الانسحاب من الحياة يتم بأشكال كثيرة , من بينها الفشل فى تجربة ما لشق طريق النجاح , ومن بين هذه الاشكال ايضا القمع الاجتماعي والسىياسي المتواصل من قبل المجتمع , او انظمة الحكم الديكتاتورية التى توقف النمو النفسي والروحي للفرد والجماعات , وتجعله يشعر او تشعر بالصغار والقزمية الطفلية , وما اقوله ينسحب ايضا على الجماعات السياسية التي جبلت على التوجه فى مسيرتها ، الاعتماد على الغير لانعدام الثقة بالنفس فى اتخاذ القرارات , وهذا ما mihemedيولد لدى هذا الغير نزعة التسلط , واستخدام هذه النزعة فى توظيف الصغار والقزمية الطفلية لمصالحه , وهنا يقع الفأس فى رأس الفرد , او الجماعة البشرية او السياسية لان الذين قاموا بفعلة التصغير والتحقير لا يهمهم فى الحياة الا ان يكونوا هواة جمع ثروة او شهرة , او ذووا نزعة نرجسية خالية من اية قيم وجدانية انسانية الهدف , رغم اننا نجدهم يغلفون كثيرا من اهدافهم ونزعاتهم بغلاف قيمي انساني براق , وحين يدرك المصاب بهذا الصغار , ما آل اليه وضعه , ويقف عاجزا عن تغيير وضعه يصاب بهزيمة , فينسحب رويدا , رويدا ، ويؤقلم ذاته مع هذا الوضع ثم يبحث لنفسه عن مبررات ترسخ الصغار , والذي يتحول بدوره الى عبودية , وخنوع تخلع عنه ذلك الشعور الغريزي بالحرية
اذن الانسحاب بهذا المفهوم هزيمة معنوية لانسانية الانسان , ولكن ماذا لو كان المنسحب من الحياة واعيا لما يحيط به , ومدركا لمآلات هزيمته , وانكسرت لديه تلك الصورة التى كونها عن العالم والمحيط ؟
هناك كثير من الحالمين والساسة الرومانسيين , او المفكرين حينما ينتكسون نتيجة هزيمة سىياسية او معركة حربية , او فشل فى تجربة عاطفية , يصابون بنوع من اليأس , او الاحباط , فيتملكهم عصاب قوي يغرز سكينه الحاد فى الخاصرة الرخوة للشخص المتعرض لهذا المرض .
اذ يلجأ قسم كبير من هولاء المرضى الى التقوقع , وسجن الذات فى غياهب افكار عدمية تفتقد الى الترابط المنطقي, وتتعدد فى ذهنه انفصامات وشخصيات يقظة , ومتناقضة تتصارع فيما بينها , ولا تستطيع تخديرها او تنويمها , الا باللجوء الى تعاطي المنومات والمخدرات , او الكحول فى افضل الحالات , وأما من لا تنام لديه الهواجس الانفصامية وتتصارع دون انتصار احدى الشخصيات التي تولدها حالات الانفصام , فقد يصاب بالجنون , واما فى حالة الوعي بالذات المهزومة وديمومة الحالة , وواحديتها الغير قابلة للتغير , ربما تنمو لديه فكرة الانتحار , اذ ينتصر هنا الوعي الشوبنهوري المضخم لعدمية الأنا والذات , فيقدم هذا الشخص فعلا على الانتحار .
طالما هناك مبررات فلسفية , وفكرية, وسياسية واخلاقية لفكرة تقديس القوة ( النمط النيتشوي – نسبة للفيلسوف الالمانى نيتشه ,و تيموس متعاظم فى عالم اليوم ينشد اصحابه الاعتراف بهم , ولكن القوة الكابحة , او قوة الخصم الوحشية فى التعامل مع رغبة الضعيف المستيقظة فى الاعتراف به كشخص , او كيان , فإن ردات فعل هذا الضعيف ان سنحت له الفرصة بذلك ستكون اكثر وحشية من ردة فعل الخصم او العدو المنزوع الانسانية , وبالتالي فإن وبال الحروب ستسحب بشر كثيرين من الحياة لصالح تلك النمطية النتشوية للاشخاص والجماعات البشرية التى قشرت عن نفسها تلك الجلود الانسانية الرقيقة لصالح الوحش المتعاظم فى الدخيلة , وهنا تختصر الطرق والمعاني لتحول البشر الى وحوش كاسرة , وضحاياهم سيكونون بشر منسحبون ضعاف , وهم القطاع العريض من الجماهىر التى ستتحول الى قطعان انعام فى ظل انعدام الحس الانساني النابذ للعنف والهمجية .
الثقافات فى مختلف بقاع الارض لم تكن بريئة من انماط تقديس القوة من جهة , وتطويع البشر على تقبل الفرز الطبقى , وتبرير درجاته , واقداره , والثقافات الشرقية منها بشكل خاص , لم تترك مجالا لحوار معين يقرب بين الحكام الاقوىاء
والعامة الضعاف الذين كانوا يثورون تاريخيا بين الحين والاخر , ويدمرون ما يستطيعون تدميره الا نادرا , والثورات العربية التى وصفت بثورات الربيع العربي رسخت تلك الفكرة عن ان التيموس او الرغبة فى الاعتراف افرزت وحوشا على جانبي المعركة , وحوش ضعيفة تبغي الاعتراف فتمارس ذلك الإثم الحيوانى وتنهش ما تستطيع نهشه وبوحشية , ووحوش اخرى قوية تحاول بكل ما اوتيت من وحشية منفلتة من عقال الانسانية والاخلاق , فتقتل وتدمر وتفتك وتغتصب وتشرد دون وازع , والضحايٱ هم اولئك المنسحبون من الحياة .
في تاريخ ما من الانقلابات العسكرية التى اتت بحافظ الاسد ومن ثم ابنه المجرم بشار الى سدة حكم هذا البلد الذى شبع موتا هذا البلد الذي تلبسته حالة الوحوش الضارية , لم يعد من الممكن اسعافه الا برجل كاريزمي, وفكر مشبع بالغاندية الهندية , والمانديلية الجنوب افريقية و لتوضع لهذا البلد وهذه الجموع المنسحبة من الحياة اي الشعب السورى اسس بناء انسان ينبذ العنف ويقدس الحرية , ويتفانى فى تعزيز مطالبه الانسانية فى الحوار والعيش بلا خوف او وجل من الغد , ومن اخيه الانسان .
_————-__————- –_——

-شوبنهور فيلسوف دافع عن الانتحار وفلسفها بمبررات فكرية .
– التيموس , هو رعبة فرد او جماعة بالاعتراف به ، بها ، من قبل الاخرين .
– النمط النيتشوى , هو نمط الانسان القوي , ويعزى الى النازية الاخذ بهذه الفلسفة فى تبرير الاصطفاء العرقي , واعتبار ان للأمة الالمانية رسالة حضارية فى حكم العالم و ورضوخ الاخرين لها.

yekiti