أهم ما يمكن أن نستخلصه من خلال متابعتنا لإعلام حزب الاتحاد الديمقراطي ،بكافة أشكاله المرئي والمسموع و المقروء ،إلى جانب بعض الأقلام المستعارة ،والتي باتت أشهر من نار على علم ،أضف إلى ذلك فريقه الالكتروني على صفحات التواصل الاجتماعي ،هي ثلاثة عناوين عريضة تتمثل في كل من :العداء الواضح والصريح والعلني للقوى الكوردية و الكوردستانية ،والأفراد والجماعات التي تختلف مع توجهاته الفكرية ،من خلال تخوينها والتشهير بها ،و محاولة تشويه سمعتها وتاريخها النضالي ،والتي يمكن تصنيفها ضمن خانة ترويج ونشر ثقافة وفكر الحزب القائد ،والقائد الواحد ،والذي يكرس بدوره مفهوم التسلط والتفرد بمصير الشعب الكوردي ،و يزيد الشرخ والانقسام والتشرذم ،كما يساهم في نشر ثقافة الحقد والكره والعداء بين أبناء الشعب الواحد ،وبين صفوف حركته السياسية ،وبالتالي استمرارية إضعافه وهزيمته .
تسخير معادة أردوغان من أجل دعم فكرة العدو الوحيد للكورد ،والتي لها أكثر من دلالة ،سنحاول تسليط الضوء عليها ،وتوضيح الأسباب التي تقف وراء مثل هكذا توجه . الترويج لسياسات الحزب وإدارته في المناطق الكوردية ،ومؤسساته وتشكيلاته العسكرية ،و نشر ايديولوجيته الحديثة ،والمتمثلة في فلسفة الأمم أو الشعوب الديمقراطية التي حلت محل مفهوم القومية أو الدولة القومية ،الذي تم التخلي عنه صراحة و علناً . لا ننسى أن مثل هذا التوجه الإعلامي ،يأتي أيضاً ضمن محاولة التغطية على فشل إدارة الكانتونات الثلاث التي انشأها الحزب ،وعلى الممارسات والانتهاكات التي تقوم بها ،من اعتقال وملاحقة النشطاء واحتكار العمل السياسي وتقييد الحريات ،وانتهاك حرمات البيوت عبر المداهمات المخالفة لأبسط معايير حقوق الإنسان ،إلى جانب فرض قوانين غير عادلة وإجراءات صارمة ،كالتجنيد الإجباري وبالأخص القاصرين والقاصرات ،ومصادرة الممتلكات العامة والخاصة بالمواطنين الكورد دون غيرهم ،وفرض ضرائب غير قانونية عليهم ، إلى جانب العديد من أساليب أمنية أخرى ،والتي تأخذ الكثير من الوقت للوقوف عندها أو الخوض في تفاصيلها . في الحقيقة مثل هذه العناوين تحتاج إلى مزيد من التدقيق والتمعن أثناء قراءتها ،لما تحمل من مضامين خطيرة ،تتمثل بالعداء والتخوين لجميع الكورد باستثناء الموالين والمتحالفين معه أو التابعين له ،كما وأنه تتجاوز مسألة عداوة أردوغان ،والذي شكل اسمه ترجمة حرفية لمفهوم الخيانة أو مصطلح ” الإخانة ” باللهجة الهجينة بين اللغتين العربية والتركية ،والتي ينطق بها أنصاره ومؤيديه ،إضافة إلى ابتكار مصطلح آخر يستخدم خصيصاً في تخوين الكورد تحت اسم “كردوغان ” ،للإشارة إلى كل كوردي يختلف معهم أو ينتقد سياساتهم المثيرة للجدل في الأجزاء الأربعة من كوردستان .
ولكي نقطع الطريق أمام بعض المتربصين والمزاودين ،على أننا ننتقد الحزب بسبب عداوته لأردوغان ،لابد من التأكيد على نقطة مهمة جداً ،وهي أنه لا يختلف اثنان على أن أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية ” هو عدو للكورد وخطير أيضاً ،ولكنه بكل تأكيد ودون الحاجة لمجرد التفكير ،على أنه ليس العدو الوحيد للكورد ،وإن هناك ثمة دلالات واضحة على إغفال الاتحاد الديمقراطي المتعمد لباقي الأعداء وعدم الإشارة إليهم أو التكتم عنهم ، يمكن تصنيفها ،ومن خلال وجهة نظر خاصة ضمن هذين البعدين :
البعد الأول : صرف النظر عن تحالفات حزب الاتحاد الديمقراطي مع كل من النظامين السوري والإيراني ،المتحالفين استراتيجياً وعقائدياً في الأصل ،و تجنب الحديث أو الخوض في تفاصيلها وحيثياتها ،وخاصة بعدما خلقت هذه العلاقة شكوك كثيرة حول طبيعتها ،ومدى تأثيرها السلبي على الاستحقاقات القومية والوطنية المستقبلية للشعب الكوردي ،الذي قدم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى في نضاله الطويل والمرير لنيل حقوقه وحريته ،مما يعكس هذا الأمر سلباً على مصداقية ومشروعية هذا الحزب في التعامل مع القضايا الوطنية والقومية المصيرية للشعب الكوردي .
البعد الثاني : والذي يتمثل ببعد ذات طابع شخصي ،يتمثل في اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني السيد عبد الله أوجلان منذ أكثر من سبعة عشر عاماً والذي حكم عليه بالإعدام ،ثم تم تغييره إلى السجن المؤبد ،تماشياً مع القوانين المعتمدة في الإتحاد الأوروبي ،مما أسفر عن عداء وحقد تاريخي لدى أنصار حزب العمال الكردستاني وبالتالي لدى حزب الاتحاد الديمقراطي لشخص أردوغان ، أكبر بكثير من طبيعة هذا العداء من منطلق قومي ،لما ارتكبه من جرائم قتل بحق الكورد ،وتدمير قراهم ومدنهم وبلداتهم في كوردستان تركيا .
و في كل الأحوال ،فأن الأيام القليلة القادمة والتي تحمل في طياتها كثير من الحقائق والمفاجئات ،وبناءً على ما يستجد من تطورات وأحداث متلاحقة ومتسارعة ،كفيلة بكشف أهم القضايا والجوانب التي مازالت غامضة عن طبيعة علاقات وتحالفات حزب الإتحاد الديمقراطي مع بعض القوى المحلية والدولية وتقييم نتائجها وآثارها ،وبالدرجة الأولى فيما يتعلق بالشأن السياسي الكوردي ،ومستقبل القضية الكوردية في سوريا ،وكذلك الوضع في سورية بشكل عام