وداع عامٍ آخـر والأزمة السورية مستمرّة… لنبني وطناً يسوده السّلم والحرّية والمساواة
الافتتاحية*
نودِّع عام 2021م، ولا زالت أمنياتنا التي تضرعنا بها للسماء ليلة رأس السّنة المنصرمة بأمل انتهاء أزمة بلدنا سوريا تراودنا، تلك الأمنيات المطالب التي أضحت أحلاماً نغوص فيها كلَّ يوم ونستيقظ لنكتشف أننا في ذات المكان وبنفس الهموم والمآسي؛ لقد طال أمد الحرب، ولاتزال أوضاعنا معقّدة، نزيف الدم والدمار والتشتت مستمرٌ، بينما أيادي المتباكين على مصيرنا والمتخاصمين فيما بينهم في مياهٍ فاترة، سائرون خلف أجنداتهم ومصالحهم، وهم يضربون الأخماس بالأسداس، وتتواصل صراعاتهم البينية على حساب مصالح بلدنا.
المستبد والمتزعم الميليشياوي والمتطرف الجهادي والمرتزق والعائش على فتات الأزمات والفاسد، غير آبهٍ بالحلّ، ديدنه موقعه ومنافعه وإشباع غرائزه اللاإنسانية، فبتنا نحن السوريون – بدرجات متفاوتة – مسلوبي الإرادة والقرار بفعل أزمةٍ متفجرة ومركبة عصفت بنا منذ أكثر من عشرة أعوام، مرتهنين لأجندات ومصالح الدول المتحكمة والمتدخلة في الأزمة السورية بعمق، دون أن نتقبّل بعضنا بعضاً، لنفتقد الثقة ولغة الحوار، بل وتفشّت مشاعر الكراهية والعداوات والأحقاد بيننا.
اكتوينا بنار العنف والعنف المضاد، بين عنجهية وقومجية البعث وسلطة الحزب الواحد، و»ثورية» وجهادية الإخوان المسلمين وطغمة الأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن تباينت نسبة المسؤولية بينهما؛ انهرسنا بين دفتي صراعٍ إيديولوجي مقيت وتنازعٍ على الحكم، ففقدت ساحة البلاد منطق الحوار والسياسة والثقة بين أبنائها، وابتعدت قوى وشرائح وطنية ديمقراطية عن ساحة العمل والبناء والإصلاح، تحت تأثيرٍ مباشر لصراعاتٍ إقليمية ودولية التي زكّت نار الحرب في أراضينا.
بتنا في حالٍ تُقرر فيها القوى الدولية الفاعلة على ساحتنا مصيرنا، ولكن! يبقى الرهان على العامل الذاتي هو الأساس، ماذا نفعل وكيف نتحرك كسوريين؟ كيف نداوي الوجع والجرح النازف المفتوح في جسدنا؟
أما بخصوص الكُـرد في سوريا، للأزمة إيقاعٌ ونغمٌ آخر؛ حكومة أنقرة بكامل ثقلها تواصل سياساتها وممارساتها العدائية ضد وجودهم ودورهم، علاوةً على محاربة الكُـرد في تركيا وإنكار حقوقهم بكل السبل؛ فلا تزال عمليات التطهير العرقي مستمرة بحقهم في مناطق عفرين وسري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض المحتلة، والتي ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية كجريمةٍ ضد الإنسانية، فيما التهديدات والاعتداءات تطال مناطقهم الأخرى؛ والأمر الذي يحزُّ في النفس ويُعمِّق أزمتنا السورية هو وقوف الائتلاف السوري – الإخواني المعارض والميليشيات المرتبطة بها إلى جانب تركيا والعمل بيدها كأداةٍ طيِّعة، والأمر الأكثر إيلاماً هو بقاء المجلس الكردي «الأنكسة» في صفوفه وتسويغه للوجود التركي في سوريا وتغاضيه عن احتلاله لمناطق كردية وما نجم عنه من كوارث بحق أهاليها.
أما الإدارة الذاتية- شمال وشرقي سوريا التي تُعدُّ مكسباً للكُـرد والمجتمعات المحلية التي عانت من الاستبداد لعقود ومن حكم الميليشيات والإرهابيين لسنوات، تعاني من النواقص والسلبيات والفساد ونمطيات الحزب الواحد وبعض طبائع الاستبداد وتبعات حالات الطوارئ في أحوالنا الاستثنائية، فلابد من نبذ العقلية الفردية والعسكرية في مجالات الإدارة لصالح احترام دور المؤسسات والمجالس وتعزيز أشكال الإدارة الجماعية، إضافةً إلى وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وترجيح اختيار الكفاءات.
ومن جهةٍ أخرى حكومة دمشق تنأى عن التحاور مع الإدارة الذاتية بجدية وبشكلٍ بناء، رغم تشجيع روسيا ومحاولاتها العديدة، فلا تُقارب الأزمة بمنطق الاعتراف بالآخر ومنح الحقوق وإجراء إصلاحات سياسية بنيوية، بل تُناور وتُريد العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليها قبل تَفجُّر محنة سوريا.
مع العام الجديد نبقى محكومين بالأمل من جديد! لا نيأس ولا نستكين إلى الخنوع، إذا كنّا غيارى على بلدنا وشعبنا بكل مكوّناته، نسعى ونعمل من أجل وضع حدٍ للانكسارات، لفتح أبواب الحوار السوري- السوري ونؤسس لأرضية بناءٍ جديدة، ونُعيد ترتيب أولوياتنا لنبني معاً مؤسسات دولةٍ لا مركزية تعددية ديمقراطية، ليس فيها مكانٌ للعسف، كي تسود قيم وضرورات السّلم والحرّية والمساواة، بعيداً عن العنف والقمع والتمييز.
* جريدة الوحـدة – العدد /335/- 24 كانون الأول 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

yekiti