مات الأولاد: مجزرة روبوسكي والمسألة الكُردية في تُركيا كتاب للصحفية البارزة فريدريكا خيردينك عن جريمة اقترفتها الطغمة العسكرية في تركيا، خلفتْ الجريمة 34 ضحية جُلهم من الأطفال في منطقة حدودية يعمل سكانها بالتهريب لتأمين لقمة العيش بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة.

الكتاب دراسة في تاريخ حركات وأحزاب اليسار التركي والكردي وتأثيره على صعود اليسار الراديكالي المُتمثل بحزب العمال الكردستاني، وكونها صحفية هولندية “تلعب دور مُحامي الشيطان”ص 212 وهي كما وصفتها السلطات التركية “عاهرة الإرهابيين” ص224 عليها التزام “الحياد”، تنحاز بحسها الإنساني العميق إلى المهمشين والفقراء والبسطاء من أهالي الجبال وتفضح بعين المراقب المُتابع لمجريات الأحداث، تعنت وصلف الفاشية التركية وريثة الكمالية العلمانية ذات النزعة القومية المتغطرسة.

تستنتج الكاتبة بأن” القتل كان مُتعمداً يستهدف الشعب الكُردي”ص34 ،وخلال إقامتها تنشىء علاقة مودة وألفة بينها وبين أهالي الضحايا وتستنتج قائلةً ” أدركُ بأن لا شيء يُسعد الكُرد بقدر استقبالهم الضيف في بيوتهم” ص 38 ، تتسلح الكاتبة برؤية إنسانية في التحليل والكشف عن مُجريات الجريمة، وتُنهي بحثها الميداني بتعدد المصادر واللقاءات، وتعود بنا إلى تاريخ الحركة الكردية وانتفاضة الشيخ سعيد ومعاهدة سيفر ولوزان والثورة الكماليّة التي غدرت بالقيادات الكردية آنذاك، ومجزرة ديرسم عام 1937 وإعدام سيد رضا ورفاقه، لتستنتج أخيراً بأن ” الكتابة عن القضية الكُردية هي الكتابة عن كل الجماعات التي تُشكل تركيا”ص 147. تحلل فريدريكا مسألة الهوية التركية وصعوبة فرضها على الأقليات العرقية والدينية، وتُلقي الكاتبة الضوء على المأساة الأرمنية والكردية والهوية السريانية ومعاناة العلويين منذ قرن من الزمن، وسعي السلطات التركية على فرض هوية قومية ودينية على كل المكونات الاجتماعية في الجمهورية الفتية. ثم تطرح سؤالاً يبدو بسيطاً للوهلة الأولى: منْ هو الكردي؟ وأين تقع كُردستان؟ في بحثها عن الإجابة تصطدم بمعطيات ومفاهيم جديدة في الفكر السياسي الحديث في تكوين الأمة وجذورها التاريخية، وتتبنى مفهوم عبدالله أوجلان عن الأمة الديمقراطية، لأن الأمة القومية تنتج المآسي، كالأمة التركية ص 205.

يُصنّف الكتاب في خانة التحقيقات الصحفية لكنه أيضاً، بحث في أركيولوجي الثقافة وتشكل الذاكرة القومية لدى شعوب المنطقة الأصلاء كالأرمن والكُرد والأتراك واليونان والسريان في منطقة مابين النهرين منذ مئات السنين. يسيطر على الكاتبة هاجس شرف المهنة (الحياد) فهي ليست صُحفية تعمل في جريدة تشرين أو مُراسلة لقناة المنار اللبنانية كي تُطابق تقاريرها وفق أهواء دوائر الأمن في سورية أو إيران، في الفصل الأخير، تُعرّج الكاتبة على مُفاوضات اوسلو وتستعرض موقف حزب العدالة والتنمية المُتمثل بأردوغان حينها كان موقفه ” سوف يتم التعامل من جديد مع هذه المجموعات بشدة وحزم” ص276 ، بينما تنقل موقف أوجلان عن المُفاوضات ورؤيته المستقبلية للعيش المُشترك لشعوب الأناضول كما يلي:”بمناسبة نوروز أدعو كل الناس من أصول أرمنية وتركية وآشورية وعربية وباقي الأصول أن يروا شُعاع الحرية والمساواة بشكل واضح كما يفعل الكُرد”. بالرغم من انتقادها لبعض مواقف القائد الكردي، لكنها وبروح إنسانية عالية تختار طريق العدالة الإنسانية وتُناصر أصحاب الحق.

كتاب غير قابل للنسيان والإهمال، صرخة ضد العنف ودعوة حقيقية للسلام. الكتاب ترجمة الصديق كيفورك خاتون وانيس. إصدار دار الفارابي: أيلول 2018 اختيار موفق لإغناء المكتبة العربية، وحاجة مُلحة للمُثقفين الناطقين بالعربية.

yekiti