يروي الكاتب الاميركي روبرت إل برينمان في كتابه “أقوياء قوة جبالهم” ذكريات عن تعايشه مع كرد العراق وتركيا لسنوات عدة، امتدت من 1983 ولغاية 1996 حيث كان يدرّس اللغة الانكليزية في تركيا.
في عام 1991 التحق بمنظمة غير حكومية عملت على توطين اللاجئين الكرد الذين بدأوا العودة الى منازلهم،وكانت السنوات الاربع التي قضاها مع كرد العراق مليئة بالامال والالام”على حد وصفه” وقد آلمه كثيرا اندلاع القتال بين الكرد واعتبره اشد خطورة على الكرد من قتال الاعداء لهم. ويعرض إل برينمان معلومات قيّمة عن اصول الكرد وهويتهم القومية وحقوق الانسان ودور المرأة والعائلة والمجتمع والممارسات الدينية والانتقال من الثقافة الشفوية الى الرسمية المكتوبة. ان بحث المؤلف في الموروث الثقافي الكردي يأخذ بالقارئ الى جبال ارارات، والى اسطنبول ومدن اخرى مكتظة بالكرد النازحين اليها، وقد زار مخيمات اللاجئين الكرد، والقرى المدمرة والمقاهي والمطاعم وهو يدرس الثقافة الكردية، مسلطا الضوء على الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها من التجربة الكردية. يقول إل برينمان في كتابه انه في عام 1991 عندما اجبرت قوات صدام حسين نحو مليوني كردي على الفرار من قراهم وبلداتهم ومدنهم، طالبين الامن والمأوى في جبال تركيا وايران، كشفت شبكات التلفزيون عن شعب كان الملايين على جهل بمصيرهم، ظهر الكرد من جديد على شاشات التلفاز وفي نشرات الاخبار عام 2003 عندما اصبحت الهجمات عليهم بالاسلحة الكيمياوية(هذه الهجمات لقيت القليل من الاهتمام في حينها) جزءا من التبرير لاجتياح العراق ونشوب حرب الخليج الثانية، وفي كلتا المرتين ظهر الكرد على المسرح الدولي ولم يعودوا يعانون من عدم الاهتمام الاولي بهم.
ويرى مؤلف الكتاب ان الكرد شعب متميز بمعاناة كبيرة وخيانات واهمال، ومع ذلك فقد أظهر تعلقا بالحياة واظهر كرماً وشجاعة لا تقهر، وحبا لموروثهم الثقافي وتقاليدهم التي بقيت قائمة لقرون عدة، وقد استخلص هذه النتائج اثناء اقامته مع عائلته بين الكرد اولا في تركيا، وبعد ذلك في كردستان العراق.ويؤكد إل برينمان ان “هذا البحث” كما يسميه، هو ثمرة 25 سنة من العيش بين الكرد والاهتمام بهم، وهو ليس سردا مفصلا لتاريخهم ولا هو تقييم لوضعهم السياسي الراهن، بل هو رحلة في ثقافة لها جذور ما قبل التاريخ ومستمرة الى بداية القرن العشرين، وتتردد في الكتاب اصوات الكرد وهم يتحدثون من قراهم الاصلية وجبالهم، ومن المهجر. ويعرب عن ان هناك جوانب في الثقافة الكردية اثارت لديه الحيرة، مع الاخذ بالحسبان ان ثقافته قد تبدو محيرة ومربكة وغير منطقية بالنسبة للكرد مثلما بدت ثقافتهم اليه في بعض الاحيان.ويشير الكتاب الى انه من بين العناصر المهمة في التاريخ الكردي الممتد على مدى آلاف السنين، تطور الهوية الكردية القومية الواضحة، مستشهدا بقول صاموئيل هانتنغتون مؤلف كتاب”صراع الحضارات” المثير للجدل