العطالة كنهج سياسي!
 صلاح فرحو
 يثير التعثر الحاصل حاليا للحوار الكوردي الداخلي تساؤلات كثيرة حول مآلات الوحدة السياسية الكوردية وجدوى الاستمرار في هذا المسار التفاوضي في ظل افتقاد بعض أطرافه أساسا لإرادة التو حد، خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار غياب(أو تغييب)قوى سياسية ذات وزن كبير وشعبية غير قليلة عن طاولة الحوار. ولكن الأهمية الكبيرة التي تتمتع بها هذه (الوحدةالسياسية) بين الأطراف الكوردية المتنازعة إن تمت وما يمكن أن ينجم عنها من المزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي لروجآفا خصوصا وإقليم شمال شرق سوريا عموما ، تحتم على المرء وأد هكذا تساؤلات على الرغم من مشروعيتها التامة وغض النظر عن مجمل الإشارات التي تدفع إلى طرحها.
لقد ساهم هذا الحوار بنفسه على مدى ما يقارب العام في تغذية هذه الشكوك والرِيَب حوله بعد أن استُقبِلَ في بداياته باهتمام تام وترحيب مطلق، عن طريق (سأكتفي هنا بالأسباب الكوردية الداخلية ولن أتطرق للضغوطات الخارجية على الجهتين فذلك يحتاج لبحث منفصل فضلا عن أني لا أعتقد أنها تشكل سبب كافي للأزمة السياسية الحالية)، أولا الانعدام الكامل للشفافية فيما يخص جلساته والتكتم والسرية التامة حول محتوى هذه الجلسات، فما يصل مسامع الشارع الكوردي من شذرات حول هذه الجلسات من الإعلام تتصف في الكثير من الأحيان وعلى أقل تقدير بالنفاق والتنميق والتضارب، ثانيا فرض طرفي المفاوضات لنفسهما على الشارع الكوردي كممثل وحيد له في سوريا مع إقصاء شبه تام للقوى السياسية والمدنية الغير منطوية تحت جناح أي منهما “ويجب هنا الإقرار بأن موقف أحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الإتحاد تجاه هذه القضية أكثر مرونة واتزان من موقف المجلس الوطني بقيادة البارتي“ ، ثالثا التصريحات الإعلامية السلبية المتبادلة والتي تصل في بعض الأحيان لحد دعم وتبرير الاحتلال التركي لعفرين في سبيل إضعاف الطرف المقابل وما ينجم عن ذلك من احتقان وتوتر سياسي مضاد عدى عن التلفيقات والاتهامات الباطلة المتبادلة، وأخيرا لعب طول زمن العملية التفاوضية الدور الأكبر في اثارة الشكوك والتساؤلات السلبية حوله. حيث اشتد الاستقطاب السياسي قوة وعمل هذا الاستقطاب على تفكيك المجتمع الكوردي أكثر ما هو مفكك مما دفع العقلاء فيه للتفكر بالنقاط الخلافية(المصيرية) التي تحول دون توحد حركة سياسية خارجة من رحم مجتمع واحد وتاريخ مشترك وتطلعات متماثلة وتحتم على أطرافها التفاوض لمدة قد تطول لأكثر مما مضى، لاسيما وإن تمت المقارنة مع نزاعات دولية كبرى سالت فيها دماء ملايين البشر وتم تجاوزها بمدد قياسية كمؤتمر باريس للسلام مثلا في العام 1919 والذي امتد على مدار 4 أيام من 18.01.1919 وحتى 21.01.1919 وانتهى بمعاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى (1). قد تبدو هذه المقارنة مع قوى الحرب العالمية الأولى مجحفة بحق القوى الكوردية المتصارعة ، ولكن هذا الاجحاف يزول إذا ما تمت المقارنة مع المفاوضات التي دارت بين بارتي كوردستان والاتحاد الوطني والتي دامت لما يقارب 8 أشهر من تاريخ اندلاع  آخر المعارك في تشرين الأول 1997 وحتى توقيع اتفاقية واشنطن في شهر أيلول 1998 حيث ساد السلام الدائم في إقليم كوردستان بعد حرب أهلية دموية كادت تطيح بالكيان الكوردي الجديد(2). من الصعوبة بمكان بعد النظر في كل هذه النقاط المذكورة اعتبار الأطراف الكوردية المتفاوضة على الرغم من أن بعضها أكثر مسؤولية واتزان من البعض الآخر، جديرة بالمكان الذي تشغله ومحقة في نقاطها الخلافية. وكي أتمكن من توضيح هذه النقطة يجب الغوص أكثر في التفاصيل حول هذه الأطراف المتفاوضة ومواقفها السياسية العامة .
