إن تاريخ جميع الدكتاتوريات في العالم تؤكد وبشكل قاطع، إن الدكتاتوريات لا تقبل القسمة حتى ولو جزئيآ. لأن النظام الدكتاتوري هو شكل من أشكال الحكم المطلق، حيث جميع السلطات محصورة في يد شخص واحد، رئيسآ كان لقبه أو ملكآ أو سلطانآ.

وكما هو واضح من معنى كلمة دكتاتور، أي إملاء الشخص أو فرض إرادته على الأخرين، دون أي نقاش أو إعتراض من أحد. والنظام الدكتاتوري تاريخيآ مر بعدة مراحل ومن أهمها: المرحلة الرمانية والمرحلة المعاصرة. – المرحلة الرمانية: في مرحلة الجمهورية الرومانية القديمة، كان الدكتاتور يحظى بسلطة مطلقة فقط في حالة الطوارئ، وقد كان عليه أن يحصل على تشريع مسبق من مجلس الشيوخ بمنحه تلك الصلاحيات المطلقة. – المرحلة المعاصرة: في المرحلة المعاصرة الدكتاتور يحكم بسلطات مطلقة وبشكل دائم، دون تفويض من البرلمان، وذلك خلافآ للدستور والقوانين المعمول بها في إطار الدولة، وضد رغبة الشعب. ومن هنا لا يمكن وصف ما حدث في تركيا مؤخرآ، بانقلاب القصر كما سماه البعض ضد داوود اوغلو، رئيس الوزراء المنصرف.

حيث أن الدكتاتور أردوغان مثله مثل بقية الدكتاتوريين، قام بتصفية كل الأفراد الذين كان يشك، بأنهم يشكلون خطرآ على حكمه الواحد تلوا الأخر. ومنذ تسلمه لمنصب رئيس الجمهورية أخذ يمارس صلاحيات النظام الرئاسي المطلق بخلاف الدستور والقوانيين النافذة في تركيا. وعندما أراد الثعلب داوود اوغلوا الإعتراض على ذلك، قصقص جناحيه وأرسله للبيت، بكل بساطة. وهذا يذكرنا بقصص كثيرة مشابهة تمامآ، لقصة اوغلو مع سيده اردوغان من تاريخ دكتاتوريات المنطقة والعالم، حيث الجميع يعلم كيف تخلص عبد الناصر من وزير دفاعه عبدالحكيم عامر، عندما بدأ يشكل خطرآ على كرسي حكمه. ونفس الشيئ فعل حافظ الأسد مع أخيه رفعت في ثمانينات القرن الماضي، وعمر حسن البشير مع حسن الترابي، الذي أمن له الغطاء السياسي والديني لإنقلابه العسكري. وكلنا يتذكر قصة بني صدر الرئيس الأول لإيران، بعد الإطاحة بالشاه مع الخميني. وذات الشيئ فعل ستالين مع رفقيه دربه تروتسكي. وهناك قصص كثيرة في التاريخ، يمكن الإشارة اليها. اردوغان كأي دكتاتور لا يرى سوى نفسه، ويعتبر شخصه هو الدولة والحزب، والدولة والحزب هو شخصه. ولذلك سعى وبشكل حثيث منذ سنوات لتغير نظام الحكم في تركيا من نظام برلمان إلى نظام رئاسي، فقط من أجل التفرد بالسلطة بشكل مطلق.

وعندما أفشل الكرد مخططه، بحصولهم على 80 مقعدآ في البرلمان، جن جنونه وشن حرب قذرة ضد الشعب الكردي ومدنه وقراه، وقضى بذلك على مفاوضات السلام بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، التي كادت أن تتوج بنهاية سعيدة. وبعد ذلك حاول ممارسة الدكتاتورية، من دون الحصول على تفويض أو تعديل الدستور من خلال وضع داوود اوغلو في منصب رئاسة الوزراء، إعتقادآ منه أنه سيكون دمية طيعة في يده، وخاصة إنه ولي نعمته وصاحب الفضل عليه. ولكن الثعلب داوود اوغلو بعد سنوات قضاها في وزارة الخارجية، اراد أن يكون له شأنآ ما على الساحة السياسية التركية، وأخذ يقاوم أوامر اردوغان، التي لم تراعي صلاحياته كرئيس للوزراء، وهذا ما أغضب الدكتاتور اردوغان وقام بالتخلص منه على الفور. وهذا أمر طبيعي جدآ في نظام دكتاتوري كالذي يمارسه اردوغان منذ توليه منصب الرئاسة بحكم الواقع. والقضية التي أدت إلى اصطدام الشخصين بشكل اساسي هو موضوع الصلاحيات، وأول قضية كانت رفع الحصانة البرلمانية عن 80 نائبا من حزب العدالة والتنمية الحاكم، تمهيدا لمحاكمتهم بتهمة الفساد، الامر الذي عارضه اردوغان بقوة، لأن من بين هؤلاء عدد كبيرة من المقربين منه شخصيآ. إن طبيعية الدكتاتورية، لا تسمح لأحد أن ينازع الدكتاتور الصلاحيات وتقاسم السلطة والقرار، ولا مجال نهائيآ لمحاسبته أو مناقشته في أمر يصدره، وهنا مكمن الخطر في كل العملية. وهذا بالضبط ما حدث بين الدكتاتور اردوغان ، وموظف من موظفيه بدرجة رئيس وزراء، اسمه داوود اوغلو. لاشك إن تركيا مقبلة على أيام عصيبة في ظل إستمرار اردوغان وعصابته الإجرامية في الحكم، وخير دليل على ذلك ما يتعرض له الشعب الكردي من حرب بربرية قذرة، على يد هذا الطاغية، وما يتعرض له الصحفيون والنشطاء السياسيين والأكاديميين، من ظلم وتوقيفات وسجن، لمجرد إبداء رأي معين في الحكم، والسلطان اردوغان.

من الصعب القول بأن نهاية حكم اردوغان قد إقترب من نهايته، فهو مازال يتمتع بنسبة كبيرة من التأييد الشعبي، وثانيآ رفض المخالفين له من حزبه، من أمثال عبدالله غول وجميل جيجك ،وداوود اوغلوا، تشكيل حزب سياسي جديد ينافس حزب اردوغان. ولا أستبعد ذهاب هذا الأخير الى انتخابات مبكرة جديدة في غضون عام أو أكثر، لعله يستعيد الأكثرية التي يطمح اليها من أجل تمرير تغير الدستور، بصيغة يلائم اهوائه الشخصية، فدعونا ننتظر ونرى ماذا ستجلبه الأيام القادمة لنا.

yekiti