وطلبت منهم عدم التعامل معه.

ومع تطور الأوضاع على الأرض، اضطرت أمريكا لتغيير سياستها من (ب ي د) وجناحه العسكري قوات الحماية الشعبية (ي ب ك)، وفتح خطوط الاتصال معها، ولاحقا التنسيق والعمل معها لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.  

ولكنها رفضت وترفض إلى الأن، فتح علاقة سياسية مع الكرد والتعامل بنفس السوية مع الإدارة الذاتية ورفضت تقديم الغطاء الجوي للقوات الكردية المتجهة لمدينة الباب بعد تحرير مدينة منبج وطلبت من قوات سوريا الديمقراطية (ق س د)، التوجه نحو مدينة الرقة، عاصمة ما تسمى بدولة داعش.

وعندما رفض الكرد ذلك، وطالبوا بتحرير الباب أولا، شاهدنا قصفا تركيا بالطيران، لمواقع (ق س د) في تلك المنطقة بعد أيام قليلة من ذلك، وسط صمتٍ أمريكي مريب!

وتبع ذلك تدخلا تركيا عسكريا مباشرا في الصراع السوري، من خلال احتلالها لمدينة جرابلس بالاتفاق المسبق مع روسيا وأمريكا والنظام السوري، وتنسيق كامل مع تنظيم داعش المجرم، الذي سلم المدينة دون إطلاق طلقة واحدة. وهذا ما دفع بالكرد بالموافقة على الذهاب مع الأمريكان إلى جبهة الرقة، مع وعد بعدم السماح للأتراك بخول مدينة الباب من قبل الأمريكان، ولكن الذي حدث هو أن الأمريكان خنثوا بوعدهم، وسمحوا لحليفتهم في الناتو بدخول المدينة واحتلالها كاملة، والتهديد باحتلال منبج المحررة من داعش، والتوجه نحو الرقة معقل داعش.

وفوق هذا وذاك، لم تفعل أمريكا ولم يفعل الروس شيئا، من أجل مشاركة الكرد في محادثات جنيف الجارية بين النظام والفصائل المعارضة له، والتي سيتم فيها بحث مستقبل البلد. وهذا يؤكد مدى كذب ونفاق الطرفيين الروسي والأمريكي، وخداعهما للكرد والتضحية بهم وقضيتهم من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة.

وغياب الكرد عن المفاوضات تعني تجاهل وجود الشعب الكردي، وعدم الاعتراف به من قبل النظام السوري والمعارضة العربية على حدٍ سواء. ولا أظن يمكن حل الأزمة السورية الدامية، من دون حل القضية الكردية، ورحيل نظام القتل والإجرام، وإنشاء نظام ديمقراطي حقيقي مكانه، بعيدا عن الأخونة والدولة الدينية والقومية العنصرية والطائفية، التي حكمت البلد حوالي ما يقارب المئة عام، وحولت البلد إلى سجن كبير.

القسم الثاني:

رغم خروج القضية الكردية من حالة التعتيم الإعلامي التام، وبروزها كقضية إقليمية كبرى، وحصول الكرد على أكثرية حقوقهم القومية والسياسية في جنوب كردستان  وسيطرة الكرد على 80% من أراضيهم في غرب كردستان، وتأسيس كياني خاص بهم، إلا أن حركة التحرر الوطني الكردية، مازالت تعاني من نفس المشاكل والأمراض، التي كانت تعاني منها قبل مئة عام.

فالمصالح الشخصية والأنانية مازالت تلعب دورا رئيسيا، في تشرذم القوى السياسية الكردستانية، ومن ثم المصالح العائلية والحزبية الضيقة، وثالثا، اختراق الأحزاب السياسية من قبل الأنظمة المحتلة لكردستان، ورابعا، الضغوط الخارجية، التي تمارسها الدول الإقليمية والدولية الكبرى على مختلف القوى الكردية.

كل ذلك تسبب في حالة التشرذم، التي تعيشها هذه الأحزاب والقوى، وهي عاجزة اليوم عن توحيد صفوفها وخطابها السياسي، وتحديد أهدافها ومطالبها من النظام السوري والمعارضة معا، ولهذا فشلت في إبرام اتفاق سياسي معهما، بحيث يضمن حقوق الشعب الكردي في سوريا المستقبل.

لقد استغل أعداء الكرد وخصومهم، التشرذم الكردي أفضل استغلال، وخير دليل ذلك، هو الائتلاف الوطني السوري في حالة الكرد في غرب كردستان، والحكومة العراقية المركزية، في حالة الكرد في جنوب كردستان. والأسوء من كل هذا، هو تعاون بعض الأطراف الكردية مع أعداء أمتهم، والارتماء في أحضان دول محتلة لوطنهم، والوقوف موقف العداء ضد قسم من شعبهم دون خجل!!!

ولهذا لا يمكن تحميل القوى الإقليمية والدولية لوحدهم، مسؤولية غياب الكرد عن جنيف، وتبرئة القيادات الكردية من ذلك.

في الختام اود القول، بأن القوى السياسية الكردية الرئيسية، الموجودة على الساحة الكردستانية بأخطائها ومسؤوليتها، ووضعها أمام مسؤوليتها، كي لا تقول يومآ ما، يا ليتنا فعلنا كذا وكذا.

إنّ التاريخ لن يسامحهم إن لم يغيروا من سياستهم، التي لعبت وتلعب دورا سلبيا، في عدم اتفاقهم والعمل سويا من أجل خدمة شعبهم وقضيته العادلة.

والشخصيات الكردية المشاركة في وفد المعارضة السورية والنظام معا، ليسوا أكثر من كومبارس، يؤدون دور المهرج لا أكثر.

 

 

 

 

 

 

yekiti