لا شك بأن القضية الكردية في سوريا خطت خطوات كبيرة منذ اندلاع الثورة السورية، ومعركة كوباني سطرت صفحة جديدة، في تاريخ الحركة الكردية، في هذا الجزء من كردستان، وقذفت بالقضية الكردية إلى الى واجهة المشهد السوري دفعة واحدة، رغم كل الموانع والإعتراضات.

وأخذت هذه القضية تحتل حيزآ كبيرآ من إهتمام المهتمين بالشأن السوري من أهل المنطقة وخارجها، كلآ لأسبابه.

والهوية الكردية السورية منذ تلك اللحظة أخذت تشهد صعودآ ملحوظآ، كما لم تشهده من قبل ذلك. وبرأيي لم يعد ممكنآ أبدآ، إعادة المارد الكردي إلى وضع ما قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011. ولم يعد يقبل الكرد في سوريا أن يعاملوا معاملة مواطنين من الدرجة الثانية. وبات من المستحيل إرضائهم بمرسوم هنا وأخر هناك، مثل مرسوم التجنيس، والسماح بتسمية أطفالهم بأسماء كردية، أو الإحتفال بعيد نوروز القومي، خاصة بعدما بات لديهم إدارة ذاتية، ويحكمون أنفسهم بأنفسهم، بعيدآ عن سيطرة النظام وإستبداده. وقد تحقق ذلك بفضل التضحيات الجسيمة، التي قدمها الكرد أثناء معاركهم ضد التنظيمات الإرهابية، المدعومة من قبل تركيا والنظام السوري على حدٍ سواء.

النظام السوري سحب موظفيه من المناطق الكردية، دون أن يؤمن حماية لها، وتركها هدفآ للمجرمين والإرهابيين، الذين غزوا المناطق الكردية بدءا  بما يسمى بالجيش الحر، وإنتهاءً بتنظيم داعش، الذي خلف دمارآ وخرابآ في تلك المناطق.

وفشلت المعارضة السورية بكل مسمياتها، بتطمين الكرد من خلال انتهاج خطاب وطني، بعيد عن الفوقية ورفضها لتوقيع اتفاق سياسي واضح الملامح، يضمن الحقوق القومية والسياسية للكرد في سوريا ما بعد الأسد. وأن تكون بنود ذاك الإتفاق مواد أسياسية في دستور البلاد القادم.

ولهذا رفض الكرد الانضمام للمجلس الوطني، ومن بعدها للائتلاف الوطني السوري، الذي ترعاه تركيا والسعودية المعادين للكرد.

وهذا ما دفع بالكرد انتهاج نهج مغاير، ويلعبوا لعبتهم والعمل لأنفسهم وبناء إقليمهم الفدرالي في شمال سوريا، كي يضمنوا حقوقهم القومية والسياسية، ومنع وصول نيران الحرب المذهبية الدائرة في سوريا إلى مناطقهم، قدر المستطاع.

ومن هنا كان الإنزاعج التركي وحنقها على الكرد، ولهذا يسرت لـتنظيمات مثل داعش إختراق الحدود، وتهريب المال والرجال والسلاح والنفط، ولم تخفي تركيا يومآ عن نيتها في قطع الطريق على الكيان الكردي السوري المتبلور حديثآ، وإسقاط النظام السوري. من أجل ذلك تحالف العثماني أردوغان وحكومته، مع كل إرهابي الكون لكي يوقف الفدرالية الكردية وإسقاط النظام، ولكن دون تحقيق أي نجاح يذكر، سوى وقف عملية توحيد الإقليم ترابيآ مؤقتآ، وقدم مدينة حلب للنظام السوري ثمنآ ذلك، والتوقف عن دعم الإرهابيين، وجلبهم إلى إستانة وجنيف رغمآ عن انفهم.

وأياً كان شكل التسوية في سوريا، فليس من مجال لإعادة الكرد في كردستان سوريا إلى ما قبل العام 2011، أي قبل إندلاع الثورة السورية السلمية، مهما حصل. لن يعود الكرد مواطنين من الدرجة الثانية، وسيتمتعون بإقليم فدرالي خاص بهم، سواء بقي نظام الأسد أم رحل، أو بقيت سوريا موحدة أو تقسمت، فجميع الطرق باتت تمر من قامشلوا وتؤدي إلى إقليم غرب كردستان.

ومن المؤكد بأن الربيع فتح الباب واسعآ، أمام الكرد لتجديد اليقظة القومية، وخاصة في سوريا والعراق. فحتى سنوات قريبة، لم يكن يتجرأ المواطن الكردي في سوريا، أن يتحدث عن حقوقه الثقافية حتى في الحلم، فما بالكم المطالبة بفدرالية، وامتلاك قوات عسكرية تحميهم، وتدافع عن إقليمهم كما هو حاصل الأن.

كان على السوريين العرب التعلم من التجربة العراقية، ويتوصلوا مع الكرد الى قواسم مشتركة، تحفظ للكرد حقوقهم القومية، وتكفل لسوريا وحدتها في إطار نظام لامركزي أي بمعنى فيدرالي.

والإتفاق معهم على شكل الدولة والخطوط العريضة للدستور القادم، وشكل الجيش وتركيبته، والأسس التي ستبنى عليها الأجهزة الأمنية، وكيفية تقاسم السلطة والثروة. أي وضع مشروع وطني يجتمع عليه كافة مكونات المجتمع السوري من قوميات ومذاهب وجماعات دينية. بدلآ من تحويل الكرد إلى خصوم وأعداء، لإرضاء تركيا، والجري وراء وهم  و مفهوم الإمة العربية ووحدتها، والإمة الإسلامية، التي لا وجود لها.

وكان عليهم أن يدركوا بأن عهد الدولة المركزية بشكلها السابق قد ولى، ولم يعد ممكنآ حكم سوريا، بهكذا نظام أبدآ.

الإسلاميون والقومجيون العرب السوريين داخل السلطة والمعارضة،  مطالبون  اليوم أن يقفوا وقفة جريئة مع أنفسهم، ويراجعوا خطابهم الإقصائي والعنصري، الذي تسبب بكل هذه المآسي والكوارث للسوريين، وأن يقروا بخطئهم، ويقدموا اعتذارا للكرد وبقية المكونات السورية. وينتهجوا سياسة جديدة تهم الوطن السوري ومكوناته القومية والاجتماعية والدينية والمدنية، والتخلص من الفكر الفوقي والإقصائي البغيض.

وختامآ، أقول للقوى الإسلامية والقومية السورية، حان الوقت أن تدركوا بأن الكرد، شركاء في الوطن وليسوا ضيوفآ عليكم. وإن لم تغيروا نهجكم تجاه الكرد، ستخسرون كل شيئ، ومعه سوريا كوطن بالشكل الذي عرفناه حتى الأن.

وأخيرا أقول بأن المولود الكردي بات حقيقة واقعة، ولا يمكن القفز عليه، أيا كان الحال. ومصير وحدة سوريا مرتبط بالسياسة التي سوف تنتهجونها، وكيفية تعاملكم مع الكرد.

yekiti