منذ انهيار الدولة الكوردية (الميدية والميتانية) وتتالي الانتكاسات الكيانية التي بدأت بتقسم كوردستان بين الامبراطوريتين العثمانية والصفوية بعد معركة جالديران 1514 ثم اختتمت باتفاقية لوزان الاستعمارية 1923 التي قسمتها بين عدة دول، والكورد يخوضون معارك التحرير والاستقلال، ويمرون بتجارب كثيرة ومريرة (جميع ثورات وانتفاضات الكورد وفي كافة الأجزاء) ، يستخلصون منها دروساً وعبراً، ويكتسبون خبرات ومعايير، ويعتبرونها بمثابة ثوابت كوردية يجب التقيد بها في أي عمل نضالي، ويقيّمون على أساسها جاهزية وفاعلية العامل الذاتي بمدى الالتزام بها نهجاً وممارسة في ظل الظروف الموضوعية الشائكة والمعقدة والصعبة التي تعتري القضية نتيجة تضارب وتداخل مصالح وأجندات الدول العظمى والاقليمية المقتسمة لكوردستان.
وتجنباً للسجال والجدال القائم حول مسؤولية هذا الطرف أو ذاك عن الإخفاقات والانتكاسات التي تعصف بالانجازات الكوردية التي تحققت نتيجة بذل جهود وتضحيات جسيمة من أجلها، والتي كانت آخرها احتلال كركوك 16/10/2017 من قبل الجيش العراقي والحشد الشيعي وعفرين 18/3/2018 من قبل الجيش التركي وما يسمى بالجيش الحر، المدينتان اللتان حررتا بالدماء بعد مقاومات عنيفة لإرهاب العصر المتمثل بالقوى التكفيرية الراديكالية (داعش والنصرة وأخواتهما) في ظل ظروف تاريخية مواتية ..
وتجنباً لجلد الذات الكوردية من خلال كيل الاتهامات وتوزيع الخيانات وإثارة الخصومات وخلق الصراعات وتصفية الحسابات من خلال تحميل أسباب الفشل لهذه القيادات أو لتلك السياسات، وبالتالي تعميق الشروخ والخلافات ودفع الأمور نحو المزيد من التراجعات والانسحابات والانتكاسات والتبرير لها..
ولأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه واستنهاض القوة والإرادة لاستعادة المكتسبات التي تحققت لا بد من مراجعة عاجلة وجدية للذات والاحتكام للثوابت لتكون الفيصل في حسم القضايا (حديث الساعة) التي يتناولها كل طرف من منظاره الشخصي والحزبي لتبرئة ساحته وذمته وإدانة خصومه ومنافسيه على الساحة، وهروبه إلى الأمام متنصلاً من الاستحقاقات والواجبات للتسابق في التماهي والتوليف مع المشاريع البديلة المطروحة من قبل جهات استخباراتية معادية (شوفينية – طائفية) تعتبر نفسها منتصرة بمحاربة النهوض الكوردي القومي والوطني، وإيقاف مشروعه التحرري الديموقراطي الإنساني والذي تقره كافة الشرائع والقوانين السماوية والوضعية كاستحقاقات تاريخية..
الثوابت الكوردية أصبحت معلومة ومتداولة لدى القاصي والداني وكل من يعايش الشأن الكوردي ويتابعه، والتي أصبحت سمات خاصة بالحركة التحررية الكوردية وميزات للقضية الكوردية توافقاً مع عدالتها وشرعيتها على أنها قضية قومية وطنية إنسانية ديموقراطية عالمية، لا يمكن تحقيق العدل والسلم والاستقرار إلا بحلها أسوة بباقي شعوب المعمورة..
ومن أهم هذه الثوابت هي:
- عدم ممارسة العنف والإرهاب في العمل النضالي، واتباع الأساليب والآليات المباحة والمشروعة دولياً.
- حماية السلم الأهلي والتعايش الأخوي بين كافة مكونات المنطقة والجوار وبث ثقافة المحبة والتسامح والمساواة في مناطق العمل النضالي، لعدم خلق حالات عداء وحقد تتوارثها الأجيال وتصبح بؤراً للثأر والانتقام.
- توطيد العلاقات وبناء التحالفات مع القوى الوطنية والديموقراطية في الدول التي تقتسم كوردستان على أساس الشراكة الحقيقية في الوطن واحترام الخصوصية لكافة الاثنيات والطوائف وفق العهود والمواثيق الدولية.
- توثيق الروابط مع القوى الديموقراطية وأنصار السلام والمدافعين عن حقوق الإنسان وحركات التحرر والأحزاب العمالية في العالم لكسب دعمها وتأييدها.
- توفير هيكلية (إطار) لتوحيد وتنظيم الطاقات والجهود وقيادتها من قبل مرجعية قومية عامة منتخبة، تشمل كافة القوى الفاعلة من كل أجزاء الوطن وجميع مناطق تواجد الكورد.
- احترام الخصوصية والاستقلالية الوطنية لحركة كل جزء من كوردستان وعدم التدخل في شؤونها وسلب إرادتها وقرارها، وتسخيرها في صفقاتها واتفاقاتها.
- يمنع الاعتماد منعاً باتاً على الأنظمة الحاكمة للدول المقتسمة لكوردستان وعدم الرهان على مشاريعها السياسية والأمنية والتعاطي معها، مهما كانت المبررات والأعذار.
- التأكيد على ضرورة وأهمية العمق الكوردستاني في وحدة المصير من خلال التعاون والتنسيق وتبادل القدرات والخبرات..
- عدم حصر الحركة واختزالها في كيانات فردية أو عائلية أو حزبية أو عشائرية أو دينية أو عسكرية بذريعة الضرورة والأمر الواقع.
- بناء علاقات صداقة وتعاون مع صناع القرار في العالم على أساس تقاطع المصالح ما لم تتعارض مع المصالح القومية والوطنية.
- الالتزام بالديموقراطية نهجاً وثقافة وتطبيق مبادئها وقواعدها في كافة المجالات والأصعدة ونبذ الاستبداد والفساد في الحكم والإدارة والتنظيم..
- الالتزام بالواقعية والموضوعية وسياسة الممكن تحقيقه في وضع البرامج ورسم الخطط ورفع الشعارات تبعاً للظروف المتاحة والإمكانيات المتوفرة.
- عدم حصر النضال في شكل واحد وأسلوب واحد( سياسي أو عسكري) وإهمال باقي الأشكال والأساليب من ثقافية وإعلامية ودبلوماسية…
وختاماً: لا بد من مراجعة نقدية للذات من قبل كافة الكيانات السياسية المتنفذة والفاعلة على الساحة معتمدة الثوابت الآنفة ذكرها كمعايير لتحديد درجات النجاح والفشل في أعمالها، وتعيين مواطن الخلل والخطأ في برامجها وآلياتها، وتعيين نسبة مسؤوليتها عن ما يحدث من إخفاقات وانتكاسات، والبحث بجدية وجرأة عن حلول ومعالجات جذرية وسريعة لتجاوز الأخطاء والهفوات التي تجلب المصائب والكوارث لشعبنا وقضيته على المدى المنظور والاستراتيجي.