عُيّن حيدر العبادي رئيسا للحكومة العراقية خلفاً للمالكي الغارق في الفساد والاستبداد بعد توافقات عسيرة ومريرة, الشيعي- الشيعي أولاً, الشيعي- الكوردي ثانياً, الِأمريكي- الايراني ثالثاً, على أمل تطبيق الدستور وقيادة العراق ليستعيد عافيته وموقعه الطبيعيين إقليمياً ودولياً..لكن انحيازه الطائفي للمشروع الشيعي الذي تقوده إيران جعل منه أداةً لتنفيذ أجنداتها, وتسخير كل طاقات وعلاقات العراق من أجلها..

    وصل به الحد بزجّ البلاد في حرب أهلية (طائفية-عرقية) على نهج صدام في استباحة المحرمات الوطنية والإنسانية من قتل وتدمير وتشريد إنطلاقاً من نزاعات إنتفامية واقصائية ذات رجعيات تاريخية دموية متخلفة (كما حصل في المناطق المشمولة بالمادة الدستورية140 ومناطق العرب السنة، والتي من شأنها دفع العراق والمنطقة إلى المزيد من التفكك والتناحر و الإنحطاط، والمزيد من الهدر في المقدرات والثروات، واضاعة فرص الأمن والسلام..

    وما تحركاته الأخيرة وزيارته المكوكية للعواصم المجاورة إلّا دليل على إخفاق سياساته وتفاقم أزماته وانسداد مسالكه وعقم طروحاته، كما أن استنجاده واستعانته بالخارج للتدخل في شؤون بلاده تعدّ واضح على السيادة وانتهاك صارخ للوطنية بكل معانيها، تُصنّف تحت عنوان الخيانة وتبعاتها وعقوباتها…

    ثم إن رفضه للحوار الداخلي واللجوء إلى الحلول العسكرية باتفاق مع الدول الإقليمية في التعامل مع الملف الكوردي يحاول من خلاله إعادة التاريخ المأساوي مهزلة ووبالاً هذه المرة, فتجارب الطغاة السابقين له (قاسم وعارف وصدام) أثبتت فشلها وعقمها بالرغم من استخدامهم لأبشع وأفظع الوسائل والأسلحة المحرمة دولياً (في كوردستان) كالأنفال والكيماوي في ظل ظروف دولية كانت أكثر مواءمة لها, فقد ماتوا جميعهم ولم يجنوا من اجرامهم سوى الخزي والعار، وكوردستان مازالت حية باقية تنتصر يوماً بعد يوم…

   وكذلك يتغابى العبادي ويتجاهل إرادة الدول العظمى وقدراتها في التحكم بمصير العالم وتنفيذ مشاريعها المقترحة، ومنطقة الشرق الأوسط بحكم أهميتها الجيوسياسية فهي مرشحة للتفكك والتقسيم ضماناً لمصالحها الاستراتيجية، وكوردستان ستكون حرة مستقلة (شاء أو أبى) وصمام الأمان في الترتيبات الجديدة للمنطقة, لاسيما بعد تكثيف الحلفاء بقيادة أمريكا لحضورها العسكري والتعاون والتنسيق مع  قوات البشمركة الكردية في محاربة داعش دفاعاً عن المنطقة والعالم من الإرهاب، وقد أثبتوا كفاءتهم في المقاومة والحماية، وجدارتهم في ترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإرساء مبادئ التسامح والتعايش والعدل والمساواة من خلال تجربتهم العملية الرائدة في إدارتهم الذاتية(الفدرالية) في مناطقهم وهذا موضع دعم وتقدير لدى الرأي العام العالمي..   

    كما أن حماقة العبادي في تبسيط الخلافات والتناقضات الاستراتيجية القائمة بين أطراف الصراع الإقليمية والدولية، وإزاحتها ولو مؤقتاً لدعم حربه المعلنة ضد كردستان، تؤكد قراءته الخاطئة والساذجة للأحداث والمواقف المعلنة تجاه الاستفتاء، فالصراعات (الشيعي- السني، العربي- الفارسي، العربي- التركي، الأمريكي- الإيراني، الأمريكي- الروسي،..) على أسس دينية أو سياسية أو اقتصادية لا يمكن حلها وحسمها في كردستان (بالرغم من موقعها المترابط وملفها المتشابك مع كافة الأطراف المعنية التي جعلته ميداناً لتصفية الحسابات وعقد الصفقات على حساب تطلعاتها ومقدراتها).

وستبقى تلك القضايا قابلة للتفجير في أية لحظة وإعادة الأمور إلى المربع الأول, كما أن تحسس وتعنت بعض الجهات تجاه اتفاقات العبادي في عواصم خصومها تنذر بنقل المواجهات إلى عمق تلك الدول (فعلى سبيل المثال تشكيل مجلس التنسيق السعودي- العراقي يغضب ايران كثيراً، فهي تعتبر العراق تحت ولايتها وأي تنازل للعرب السنة يعتبر خروجاً عن الطاعة يستدعي العقاب، وكذلك دعوة العبادي لخروج ميليشيات ايران من العراق مسايرة للطلب الأمريكي لاقت رفضاً شديداً من طهران، لابل أسرفت في تعدادها وتسليحها وتحركها خارج أوامره), وكذلك تجاوزه للخطوط الحمراء الإيرانية (تجاه تركيا والسعودية) والأمريكية (تجاه كوردستان وروسيا) سيجعل الأمور تسير لا كما يشتهيه, لذلك فهو في تخبّط وتخبيص, فالعودة إلى الحضن(المحور) العربي يعني مواجهة المشروع الإيراني الشيعي والذي يعتبر العبادي جزء منه, وهكذا فالتعمق في أي مسار يكون على حساب المسارات الأخرى وستعرضه للضغوط، وهذا ما أجبره بالتفكير بتصدير أزمته وافتعال الخلافات مع كوردستان وشن الحرب عليها للتغطية على عجزه وفشله في التصدي للقضايا والمسائل الوطنية على الصعيد الداخلي والخارجي وحلها, وهذا ما يجعل مصيره وحكومته على كف عفريت, ويدفع بالمنطقة إلى المزيد من الصدامات والكوارث..

 والخطأ الجسيم والقاتل الذي يقترفه العبادي هو تجاوزه للخطوط الحمراء الوطنية وسد الأبواب أمام جميع المبادرات والمحاولات للعودة إلى الحوار الوطني لمعالجة كافة الخلافات العالقة بين هولير وبغداد بعد اعتماده الحرب الشعواء ضد جزء من العراق بأرضه وشعبه متجاوزاً كافة الخيارات التي يقرها الدستور العراقي, وضارباً عرض الحائط  جميع قواعد وأواصر الأخوة والشراكة في الوطن، مجبراً كوردستان على فضها وإعلان استقلالها مهما تكلفها الثمن والضحايا..وغداً لناظره قريب..

yekiti