تأسس المجلس الوطني الكوردي في أواخر عام 2011 وكان قد ضم بحلول منتصف عام 2012 كل الأحزاب الكبرى في سوريا إلا حزب الإتحاد على الرغم من تواصل المناقشات حول انضمامه أيضا بمجموع 16 حزبا . ثم توالت هفواته السياسية غير المحسوبة إبتداءا من تشجيع سياسة الانشقاق بين أحزابه الكبرى ثم العمل على إخراجها من المجلس خدمة لأجندات بعض التيارات السياسية داخله في محاولاتها للاستيلاء على قراره السياسي ومرورا بالغرق التدريجي في مستنقع التيار الإخواني التركي حتى وصل الحال
به في عام 2017 الى الموافقة على ضم قوات لشكري روج الى الجيش الوطني المزمع تشكيله آنذاك (3). ليتحول المجلس الوطني من قوة سياسية موحدة ومؤثرة وذات زخم جماهيري كبير في الأعوام الأولى للحرب السورية إلى مجرد منصة تعطي صفة سياسية لأشخاص معينين ضمنها، تؤهلهم للظهور على شاشات التلفاز فضلا عن الإقامة في فنادق مرفهة خلال جولاتهم للبحث عن حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية في سوريا. جاءت مبادرة الجنرال مظلوم في أواخر عام 2019 لتنفخ الروح في جسد هذا المجلس وتعطيه زخم جديد وموضوع جديد يشغل نفسه به. فكانت هذه المبادرة بمثابة ولادة جديدة للمجلس الهرم تمخض عنها تياران متمايزان الأول يتخذ من مدينة قامشلو مقرا له ويمتاز بالعقلانية والاعتدال النسبي في خطابه السياسي وهو عماد المفاوضات وعليه يمكن أن تبنى آمال ما في إصلاح سياسي قد يأتي ليعيد للمجلس زخمه الجماهيري وتموضعه الوطني، والثاني يتخذ من إسطنبول وأربيل وأوروبا منطلق له في ممارسة عطالته السياسية واستغلاله الفج لمكان تواجده لينصب العداء تجاه أي منجز لا يمنح شخصه امتيازات فردية فضلا عن تنسيقه المباشر مع المحتل التركي حول خططه المستقبلية وتحالفاته القائمة. لم يحسم الصراع الناعم بين هذين التيارين بعد، ولكن مازال التيار الهدام سيد الموقف بحكم التوازن الدولي القائم حاليا والذي يمنح الدولة التركية وأزلامها السوريين كوردا وعربا امتيازات سياسية وإعلامية وماليه غير متوفرة في الداخل السوري فضلا عن التفرغ التام للعمل الإعلامي والسياسي الذي يحظى به هذا التيار. وبذلك لا يزال المجلس الوطني رهين نفسه في انتظار تغيير الظروف السياسية الحالية ليتمكن من إفراز طبقة سياسية جديدة تكون قادرة على ممارسة السياسة بنهج وطني تام.
عندها سيكون قرار المجلس بمقاطعة أو باستئناف الحوار الكوردي الداخلي نابع عن أجندة وطنية واضحة وغير قابلة للبيع والشراء!
أما الطرف المقابل وهو أحزاب الوحدة الوطنية فسأخصها بمقال مستقل في قادم الأيام .
2 – ديفيد مكدويل. تاريخ الأكراد الحديث 1996 ، 584 – 585
3 – القدس العربي. ما حقيقة موافقة المجلس الوطني الكردي على ضم قوات البيشمركة لجيش سوري وطني؟
https://www.alquds.co.uk/%ef%bb%bf%d9%85%d8%a7%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82d8%a9%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%81%d9%82%d8%a9%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a/?fbclid=IwAR3LoCJF9gOJ6kZ5E7Dno3k8B6pC3G_krlK6hbWTZS41bIhwnS_4MYzWOYمشاركة
yekiti