الاقتتال الكردي- الكردي خطأ قاتل وعمل مدان!
الافتتاحية*
رغم انفصال مناطقهم التاريخية عن بعضها جغرافياً ضمن الدولة السورية الناشئة، جراء تطبيقات اتفاقيات سايكس – بيكو ولوزان، وضعف بنيتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وطابعهم الريفي المهمش إثر انقطاعهم عن مراكزهم الحضرية شمال الحدود، حَمَل الكُـرد في سوريا أعباء إضافية على كاهلهم في الدفاع عن القضايا الكردستانية ومساندة أشقائهم، إلى جانب انشغالهم بتطوير وتنمية واقعهم في كافة المجالات والدفاع عن هويتهم ووجودهم، وكذلك مجابهة المشاريع العنصرية والشوفينية التي طالتهم على مرّ أكثر من سبعين عاماً، علاوةً على ظروفٍ قاسية مرّوا بها أعوام 2004 على خلفية أحداث القامشلي وما بعد، لاسيما في العقد الأخير على نحوٍ أشد.
تعاضد الكُـرد لبعضهم في أجزاء كردستان التاريخية الأربعة أمرٌ طبيعي بكافة المعايير الإنسانية والقيمية، ولكن الخريطة الجيوسياسية فرضت عليهم أوضاعاً متمايزة وارتباطات وطنية جديدة، أرغمتهم على البحث عن حلولٍ لقضاياهم في إطار الدول التي أُلحقوا بها، وبالتالي أعطت خصوصية وحيثيات ومسارات مختلفة لكل جزءٍ عن الآخر، حيث أن الحركة الكردية في سوريا اختارت النضال السياسي السلمي اسلوباً في أنشطتها ضمن إطار وحدة البلاد واحترام سيادتها، ونبذت العنف، وواصلت دعم الأشقاء بما أمكن، وأبرزت خصوصية القضية الكردية في سوريا وعملت على إعطائها بُعداً وطنياً وديمقراطياً، إلاّ أن تداعيات الثورات الكردية في العراق وتركيا، وسعي أطراف كردستانية للاعتماد على الكُـرد السوريين وتشغيلهم في مشاريعها بما أمكن، وكذلك سعيها خلال سنوات الأزمة السورية منذ 2011م لجعل ساحتهم مناطق نفوذ لها، دون أن ننسى الدعم الذي قدمتها لهم مشكورين، وإلى جانب عوامل عديدة أخرى… تسببت في انقسام أغلب الكُـرد في سوريا بين من هم «آبوجيين و بارزانيين» وكرَّست التبعية لأطراف كردستانية لدى بعض أحزابهم، مع جلّ الاحترام للألقاب والرموز وكافة الأحزاب الكردية والكردستانية، فاختلفت بُوصلاتهم، وباتوا يتأثرون سلباً بأي حدثٍ كردستاني سلبي وانعكاساته المباشرة، خاصةً النزاعات التي تحدث بين الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK وحزب العمال الكردستاني PKK، وكذلك الأحداث التي تفتعلها حكومة أنقرة ضد الكُـرد ونضالاتهم داخل تركيا وفي إقليم كردستان العراق، بحيث تزداد الضغوط على أطراف الحركة الكردية في سوريا بغية تشتيتها وضرب دور الكُـرد ووجودهم في سوريا.
ليس بخافٍ علينا، الدور الذي تلعبه تركيا، منذ بدايات الأزمة السورية في تأجيج الخلافات بين الأطراف الكردية وإضعاف الإدارة الذاتية القائمة، وتأليب المكونات السورية الأخرى ضد الكُـرد ومحاولة جرِّهم إلى الاقتتال البيني، ولم تحقق ما تبتغيه كاملاً فلجأت إلى العمل العسكري المباشر ضدهم، واحتلت مناطق هامة لهم. وكذلك تعمل على تسعير الخلافات بين أطراف كردستانية والتحريض على الاقتتال فيما بينها، إلى جانب إصرار البعض لدى الطرفين «PDK و PKK» وبين أتباعهما على إذكاء نار الفتنة وجرّ الصراع بينهما وممارساته إلى الساحة الكردية السورية المثقلة أصلاً بحمى الخلافات.
تحصين الكُـرد وتوحيد قواهم، درءاً لجميع المخاطر ولمواجهة التحديات، إن كان في سوريا أو العراق أو تركيا أو إيران، يبدأ أولاً باعتماد لغة الحوار والتواصل على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون أي طرف، وعدم الانزلاق إلى أجندات الأعداء، وبالابتعاد عن المصالح الضيقة.
الاقتتال الكردي- الكردي خطأٌ قاتل وعملٌ مُدان! والمنزلقون إلى أتونه لن يحصدوا إلاّ الندامة، والمصفقون له لن يجنوا إلا الخزي وسواد الوجه؛ فلا يمكن لنا أن ننجرّ إلى حملاتٍ إعلامية كردية أو كردستانية متضادة متبادلة، أو نسعى لإرضاء طرفٍ ما على حساب آخر لغايةٍ ما، ولن نساهمَ في سكب الزيت على نار الفتنة، بل نعملُ بكلِّ وسعنا إلى تطويقها حقناً للدماء، وسيبقى موقفنا نابعاً من رؤيتنا المستقلة ومستنداً إلى موجبات حماية الكُـرد في سوريا والدفاع عن قضاياهم العادلة.
نحن الكُـرد في سوريا بغنى عن تحمل المزيد من الأعباء المؤلمة التي أثقلت كاهلنا، كفانا تشتتاً واختلافاً، فالتصدي لمهام المراحل المقبلة يتطلب جهوداً مضاعفة، تبدأ بإنجاح الحوارات والعلاقات الكردية – الكردية، إلى جانب العمل على الساحة الوطنية السورية وتفعيل الحوارات السورية – السورية، في أية مستويات كانت، بهدف التمهيد للبحث عن حلٍ سياسي لأزمة بلدنا المستفحلة.
* جريدة الوحـدة – العدد 324- تشرين الثاني 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).
yekiti