دخلت المأساة السورية عامها السادس دون أن تبلغ النهاية, والقراءات السياسية للواقع لا تبشر بفرج قريب .
لن نتحدث هنا عن الضحايا الذين تجاوز عددهم النصف مليون, ولا عن المفقودين والمعتقلين الذين تجاوز عددهم أيضاً النصف مليون, ولا عن الملايين الذين اقتلعوا من جذورهم، فتركوا بيوتهم وذكرياتهم ونزحوا إما في الداخل بحثاً عن مكان آمن أو حزموا حقائب السفر وحملوها عبر الحدود إلى المجهول, في مغامرة البحث عن الأمان المفقود ومستقبلٍ أفضل لأولادهم.
لن نتحدث عن مئات الآلاف من البيوت المهدمة, والشوارع المهجورة, والمدن والبلدات التي تحولت إلى أطلال, ولا عن البنية التحتية وشبكات التخديم التي نسفت من الأساس وتعرضت للنهب والسرقة, ولا عن أسواق المواد المسروقة ولا عن المعامل والمصانع التي بيعت لدول الجوار كخردة, ولا عن النفاق الذي استشرى، ولا عن الارتزاق والمال السياسي الذي لوث القيم والمبادئ والأخلاق, ولا عن المتسلقين الذين تحولوا إلى أثرياء وربما يحظون بمواقع المسؤولية في سوريا المستقبل! … سنسلط الضوء هنا فقط على أطفال الثورة…!، ونعني بهم أولئك الذين كانوا في أشهر العمر الأولى وأولئك الذين بلغوا سن الدراسة حين اندلعت الثورة, فأغلقت المدرسة وحرموا من فرحة الحقيبة المدرسية, وقلم الرصاص والدفتر, ومشاهدة أفلام الكرتون بعد كتابة الوظيفة, وأولئك الذين عاشوا مع أمهاتهم في مخيمات النزوح يمسكون ذيل ردائهن وهن ينتظرن في طابور الذّل للحصول على وجبة طعام, وأولئك الذين وقعوا تحت الحصار مع ذويهم وحلِموا في لياليهم بلفافة ولو زعتر!، فذابوا كالشموع جوعاً, وأولئك الذين شاهدوا القتل والأشلاء والجثث المتفسخة وحضروا محاكم داعش والنصرة وأحكام الرجم والنحر, وأولئك الذين ولدوا على حدود الدول في رحلة اللجوء, أو شاهدوا عشرات الآلاف محملة فوق بعضها على البلم, وشاهدوا في التلفاز والجرائد جثة آلان الكردي التي دفعتها الأمواج نحو الشاطئ, وأولئك الذين حالفهم الحظ فوصلوا إلى برّ النجاة مبكراً لكن الوالدين أصرا على الطلاق هناك وتركا الأولاد في عهدة حكومات دول اللجوء، فنسوا لغتهم وصاروا يتحدثون بلغة دور الأيتام ودور الرعاية والملاجئ, وأولئك الذين يتسكعون في ساحات وشوارع دول الجوار بحثاً عن كسرة خبز ويختبئون من ظلمة الليل في الزوايا والجحور يفترشون الأرض ويلتحفون السماء, وأولئك الذين ولدوا وفطنوا بغياب الأب الذي غرق في بحر الثورة أو احترق بلهيبها فانقطعت أخباره, أو بغياب الأم التي سلمت الروح أمام عينيه متأثرة بجراح إثر شظية برميل, أولئك الذين ولدوا من نكاح الجهاد… وزواج الحاجة… والزواج تحت التهديد والخوف… وزواج الغريزة, وبيع الجسد …. وأبناء الزنا.
أطفال سنوات الثورة هم أكبر ضحاياها وأصدق الشهود على فصولها ومآسيها, فهم الشهداء الأحياء, المكلومين في أعماقهم, والمشوهين في ذاكرتهم … هؤلاء هم أنفسهم شباب الوطن وعماده بعد أن تضع الحرب أوزارها، فهل سيحظون بالرعاية والتأهيل من قبل أولي الأمر في القادم من الأيام لتعويضهم عما حصل، أم أن الوطن سيعيش مشوهاً هو الآخر حتى تندمل كل الجروح وتزيل كل الآثار وينقرض كامل جيل الثورة ؟.
* جريدة الوحـدة – العدد /274 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)