بناء الأوطان وترسيخ مبادئ الديمقراطية تكمن في أهمية شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية وكلّما كان لصوت الناخب في العملية الانتخابية تأثيراً قوياً كلما كانت المسيرة الديمقراطية تسير على نهج صحيح وسليم في البلد الذي تجري فيه الانتخابات، سواء كانت انتخابات نيابية أو بلدية. وخلال العقود السابقة وفي ظل النظام البعثي الذي ضرب كل قيم الديمقراطية واحترام إرادة شعبه عرض الحائط وجعل من الانتخابات كما يقال بالضحك على الذقون جعلها انتخابات شكلية أقل ما يمكن قوله أنّها أفسدت مفهوم الانتخابات لدى المواطن السوري مثلما أفسدت الكثير من القيم والمبادئ حيث بات مصطلح قوائم الظل من الصفات المتلازمة لكل انتخاب وعلى جميع المستويات بحيث أصبحت خيمة تجمع في ظلها كافة أشكال الفساد ناهيك عن جعل أعضاء تلك المجالس عبارة عن دمى تؤتمر من قبل الأجهزة الأمنية مما جعل من المواطن يعاني من مشاعر الإحباط التي دفعته إلى الشعور بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات والتي بدورها لن تؤثر في صنع القرار السياسي او تقديم أفضل الخدمات له، لكونه يدرك أن المشاركة الانتخابية لن تغير الواقع، ولن تحقق له متطلباته.
الصوت الانتخابي يستطيع أن يقلب الموازين السياسية إذا نظّمت الانتخابات وفقاً للشروط القانونية والدستورية التي يحددها القانون والدستور وكذلك فإن نزاهة وعدالة العملية الانتخابية ضمان لتعزيز الديمقراطية النابعة من إختيار الشعب لنوابه وممثليه .
إن المشاركة في الانتخابات النيابية تعد واجباً وطنياً واستحقاقا دستورياً، يتطلب مشاركة الجميع، تأكيداً على الالتزام بالنهج الديمقراطي والحرص على اتاحة المجال للمشاركة الشعبية في صنع القرار وتقديم افضل واحسن الخدمات للمجتمع.
وبناء عليه فإنّ ما يجري الآن وفي هذه المرحلة الحسّاسة في المناطق الكوردية في سوريا من انتخابات وبكافة مستوياتها يمكن البناء عليها في إزالة تلك الثقافة الانتخابية التي أسسها النظام الفاسد في سوريا والتأسيس لثقافة جديدة ترسخ قيّم الديمقراطية والانتخابات الحرة في حياة المجتمعات .
رغم إنّي وكما الكثيرين من أبناء مجتمعنا متأكدين بأن هذه الانتخابات سوف لن تكون بمقاييس عالمية وذلك لجملة من الأسباب أهمها :
أولا: فقدان غالبية الناخبين للثقافة الانتخابية نتيجة فقدان الثقة بالصندوق الانتخابي الذي أفسده النظام .
ثانياً: النظام الانتخابي وتعقيداته ومدى ملائمة هذا النظام او ذاك بالشكل الإداري للمناطق والبلدات.
ثالثاً: حالة الفوضى التي يعيشها المجتمع وكذلك قلة الكادر القادر والمتخصص وذلك لأسباب عدة لسنا بصدد ذكرها هنا.
رابعا: افتقار غالبية القوائم الى برامج انتخابية تتناسب الحالة الاقتصادية وظروف الحرب.
خامساً: والاهم السلطة القائمة بإجراء الانتخابات والإشراف على العملية وذهنيتها انطلاقاً من مفهوم الأنظمة المشوهة تنتج معارضة ومجتمع مشوه.
إلّا انها ستكون اللبنة الأولى في بناء المفهوم الصحيح لهذه العملية و إعادة تصحيح ما تم افساده .
إذا لضمان أفضل علاقة إيجابية بناءة ومؤثرة في الإدارة المنتخبة، ومن أجل توجيه تلك الإدارة نحو برامج تصب في خدمة المجتمع ، لابد من المشاركة بشكل أوسع من قبل الشعب في عملية التصويت من جهة وأن تتم عملية الاختيار والانتخاب بناء على معايير دقيقة وقراءة في طبيعة ممثلي الإدارة المنتخبة وفي توجهاتهم وبرامجه من جهة أخرى.
وكما أسلفنا بأنّ المشاركة في العملية الانتخابية لها أهمية كبرى في تعزيز الديمقراطية، والنهوض بالأوطان في كافة الميادين لذا فإنّه كلما كان هناك وعيا انتخابيا كلما زاد نسبة المشاركة الانتخابية لإدراك الناخب بأهمية صوته في تغيير مصير الشعب، ووضع الوطن في الاتجاه الصحيح.
إذاً ادراك المواطن لأهمية دوره والتزامه تجاه العملية الانتخابية يجعل عملية المشاركة الانتخابية اكثر فاعليةً وتأثيراً. المشاركة السياسية في الانتخابات ليست مجرد رغبة الناخب في ممارسة حقه الانتخابي، وإنما دليل وجود وعي سياسي واجتماعي يتشكل تدريجياً داخل المجتمع. وإن الانتخاب يعد أحد مظاهر المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية إلا أن المشاركة وحدها غير كافية لتحقيق الديمقراطية، والتي يتطلب الوصول إليها تحقيق مجموعة من الشروط المؤسساتيّة والقانونيّة والثقافيّة والسياسيّة في الكثير من النظم التي يتمتع أفرادها بحق الانتخاب.